بقلم: د.  احمد حسن السعيدي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين.

 

        يعتقد اهل السنة والجماعة باختلاف مذاهبهم الفقهية والكلامية ان كتاب محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري، المتوفى256ه، المسمى بـ(الجامع المسند الصحيح المختصر من امور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وايامه) والشائع بين المسلمين بـ(صحيح البخاري) هو من أقدس الكتب مكانة وارفعها شانها بعد القرآن الكريم، فكل ما جاء فيه قطعي الصدور متنا وسندا وهو اعلى قدرا من ان ينتقد  سندا او دلالة وفقا لمنهج المحدثين، وعليه لا بدّ ان يأخذه اخذ المسلمات ولا يشك فيه ابدا، لهذا عنونت هذه المقالة فضائل السيدة نساء العالمين عليها السلام من صحيح البخاري لما يعتقده الاخر في حجية هذا الكتاب وتقتضيه قاعدة الالزام القائلة: (الزموهم بما الزموا به انفسهم) لا سواه، لان ما نعتقد به يغنينا عن صحيحهم، اذكر روايتين وبعدها اقوم بتحليلهما وما استنتجه منهما:

        اولا: قَالَ النَّبِيُّ الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):  (فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ).

        ثانيا: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه –وآله- وسلم) قَالَ (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي).

 

        ويمكن ان احلل هاتين الفضيلتين بالتالي:

اولا: إنّ السيدة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين على الاطلاق من الاولين والاخرين، وهذا واضح الدلالة من الحديث الاول القائل: (فاطمة سيدة نساء اهل الجنة) فمقتضى دلالته بان النساء اللاتي يدخلن الجنة هن افضل النساء بلا شك، لان الداخلات للجنة هن على مستوى عالٍ من الكمال والتقوى والايمان او بعبارة اخرى هن المؤمنات، القانتات، فالسيدة الزهراء هي سيدتهن وهذا بدوره يكشف عن عظم السيدة الزهراء ومكانتها السامية، فأيّ امرأة اتسمت بالكمال من منذ الخليقة الى يوم القيامة فمصيرها الجنة ما فيهن زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). والعجب لا ينقضِ عندما تتصفح هذا كتاب اعلام النساء لعمر رضا كحالة عندما يقارن بين عائشة بنت ابي بكر وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعظّم الاولى على حساب بنت رسول الله، مستندا في ذلك لحديث اورده البخاري عن أبي موسى الاشعري قال: (وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)!! أي اكتسبت ام المؤمنين افضليتها على سائر النساء كما اكتسب اكل الثريد على سائر الطعام!. وهذا رفضه كثير من علماء الجمهور رغم قطعهم بصحته الا انه لا يدلل على افضليتها، قال ابن حجر (ت 852ه ): (وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله عنها على غيرها، لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة، وكان أجل أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضولاً بالنسبة لغيره من جهات أخرى).

ثانيا: في الحديث الثاني الذي اورده البخاري بأنّ السيدة الزهراء عليها السلام بضعة من النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يعني أنها عليها السلام هي جزء لا يتجزأ من شخص الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وكل ما يتمتع الرسول الاكرم من خصائص مادية ومعنوية هي في وجود السيدة الزهراء لانها جزؤه، وربما يشطط بعضهم بحملها على الجانب الطبيعي بان الولد جزء من الوالد هذا المعنى صحيح الا انه لا يتوافق مع ما يريده الله تعالى فالصلة الحقيقية عنده هو مدار التقوى، وقد قص لنا تعالى خبر ابن النبي نوح عندما طلب منه ان ينجبه من الغرق، قال تعالى:   {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 45-46]، وعليه فان السيدة الزهراء هي غصن الشجرة المباركة المادي والمعنوي وتتمتع بكل الخصائص التي ورثتها من ابيها (صلى الله عليه وآله وسلم) لانها بضعته وروحه التي بين جنبيه ولا بد ان يحافظ المسلمون على هذه الخصوصية وان يعيدوا النظر اتجاه بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

ثالثا: الفضيلة الاخرى هي ان غضب السيدة الزهراء كاشف ودال على غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يعطي بعدا اخرا يصور لنا مدى عظمة هذه السيدة الطاهرة، ومن المعلوم عند كل فرق المسلمين باختلاف عقائدهم واراءهم الكلامية يقرّون بان غضب الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو غضب لله تعالى، بل ان الله تعالى نهى عن رفع الصوت فوق صوت النبي وجعله محطة لاحباط العمل فضلا عن غصبه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات : 2].

 

وبطبيعة الحال هنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند اناط غضب ابنته السيدة الزهراء عليها السلام بغضبه الدال على غضب الله تعالى لم يكن امرا عاطفيا، أي رجل يعطف على ابنته او يجر النار لقرصه كلا والف، لأنه لا ينطق عن الهوى ولا تأخذه في لله لومة لائمن وتجدر الاشارة هنا لموقف في حياة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بان لم يميل لاولاده او يطلب لهم الفضائل والخصائص بغير حق، وهو عندما توفي ولده ابراهيم، فحزن النبي الاكرم على فراقه فدمعت عيناه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، وقد اتفق في يوم وفاة ابراهيم انكساف للشمس، فدار الحديث بين الصحابة بان الشمس انكسفت حزنا وكدرا لفقد ابراهيم ولد النبي لا انه (صلى الله عليه وآله وسلم) تصدى لما دار بينهم وقال: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)، فلم يوظف هذا الحدث السماوي لمصلحته او لرفع من قدر ابنه وكان باستطاعته ان يفعل ولا سيما الفرصة مناسبة جدا لتصديق مثل هكذا حدث، فاراد ان تجري الامور وفقا لما اراد الله تعالى لها، ومن هنا يتبين لنا بان كل مناقب السيدة الزهراء وخصائصها هي من الله تعالى، وليس لها علاقة بمسألة الارتباط الجسدي او العاطفي، خالقها طهرّها لأنها طاهرة مطهرة من الرجس والدنس.

 

وفي الختام نسأل الله تعالى ان يجنبنا غضبها ويرزقنا رضاها، كما نسأله تعالى ان يمن علينا بشفاعتها يوم تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل خملها يوم تكون فيه الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.