الاستاذ محمد سليم عرفة_ سورية
الإستاذ محمد سليم عرفة_ سورية
ولد عام 1965م في دمشق بسوريا، واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة مساعد مهندس اختصاص الكترون، كانت نشأته في
عائلة تعتنق المذهب الحنفي، لكنه عن طريق المطالعة والقراءة تفتح ذهنه على افاق رحبة من المعارف والعقائد الاسلامية حتى توصّل إلى
نتائج دفعته لاعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
اهتمامه بالشؤون الدينية:
يقول الأخ محمد سليم: كنت اتردد منذ صغري على المساجد وحلقات الدرس الدينية مما سمح لي بدراسة الفقه على أيدي عدة من مشايخ
دمشق، وكنت مهتماً بدراسة الاديان السماوية ومناقشة البعض من معتنقيها، كما كنت مهتماً بالبحث حول الخلافات الدينية.
بداية تعرّفه على التشيع:
يقول الأخ محمد سليم حول بداية تعرفه على مذهب أهل البيت(عليهم السلام): "عملت لدى خال لي عنده مكتب عقاري، ومن خلال
عملي في هذا المكتب كنت
أصادف بعض رجال الشيعة الوافدين من القطر العراقي الشقيق لزيارة السيدة زينب وقد كان المكتب العقاري في منطقة قريبة من كراج
انطلاق السيارات المتوجهة للسيدة زينب.
لذلك كان يتردد الكثير منهم لاستئجار بيوت قريبة من هذه المنطقة فيدخلون هذا المكتب ليسألوا عن البيوت.
وقد كلمني أحدهما وكان قادماً إلى المكتب ليستأجر داراً للسكن، وقد أخبرني أنه يدرس في الحوزة، ولم أكن قد سمعت بهذا التعبير من قبل،
فسألته ماذا تعني (الحوزة) فوضح لي وسألني: ماذا أعرف عن الشيعة؟
فقلت له: لا أعرف إلاّ أنه مذهب من المذاهب الاسلامية، وأنهم يقدّسون سيدنا علياً(رضي الله عنه) وأهل بيته ويرون أنه أفضل من كل
الصحابة هذا ما أخبرته به فقط مع أني كنت أخفي في قرارة نفسي ما كنت أسمعه من مشايخي ومن العوام من تشنيع على الشيعة وذلك منعاً
للإحراج، ولكنه بدأ يكلمني عن بعض الأمور الخلافية بين الشيعة والسنة، وقد كنت أندهش لأن ما أسمعه منه لم أسمع به من قبل، وعندما رآني
غير مصدّق لكلامه قال لي: ألست تقول بأنك تحب المطالعة وأنك لا مانع عندك من قراءة أي كتاب؟ فقلت: نعم، فنصحني بقراءة كتاب
(المراجعات).
وقال لي: إن هذا الكتاب حوار بين شيخ سني وآخر شيعي وأن كل ما فيه هو من كتب وصحاح أهل السنة.
وقد حاولت جاهداً أن أجد هذا الكتاب في المكتبات التي أعرفها في دمشق، لكنني لم اصل إلى النتيجة المطلوبة".
المامه بمأساة واقعة الطف:
يقول الأخ محمد سليم: "وفي هذه الفترة جلب لي شقيقي (المئة الأوائل من
النساء) وقد كان قد قرأه واستوقفته خطبة السيد زينب وهي في بلاط الطاغية يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان وذلك بعد واقعة كربلاء، ولم
أكن أعلم عن هذه الحادثة شيئاً، ولم أسمعها من أحد من قبل، مع أني كما قلت سابقاً كنت ومنذ طفولتي أتردد إلى المساجد وأحضر حلقات
الدروس، ولكن لم أسمع عن هذه الحادثة.
وقد علمت بعد ذلك أن ما كنت أقرؤه كانت كتباً موجهة تحاول أن تمنع أن تصل إلينا مثل هذه الأمور..
وبعد قراءتي لهذه الخطبة حاولت أن أبحث في الكتب عن واقعة كربلاء واندهشت عندما قرأتها في تاريخ الطبري.
فسيدنا الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة كما جاء في الحديث الشريف.
(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
قد قتل هو وأهل بيته وأصحابه في هذه الحادثة أمام أعين المسلمين وسمع الآخرين، وقاتلهم يزيد وجيشه، وهذا الطاغية كان خليفة المسلمين
في ذلك الوقت فهذه الحادثة جعلتني أعزم على أن أعرف كيف وصل هذا الطاغية إلى الحكم فتحكم بالإسلام والمسلمين وتجرأ على ريحانة
رسول الله(صلى الله عليه وآله)".
قراءته لكتاب المراجعات:
يقول الأخ محمد سليم: "ومن حسن الحظ في تلك الفترة أن التقيت صدفة بأحد أصدقائي لدى خروجي من صلاة الجمعة يحمل كتاباً فقلت
له: ما هذا الكتاب؟
فقال بنفور: كتاب عن الشيعة.
فقلت له: هاته. وكم كانت فرحتي شديدة عندما قرأت عنوان الكتاب (المراجعات) بين السيد شرف الدين والشيخ سليم البشري، فهذا
ما كنت أبحث عنه، وقد حاول صديقي منعي من أخذه بحجة أنه مختلق كما يعتقد وأن شيخه قد
نصحه بعدم قراءته لذلك هو لم يقرأه، ويريد أن يعيده للشخص الذي أعاره إياه.
فقلت له: لا عليك سوف أقرؤه بسرعة وأعيدة اليك غداً وفعلا قرأت الكتاب وأنهيته في ساعة متأخرة من تلك الليلة، وقد أعدت قراءته
لأتأكد مرة ثانية من حقيقة الروايات، والأحاديث المثبتة في هامش الكتاب، والتي استشهد بها السيد شرف الدين.
وقد قلت في نفسي إن كانت هذه الروايات موجودة في كتب أهل السنة وتواريخهم وتفاسيرهم، فسوف أعيد النظر في قناعاتي، فلا يهم إن كان
هذا الكتاب ملفقاً أو صحيحاً، لأن الغاية هي ما جاء فيه وليس غير ذلك.
وبالفعل، فقد تأكدت من وجود هذه الأحاديث في الصحاح وكتب التفسير والتاريخ، وكل ما قاله واحتج به السيد عبدالحسين شرف الدين من
حجج باهرة لا يمكن نكرآنهاإلاّ على من لا يريد أي يرى ضوء الشمس".
ردود فعل ابناء مجتمعه:
يقول الأخ محمد سليم في مجال المضايقات التي واجهها بعد التوصل إلى القناعات الجديدة:
عندما رفضت أن أحجز عقلي حكمو عليّ بالضلالة كما صرح أحد المشايخ الذين كنت أحضر دروسهم، وحتى أنه رفض مناقشتي في هذه
الأمور.
وشيخ آخر نصح الناس بالابتعاد عني، وذلك عندما نقل له أحد من كان يحضر عندي من تلاميذه بأني أعطيهم بعض الكتب لي يقرؤوها مثل
كتاب (ثم اهتديت للدكتور محمد التيجاني) وكتاب (المراجعات).
وكل الذين كتب الله لهم سبيل الهداية إلى مذهب أهل البيت.
فما كان من هذا الشيخ إلاّ أن قال في خطبة يوم الجمعة وعلى المنبر:
إن أحد الزنادقة يوزع كتاباً فيها سب وشتم للصحابة، فننصح الأخوة عدم
قراءة هذه الكتب، وعوضاً عنها أنصحهم بقراءة كتاب العواصم من القواصم..
هذا كل ما عنده وعند أمثاله فأي إنسان يخالفه بالرأي سيصبح زنديقاً يسب الصحابة ولا يصح أن يكلمه أحد.
وعندما آثرت أن أقرأ كتاب العواصم من القواصم لأرى ما فيه فوجئت بما وجدت فيه من سب وشتم الصحابة وانتقاص منهم، وفي نهاية
الكتاب فتوى بقتل الشيعة وكل من يخالف مذهب العامة..
لذلك قررت أن أذهب إلى هذا الشيخ وذلك في يوم الجمعة، وقد أخذت معي كتاب العواصم من القواصم بعد أن كنت قد همشته، ووضعت
علامات على المواضيع التي ينتقص فيها مؤلف الكتاب من الصحابة، وأخذت معي أيضاً كتاب التشيع للسيد عبدالله الغريفي (حفظه الله)..
وفي يوم الجمعة دخلت إلى مسجد الزهراء في منطقة المزه، واستمعت إلى الخطبة، ثم صليت معهم صلاة الجمعة، وبعد الانتهاء التفت الشيخ
إلى الحضور وبدأ يجيب عن أسئلتهم، فلمّا شارف على الانتهاء وهم بالوقوف توجهت إليه وقلت له:
إذا سمحت يا شيخ عندي بعض الأسئلة، وهنا بادرني بالسؤال عندما رأى كتاب العواصم من القواصم بيدي قائلا:
هل اشتريت الكتاب؟
فقلت له: نعم حسب ما طلبت أنت من الأخوة، فطلب مني أن أعطيه الكتاب ليتأمل، وبالفعل أخذه من يدي وبدأ يتصفحه ويبدي سروره عند
كل صفحة وعندما قال لي ما سؤالك؟
فقلت له: إن كان يوجد هنا مكتبة أو مكتب لندخل له حتى يتسنى لنا الحديث بهدوء فقال: لا، أسأل هنا أمام الأخوة.
فقلت له: يا سماحة الشيخ ألم يأمرنا الله بالاعتصام بحبل الله جميعاً وأمرنا
رسول الله الكريم بعدم تكفير بعضنا البعض، وقال من كفر مسلماً فقد كفر، فكيف تأمر الناس بقراءة كتاب يفتي بقتل نصف المسلمين ممن
يشهدون الشهادتين ويقيمون الصلاة ويصومون رمضان؟
وهذا الكتاب أيضاً يسب الصحابة، ويقول إن بعض هؤلاء مثل عمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبو حذيفة قد
لعب فيهم ابن اليهودية (عبدالله بن سبأ) فكادوا لدولة الإسلام، وأججوا الفتنة التي أدت لمقتل عثمان بن عفان.
فقاطعني هنا الشيخ وقال: تفضّل لنتكلم في الداخل.
وقد كان المصلون قد تجمعوا حولنا فقادني إلى غرفة بجانب المصلى وقد دخل معنا جمع غفير من المصلين، فالتفت إليّ قائلا أنا لم أقرأ
الكتاب، ولعل ما فيه مدسوس، فقلت له: هذا هو الكتاب، وقد فتحت له على الصفحة التي فيها الفتوى بقتل الشيعة.
فالتفت إلى الشيخ وقال: أنا لم أقرأ الكتاب.
فقلت له: ان مشلكتنا أننا نجهل كل شيء عن الشيعة إلاّ ما يقوله المغرضون والمشنعون، وقد أتيتك بكتاب يشرح منشأهم وأصول المذهب
عندهم، وأتمنى منك أن تقرأ بعين المصنف، وسوف آتي إليك في الأسبوع المقبل لأعرف رأيك وهذا رقم هاتفي واسمي وعنواني فبان عليه
الاستغراب عند سماع اسمي فعرفت ما يدور في ذهنه، فقلت له: إني كنت حنفي المذهب، والآن أتبع مذهب أهل البيت.
وقد أعطيته كتاب التشيع (للسيد عبدالله الغريفي حفظه الله) وطلبت منه أن يتصل بي إن أشكل عليه أمر ما، وودعته على أمل اللقاء بعد
أسبوع.
وعندما أتى الموعد ذهبت إلى المسجد ولم يكن قد اتصل بي خلال هذا الأسبوع، وعندما قابلته بعد الصلاة اعتذر وقال إنه لم يقرأ الكتاب لأنه
مشغول،
وعنده دورة تحفيظ القرآن الكريم وواعدته في الأسبوع الذي يليه، ولكنه للأسف خرج من المسجد عندما رآني وأنا أصلي. ولم يلتفت
إلي...
فعرفت أنه لم ولن يقرأ الكتاب، فلم أعد له ولم يتصل بي، ولكني عرفت رأيه من نظرة بعض الأصدقاء لي ونفورهم وكلامهم لي: لماذا
تركت مذهبي واعتقادي السابق وكنت دائماً أشرح لهم وأعرَّفهم الحق وقد اهتدى البعض، واستنكف آخرون لأنهم كانوا يأخذون بكلام مشايخهم
وإن كان بلا دليل، ويرفضون كلامي وإن أتيت عليه بألف دليل من الكتاب والسنة. وقد نسوا قول الله تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـنَهُمْ
أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ...)(1).
ومن المعلوم أن النصارى لا يعبدون أحبارهم ولا رهبانهم، بل يطيعونهم فيما يقولون ويصدقونهم ويسلموا لهم دون دليل ودون تعقل أو تفهم،
لذلك وصفهم الله بأنهم يعبدونهم من دون الله.
فهل يريد منا هؤلاء أن نكون مثلهم، وقد أمرنا الله أن نحكم عقلنا من بعد الكاتب وسنة رسول الله.
قال تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَآ..)(2).
لذلك فقد حررت عقلي ومضيت في سبيل الله لا أخشى لومة لائم، وبذلك قد نزعت التعصب الأعمى وما أورثه لي أسلافي، فانكشف لي ما
حاولوا تغطيته والتعتيم عليه عبر العصور.
وما أحوجنا الآن إلى أن يدرس هذا التاريخ الذي اختفى من ورائه النزاع السياسي والصراع الطائفي دراسة واقعية على ضوء التحقيق
العلمي المجرّد عن التعصب والتحيز ليظهر الحق والحق أحق أن يتبع.
مؤلفاته:
1- "افادات من ملفات التاريخ":
________________________________________________________________________
الهوامش:
1- التوبة: 31.
2- محمد: 24.
2021-02-21