حسام الدين صفوت _ مصر
حسام الدين صفوت _ مصر
المولد والنشأة:
نشأ في مصر، وتربّى في أُسرة سنّية المذهب، فتلقّى ما يتلقّاه الطفل من والديه وبيئته، فالطفل يأخذ العقائد بدون معرفة الحقيقة ; لصغر سنّه، وتنمو معتقداته كلّما تقدّم به العمر عبر المدرسة ودار العبادة وأجهزة الإعلام أي كانت، مسموعة أو مرئية، فيتعلّم أنّه لا نقاش في العقيدة، وتتم إضافة هالة من القداسة حول بعض الأشخاص ممّن صاحب الرسل والأنبياء، بحيث لا يسمع بنقد تصرفاتهم، وأنّ القيام بعكس ذلك يدخل في باب الكفر.
يقول «حسام الدين»: عندما تتحدث عن المذاهب في الدين الواحد تجد أنّك متعصّب لمذهبك دون نقاش، ترفض حتّى سماع محدّثك من المذهب الآخر، إنّنا نعيش في مصر مع المسيحيين جنباً إلى جنب، نرى تفرّق مذاهبهم وعداوتهم لبعضهم البعض ويبدو أنّنا أُصبنا بتلك العدوى، فنحن نتعصّب للسنّة على حساب الشيعة بدون أن نعرف حقيقة هذا المذهب، لم نحاول أن نسمع منهم واكتفينا بما سمعناه من مدرّسينا وأئمّة المساجد وأصدقائنا.
الاتّهامات الموجّهة ضد المذهب الشيعي:
وأما عن مبدأ تعرّفه على المذهب الشيعي، فيقول:
لقد بدأت أتّجه بنظري نحو الشيعة عندما احتلّت الولايات المتحدة العراق، وظهرت معها مشاكل الشيعة، سواء مع المحتل، أو مع طاغية العراق صدام، استرجعت معلوماتي عن الشيعة، وهي كلّها معلومات سطحية ولا ترقى حتّى إلى الحقيقة في أغلبها، هنا يتم إظهار سلبيات الشيعة فحسب، سواء كانت حقيقة أم زور..
يوجد بداخلنا كم هائل من الافتراءات نحو المذهب الشيعي، نرى إقامة المجالس في ذكرى الإمام الحسين(عليه السلام) حزناً عليه، ونجد التفسير يأتينا من بعضهم بأنّهم يؤذون أنفسهم، لأنّهم قتلوا الحسين(عليه السلام)، أصبح المجني عليه جانياً، وذلك عبر آلة سريعة الانتشار، وهي حديث المقاهي وجلسات الجهلاء.
عندما تسمع أنّ موقعاً على الإنترنيت، أو أحداً يشوّه صورة النبي(صلى الله عليه وآله)، ماذا يحدث بداخلك؟ بالتأكيد تشعر بالغليان والغضب الشديد، وتتمنّى أن تصل لمرتكب هذا الجرم لتقتله.. وإذا سمعت أنّ الشيعة يقولون بأنّ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) هو الأحقّ بالرسالة، وأنّ جبريل(عليه السلام) أخطأ بنزول الوحي على سيّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله)، ويؤكّدون على ذلك بأنّ الأذان ينادي على سيّدنا علي(عليه السلام) وليس على النبي(صلى الله عليه وآله)، ماذا ستكون ردّة فعلك؟
ماذا لو عرفت أنّ هناك نسخة محرّفة من القرآن الكريم؟ هل ستلتزم الصمت أم تتخذ موقفاً إيجابياً؟ لقد قال لنا العائدون من دون الخليج أن الشيعة يزيدون في عدد آيات القرآن الكريم، ويصلّون على الحجارة، ويحجّون إلى العراق، ويخالفون تعاليم القرآن والسنّة، ويشدّون الرحال خلافاً للسنّة.
كل هذا الافتراءات ولا تجد إيضاحات من الإعلام الرسمي داخل بلادنا، فالتخبّط في المعلومات ينتج عنه بلبلة في أوساط العامة، وخاصّة غير المثقّفين.
إنّ اهتمام العامّة هو: السعي وراء الرزق، فلا وقت للتحليل والسعي لنيل الحقيقة، وعندما تظهر محاولة لتسليط الضوء على الشيعة وحقيقة اختلافهم مع السنّة تكون داخل إحدى الصحف غير الرسمية وعلى استحياء، فلا تصل إلى العامّة المنتشرة فيما بينهم الإشاعات والافتراءات.
إنّ الإشاعات والافتراءات تتحوّل وتتغيّر وتترسّخ في أعماقنا كلّ يوم، فما بالك بتلك التي بدأت من يوم كربلاء ومستمرّة حتّى اليوم.
مبدأ البحث عن حقيقة المذهب الشيعي:
تربيتي الدينية كانت متعدلة، أعرف حقوق الله الواجبة عليّ، وأحاول جاهداً المحافظة عليها بدون تأخير أو كسل، اُحبّ آل البيت(عليهم السلام) وأزور أضرحتهم الموجودة في مصر، وأتوسّل بهم في دعائي.. وعندما خرجت للعمل وفّقني الله تعالى وأنعم عليّ بنعم كثيرة، وهو ما دفعني إلى التقرّب من الله عزّ وجلّ أكثر، ولكن حدثت لي بعض الصعوبات التي حاولت أن أجد لها حلاً طوال سبع سنوات، كان في داخلي شيء يدفعني إلى الاعتقاد بأنّني قد خالفت الله في أمر من الأمور، ولكنّني كنت أُصلي وأصوم، وأقرأ القرآن، وأدعو الله، وأتجنّب المعاصي، وأداوم على الاستغفار وذكر الله، فكنت أتساءل: هل ما أنا فيه غضب من الله أم اختبار من المولى عزّ وجلّ؟
لذلك اتّخذت قراراً باستشارة علماء الدين السنّة، محاولاً الخروج من أزمتي، وبدأت في البحث عن مواقعهم على شبكة الإنترنيت، وخلال بحثي وجدت موقع يحمل اسم أحد علماء الدين الشيعة، لم أكن أعلم أنّه شيعي، ولكن عندما دخلت إلى الموقع عرفت أنّه يتبع المذهب الشيعي، فتردّدت في استشارته، ولكنّ الفضول دفعني إلى مراسلته، وتلقّيت رسالته الأولى بعد ساعات..
وكانت تصلني ردود علماء السنّة بمجرد الدعاء وبعض الأذكار، ولكن رسالة عالم الدين الشيعي كانت شاملة تحتوي على الدعاء والنصيحة، استغربت لتجاوبه
معي ; فهو شيخ شيعي وأنا سنّي، لم يبخل عليّ بالنصيحة والإرشاد، ولكن أكثر من أثّر بي هو مجموعة من كلمات الإمام علي(عليه السلام)..
وكانت تلك الكلمات مفتاح الخروج من محنتي وكربي، فشعرت بمدى صدق كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام)، وثارت التساؤلات في نفسي: من هم الشيعة؟ وهل لكلّ ما نعلمه عنهم حقيقة؟ هل يمكن أن تكون أخلاق الشيعة بهذا النبل وهم يتّبعون مذهب لا يؤمن بالرسول(صلى الله عليه وآله) ويحرّف القرآن؟ وغيره من الأكاذيب التي كنّا نعلمها عن الشيعة.
هنا بدأت أُولى خطواتي نحو طريق البحث، وكان عليَّ أن أبدأ بطريقة عقلانية، أتخلّى فيها عن أفكاري القديمة عن الشيعة، وأتعامل مع الأمر بحياد كامل، ولكنّنا نحترم الصحابة ولا نستطيع المساس بهم، فمكانتهم في قلوب السنّة عظيمة والتعرض لهم هو كفر!!
بنور فاطمة(عليها السلام) اهتديت:
يتابع «حسام الدين» قائلاً: فكان الحل أن أقرأ كتب الشيعة وكأنّني أدرس كتب شريعة غير المسلمين، ولم أتحيّر كثيراً، فقد بدأت طريقي بقراءة كتاب: (بنور فاطمة اهتديت)، للكاتب السوداني المتشيّع عبد المنعم حسن، لقد وجدت الكثير من الأدلّة والبراهين التي تثبت حقيقة المذهب الشيعي، وكيف أنّه هو الطريق الحقّ، وكانت تلك الأدلّة والبراهين من مصادر أهل السنّة والجماعة.
في تلك اللحظات كنت قد بدأت أنفض غبار السنوات من فوقي، أخذت أقلّب الصفحات واحدة تلو الأُخرى دون أن أشعر بوقت أو بمن حولي، وصلت للنهاية وأنا على اقتناع تام بالمذهب الشيعي، شعرت بانّني مشوّش، داخلي فيروسات تحاول أن تفتك بالبراهين، لقد بدأ العقل الباطن بالتدخّل في الأمر، كلّ الموروثات القديمة والتي ظلّت مختزنة في أعماق عقلي الباطن ظهرت على السطح، لذا قرّرت أن أبدأ في قراءته مرة ثانية.
تأكّدت أنّ كلّ البراهين مأخوذة من الكتاب الكريم ومصادر أهل السنّة، بدأت في عملية مقاومة فيروسات العقل الباطن، وكان رجل العلم الشيعي يقف من وراء ظهري بدون أن يؤثّر عليّ، لقد اكتشفت أنّ الحقيقة ظاهرة للعين، ولكن لا يراها إلاّ من أراد الله له أن يركب سفينة النجاة، كقول الرسول(صلى الله عليه وآله): مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق(1).
لقد انهمرت دموعي خوفاً من الله، فلقد ظلمنا آل البيت منذ مئات السنين ومازلنا في ظلمنا لهم، كيف نظلمهم؟! وفيهم سيّدة نساء العالمين فاطمة(عليها السلام)، بضعة أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام) وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين(عليهما السلام)؟ فهل يتساوى سيّدنا علي(عليه السلام) مع معاوية، أو سيّدنا الحسين(عليه السلام) مع يزيد؟!
وكغالبية المصريّين نحبّ آل البيت(عليهم السلام)، فأضرحتهم المنشرة في جميع أنحاء مصر هي الملاذ والملجأ لكلّ محتاج، فالمصريّون يحتفلون بمواليد ووفيات آل البيت(عليهم السلام)، يأتون من كلّ أرجاء البلاد لزيارة مقام سيّدنا الحسين(عليه السلام)، ومقام السيّدة نفيسة(عليها السلام)بالقاهرة، و(علي والحسن والحسين وزينب وفاطمة) وغيرها كلّها أسماء منتشرة في جميع أنحاء مصر، تيمّناً بآل البيت(عليهم السلام).
لذلك لم يكن من الصعب عليّ فهم المذهب الشيعي، فأوّل درجة نحو التشيّع هي حبّ آل البيت(عليهم السلام)، والاعتراف بحقّهم في الولاية، وهو اعتراف يجب أن يكون نابعاً من العقل قبل القلب، لذلك كان بحثي عن أدلّة تثبت حقّ آل البيت(عليهم السلام) من الكتاب والسنّة، وما يزيد الاقتناع كونها من مصادر أهل السنّة.
ظلامة آل البيت(عليهم السلام):
أوّل ما صدم «حسام الدين» في بداية رحلة تشيّعه ذلك الظلم الواقع على بضعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وآل البيت(عليهم السلام)، وسبب الصدمة الأوّل كان: جهله بمكانة السيّدة فاطمة(عليها السلام) لدى الله ورسوله(صلى الله عليه وآله). والسبب الثاني: أنّه كان يرى أبا بكر وعمر بنفس الصورة التي يراهم بها السنّة.
يقول «حسام الدين»: لقد أحسست أنّي ظلمت السيد فاطمة(عليها السلام) كما ظلمها الشيخان، إنّ فاطمة(عليها السلام) الحوراء الإنسية، بنت أعظم مخلوق، تضرب وتعصر بالباب ويسقط جنينها «المحسن»، وتنهب حقّها «فدك»، وتقضي حياة مليئة بالتضحيات، قصيرة في زمنها طويلة في عطائها، إنّها مظلومية تكشف حقائق الحقّ لكلّ القلوب المفكّرة والمتأمّلة.. ألم يقل الرسول(صلى الله عليه وآله): يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها، وفاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبنى(2)ذ؟
وقال: إنها من يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها(3).
تأثير واقعة الطف في الوصول إلى الحقّ:
يتابع قائلاً: ثمّ كانت الصدمة الثانية: قصة كربلاء، قد قرأتها أثناء الدراسة، وكانت الرؤية مختلفة جداً، فجريمة قتل سيّدنا الحسين(عليه السلام) بشعة بكلّ المقاييس، نظراً لمكانته في نفوس المسلمين، فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً»(4).
ولكن لكون المدارس لدينا في مصر تتبع الحكومة، والحكومة سنّيّة، فالقصّة
تكون مختلفة ; لقد درستها على أنها نزاع على السلطة، بل أكثر من ذلك، قيل لنا: أنّ قتلة سيّدنا الحسين(عليه السلام) ندموا على ما فعلوا، ولذلك فهم في ذكرى استشهاده يقيمون المجالس حزناً عليه، لذلك كانت من ضمن الأفكار الخاطئة لدي عن الشيعة أنّهم هم من قتلوا سيّدنا الحسين(عليه السلام).
ولكنّي بعدما عرفت الحقيقة قرأت تلك الواقعة مرة أُخرى، هذه المرة كنت في أقصى حالات التأثّر، فقصّة استشهاد الحسين(عليه السلام)، ومن قبلها إيذاء الزهراء(عليها السلام)جعلتني أشعر بالمرارة والأسى..
يعلم الله أنّني بكيت حزناً على آل البيت(عليهم السلام) سنوات عمري التي قضيتها بعد الاستبصار، وما أقوم به من مجهود بسيط لنشر حقيقة مذهب آل البيت(عليهم السلام) هو لوجه الله ومحبة لآل البيت(عليهم السلام)، لعلّي أستطيع التكفير عن أخطائي في حقّهم وعدم اتّباعهم.
________________________________________________________________________________________
الهوامش:
1- المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٤٣ و٣: ١٥١.
2- راجع: مسند أحمد ٤: ٥، صحيح البخاري ٤: ٢١٠، فضائل الصحابة، للنسائي: ٧٨، المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٢٦.
3- راجع: المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٤، الآحاد والمثاني، للضحّاك ٥: ٣٦٣.
4- مسند أحمد ٤: ١٧٢، سنن الترمذي ٥: ٣٢٤.
2021-03-07