نظرة على حديث : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء !
الاستاذ مروان خليفات يكتب...
روى ابو داود : ( عن العرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ،وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلاف كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ... )
سنن أبي داود ، في السنة، باب لزوم السنة، حديث رقم 4443
نظرة أولية
يُروى هذا الحديث على أن النبي ( صلى اله عليه وآله وسلم) قاله بعد صلاة الصبح، وفي آخر عمره الشريف كما يفهم من قولهم: (كأنها موعظة مودع) ووعظهم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، والمفروض أن لا تُنسى مثل هذه الموعظة، وأن تروى وتصل للأمة الإسلامية على افتراض صحة صدورها عنه ( صلى اله عليه وآله وسلم) وعلى الرغم من وجود الصحابة، حيث يمكن القول أنه كان يصلي خلف النبي الألاف في آخر حياته، إلا أن هذه الوصية لم ترو إلا عن العرباض بن سارية، ولم يُنقل إلينا أن أحدا غير العرباض روى هذا الحديث، وهذا يدفعنا إلى الشك في صحة صدوره عن النبي ( صلى اله عليه وآله وسلم) وإلا لما كان ليخفى على الصحابة وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الرواة !
ولو صح ما كان ليخفى على البخاري ومسلم مع حفظهما لعشرات الآلاف من الأحاديث !
راويان أساسيان
روي هذا الحديث بأسانيد تنتهي كلها إلى العرباض بن سارية يرويها عنه عبد الرحمن بن عمرو السلمي.
ترجمة العرباض
من بني سليم، كنيته أبو نجيح، صحابي من أهل الصفة، سكن حمص قال خليفة بن خياط: مات في فتنة ابن الزبير، وقال أبو مسهر: مات بعد ذلك سنة خمس وسبعين. قال المزي: (وهو قديم الموت)
تهذيب الكمال: ج19 ص 55 ، وراجع ترجمته في: الأصابة، ج4 ص 398ـ399، أسد الغابة، ج4 ص 19ـ 20، سير أعلام النبلاء، ج3 ص 419 ـ 422.
كان العرباض يزعم أنه رابع من أسلم، قال ابن حجر: ( وقال أيضا كل واحد من عمرو بن عبسة والعرباض بن سارية: أنا رابع الإسلام، لا يدرى أيهما قبل صاحبه)
الإصابة، ج4 ص 399، تاريخ دمشق، ج40 ص 185.
إن زعم العرباض هذا باطل، ولم يذكره أهل التاريخ، في أوائل من أسلموا، قال ابن اسحاق: ( وكان أول من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد زوجته ثم كان ذكر آمن به علي وهو يومئذ ابن عشر سنين ثم زيد بن حارثه ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنهم... فأسلم على يديه ـ أبي بكرـ فيما بلغني الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة ابن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ...فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا إلى الاسلام ...)
سيرة ابن اسحاق، تحقيق الدكتور سهيل زكار،ج2 ص 120 ـ 121، ونقل مضمون هذا الكلام الذهبي في تاريخ الإسلام ج1 ص 138 ، وابن كثير في تاريخه ج3 ص 39 وغيرهما .
فقول العرباض أنه رابع الإسلام، يبعث فينا الريبة اتجاه أقواله الأخرى !
ترجمة عبد الرحمن بن عمرو السلمي
إن عبد الرحمن بن عمرو السلمي راوي الحديث عن العرباض وارد في كل طرق الحديث، وحين نرجع إلى ترجمته لا نجد من وثقه أو جرحه !
فأول من ترجمه ابن سعد ، حيث قال:" عبد الرحمن بن عمرو السلمي، مات سنة عشر ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك"
طبقات ابن سعد ج7 ص 312
ثم ذكره البخاري في تاريخه الكبير ج5 ص 325 ، قال : " عبد الرحمن بن عمرو السلمي، سمع عرباض بن سارية، سمع منه خالد بن معدان وضمرة بن حبيب الشامي وروى عنه عبد الأعلى بن هلال"
وذكره ابن حبان في " الثقات" ج5 ص 111، ولم يزد على كلام البخاري شيئا، وحين ننظر في كتب المتقدمين أمثال: " كتاب الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و" تاريخ الثقات" للعجلي، و " ذكر اسماء التابعين" للدارقطني وغيرها من الكتب، لا نجد ذكرا للسلمي .
هذا كل ما قيل في الرجل عند الأقدمين، قال ابن حجر: ( له في الكتب حديث واحد في الموعظة صححه الترمذي)
تهذيب التهذيب: ج6 ص ، 216
ومنه نخلص إلى جهالة عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وإلى هذا ذهب أحد جهابذة أهل الحديث ونقاده وهو القطان الفاسي، مما يعني عدم صحة الحديث عنده
" الوهم والأيهام" ج2 ص 35.
وكان شعبة بن الحجاج ـ أحد أمراء المؤمنين في الحديث ـ يقول:" لأن يصح لي مثل هذا عن رسول الله (( صلى اله عليه وآله وسلم)) كان أحب إلي من والدي وولدي والناس أجمعين"
ذكره عنه الحاكم المستدرك: كتاب العلم، ج1 ص 97
وذهب إلى هذا الرأي بعض المعاصرين، منهم : المحقق السلفي حسان عبد المنان، وكتب رسالة في ذلك بعنوان ( حوار مع الشيخ الألباني في مناقشة لحديث العرباض بن سارية) ووافقه الباحث السلفي محمد الأمين.
في عمق الحديث
ـ إن مصطلح الخلفاء الراشدين لم يتداول في حياة النبي ( رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في فترة حكم الخلفاء بعد النبي، وليس هناك سند تاريخي واحد يدل على وجود هذا المصطلح بين الناس إلا عند العرباض بن سارية، ولم يروه إلا في الشام كما يظهر من جميع رواته الشاميين، على أن من المناسب في فترة حكم عثمان وأثناء الثورة التي حدثت ضده أن يرفع هذا الحديث شعارا ليمنح نفسه الشرعية، أو يطرحه العرباض ليجنب الناس الفتنة، فلماذا أخفاه العرباض ولم يسمع به أحد غيره ؟!
ـ الملفت للانتباه أن الصحابة لم يثيروا أي تساؤل حول هوية الخلفاء الراشدين الذين يرجع لسنتهم عند الاختلاف، ولم يدع أي واحد من الخلفاء الأربعة هذا اللقب لنفسه !
ـ يقول ابن تيمية : وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ رضي الله عنهم ـ هم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون الذين قال فيهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...)
مجموعة الفتاوى ج4 ص 292
ليس هناك دليل على أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم)عنى بقوله هذاـ على افتراض صحته ـ الخلفاء الثلاثة، وعلي (ع) ما كان معدا من الخلفاء إلى القرن الثالث الهجري حيث ألحقه أحمد بن حنبل بهم كمافي طبقات الحنابلة لأبي يعلى، ويُلاحظ أن أول من خالف العمل بهذا النص هم الصحابة أنفسهم، إذ ثاروا على عثمان، ولم يأخذوا بسنته ، وكذلك حاربوا عليا (ع) الذي أمر النبي باتباع سنته، لقد عد ابن تيمية عليا من ضمن الخلفاء الراشدين كما سبق ، وهو نفسه اعترض على سنة علي وسيرته، ولم يعض عليها بالنواجذ !
قال في منهاجه : فلا رأي اعظم ذما من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم بل نقص الخير عما كان وزاد الشر على ما كان. ) ويعني بذاك عليا
ويقول المنهاج 2/204: وإن عليا مع كونه أولى بالحق من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرا. اهـ.
ـ إن تفسير الخلفاء الراشدين بالمذكورين مستمد من الواقع التاريخي لا غير، ولا يوجد دليل على تعيينهم بأسمائهم.
ـ إن الحديث لم يخرجاه البخاري ومسلم، وهذا مما يضعفه كما ذكر ابن عبد البر، حيث قال التمهيد (10\278): «ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً. وحسبك بذلك ضعفاً لها».
ـ لقد رفض الأمام علي (ع) العمل بسيرة الشيخين في قصة الشورى المعروفة، وثبت هذا برواية سندها صحيح ( ولي منشور حولها ) فلو كان الشيخان من الخلفاء الذين عناهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) لما رفض علي (ع) العمل بسنتهم، فسنة علي هي عدم قبول سنة الشيخين، فينبغي اتباع هذه السنة والتمسك بها والعض عليها بالنواجذّ !
ـ إن اختلاف الخلفاء أمر مشهور، فكيف يُرجع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى سنن مختلفة؟ قال ابن حزم في ( الاحكام) ج 6ص 805 – 806: ( ووجدنا الخلفاء الراشدين بعده عليه السلام قد اختلفوا اختلافا شديدا ، فلا بد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها : إما أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه ، وهذا ما لا سبيل إليه ...
أو يكون مباحا لنا بأن نأخذ بأي ذلك شيئا ، وهذا خروج عن الاسلام ، لأنه يوجب أن يكون دين الله تعالى موكولا إلى اختيارنا ، فيحرم كل واحد منا ما يشاء ، ويحل ما يشاء ...
فإذ قد بطل هذان الوجهان فلم يبق إلا الوجه الثالث ، وهو أخذ ما أجمعوا عليه ، وليس ذلك إلا فيما أجمع عليه سائر الصحابة رضوان الله عليهم معهم ، وفي تتبعهم سنن النبي صلى الله عليه وسلم والقول بها...)
يتضح من كلام ابن حزم أن معنى الحديث هو أخذ ما أجمع عليه الخلفاء، واتباعهم في اقتدائهم بسنته، فعلى افتراض صحة الحديث فليس فيه وجه لدعم المدرسة السلفية في استدلالهم به.
ـ إن الخلفاء لو حملوا كل سنة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر النبي باتباعهم في تبليغها للناس، لأمكن اتباعهم، ولكنهم عملوا بمسائل كثيرة خلاف السنة، والشواهد التاريخية تؤكد غياب كثير من السنن عنهم، فلم يكن أبو بكر يعلم أن الجدة ترث، ولم يكن عمر يعلم أن المرأة ترث من دية زوجها، ولم يعلم حكم المجوس في الجزية... ولم يكن عثمان يعلم بأن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها.
(هذه الأمثلة وغيرها ذكرها ابن تيمية مجموعة الفتاوى ج19 ص 130ـ 132)
قد تكون السنن الصحيحة لم تبلغهم فعملوا بخلافها، كما يقول ابن تيمية ( المصدر نفسه)ولكن كيف يُتبعون في مخالفتهم سنن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) والتي كانوا لا يعرفونها؟
فسنة النبي رجم الزاني المحصن، وأبو بكر لم يرجم خالد بن الوليد الذي زنى بزوجة مالك بن نويرة، وعلى افتراض عدم ثبوت زنا خالد، كان ينبغي على الخليفة أن يقيم حد القذف على عمر الذي اتهم خالد بالزنا ولم يأت بأربعة شهداء!
وعمر خالف سنة النبي مع علمه بها، فقد غير سنة النبي في صلاة نافلة رمضان وجعلها جماعة وسماها بدعة، وجعل الطلاق الثلاث يقع واحدة خلافا لسنة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم)
وعثمان خالف سنة النبي في رده الحكم بن العاص طريد النبي، حيث نفاه النبي وراجع فيه عثمان الشيخين في فترة حكمهما، فلم يستجيبا له، فلما ولي الحكم رده.
راجع : سير أعلام النبلاء ج2 ص 107 ، الاستيعاب ج1 ص 358
فكيف يأمر النبي باتباعهم وقد خالفوا سنته مع علمهم بها؟!
ـــ لم يكن الصحابة يرون سيرة الشيخين ذات ميزة خاصة، يجب اتباعها، فهذا علي(ع) وهو مفترض أن يتبع الناس سنته بمقتضى حديث العرباض قد خالف عثمان، روي أنه لما بلغ عليا أن عثمان ينهى عن متعة الحج أهل علي بالحج والعمرة جميعا وقال : لا أدع سنة رسول الله لقول أحد من الناس !.
فتاوى ابن باز ج 1 ص 222.
ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر في بعض السنة قال له عبد الله هل نحن مأمورون باتباع عمر أو باتباع السنة ؟
مجموع فتاوى ابن باز ج1 ص 430
ـ إننا نعيش فتنا واختلافا كثيرا فكيف سينقذنا اتباع سنة الخلفاء وكيف نتبعها؟ فهل نقتدي بهم ونحرق السنة المكتوبة ونمنع التحدث عن النبي كما هي سنة الشيخين؟! وهل نجمع المال لنصبح من أصحاب الملايين كما فعل الخليفة الثاني الذي توفي (وكان مليونيرا ! ) راجع منشوري حول اثبات ذلك !
ـ إن الدين قد اكتمل، قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة ، فما معنى اضافة سنة الخلفاء وقد اكتمل الدين؟
ـ إن راوي الحديث وهو العرباض نفسه لم يعمل بحديث الخلفاء ويناصر رابع الخلفاء ويتبع سنته، فإنه كان إلى جانب معاوية كما يظهر من خلال سكنه الشام وروايته حديثا مكذوبا في معاوية، إذ زعم أنه سمع النبي يقول إن ( الله علم معاوية الكتاب والحساب) مسند أحمد ج4 ص 127
ـ على افتراض صحة الحديث فهو عام يستطيع كل فريق أن يدعيه حجة لنفسه، وهو أقرب إلى الأمامية من غيرهم كما سيأتي .
مأخوذ باختصار من كتاب : قراءة في الأدلة السلفية .. فليراجع
2025-08-23