السيدة فاطمة المعصومة قراءة في السيرة العطرة
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «ألا إنّ للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، يقبض فيها امرأة من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم».
السلالة الطاهرة وأم السيدة فاطمة عليها السلام
من الطبيعي أن نطل أولاً على السيرة العطرة للسيدة فاطمة المعصومة عليها السلام من خلال ارتباطها بأهل البيت عليهم السلام، فهي ابنة إمام معصوم ومن تلك الشجرة الطيبة التي يعرّفها الإمام أبو جعفر عليه السلام بقوله: «الشجرة رسول الله ونسبه ثبات في بني هاشم، وفرع الشجرة علي بن أبي طالب عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام، وثمرتها الأئمة من ولد علي وفاطمة عليهم السلام وشيعتهم وَرَقَها…».
ويأخذنا الكلام عن السلالة الموسوية وهي المتصلة بالسيدة الزهراء عليها السلام والتي يعبر عنها بواسطة العقد بين شمس النبوة وقمر الإمامة وصولاً إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام الذي عاش الظروف العصيبة وشاهد ما كان يعانيه أبوه وشيعته من المآسي والآلام.
سبب انتشار السادة الموسويين
الأول: أن الإمام موسى بن جعفر كان أكثر الأئمة أولاداً.
الثاني: الظروف العصيبة التي أحاطت بالإمام عليه السلام، من خلال التنكيل الذي لحق بأهل البيت عليهم السلام وبشيعتهم من قبل العباسيين وما يتوجّب مقابلها من حكمة الإمام عليه السلام لمواجهة ذلك.
والدة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
أما أم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام فاسمها (تكتم) ولها أسماء أخرى مثل (نجمة) و(أروى)، (أم البنين) وخيزران)، و(الطاهرة)…. ولهذه الظاهرة أصلٌ شرعيٌ فقد ورد النص بذلك واستفاد الفقهاء منه استحباب تغيير اسم العبد أو الجارية، والإمام عليه السلام حين ابتاعها كما ينقل المحدث القمّي (أي تكتم) جمع قوماً من أصحابه ثم قال: «والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر من الله…».
وقد ولدت للإمام ولده الإمام الرضا عليه السلام وبذلك تكون السيدة المعصومة هي شقيقة الإمام الرضا عليه السلام وأمهما واحدة وهي السيدة (تكتم).
ولادتها وأسماؤها سلام الله عليها
بسبب الظروف التي ألمّت بأهل البيت عليهم السلام غاب فيها عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث الولادة وتأريخها أو ذكر شيء يتعلق بها، ولكن ذكر بعض المؤلفين، ونسبه إلى المؤرخين أن ولادتها كانت سنة 183هـ في السنة التي استشهد فيها والدها عليه السلام في قول أكثر المؤرخين، وهناك كلام آخر يراجع في موضعه.
إن السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام ما كانت لتبقى مهملة بلا كفيل بعد رحيل أبيها الإمام الكاظم عليه السلام وهي في مقتبل العمر فقد عاشت في كنف شقيقها الإمام الرضا عليه السلام وأولاها العناية الخاصة في تربيتها ورعايتها، حتى غدت أفضل بنات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، ونشأت تتلقى من أخيها العلم والحكمة في بيت العصمة والطهارة، ولما كانت ربيبة الإمامة فقد حظيت بأحسن الأسماء وأجمل الألقاب، ذلك لأن الاسم واللقب لم يطلقا عليها جزافاً وإنما صدرا عن المعصوم الذي يضع الأشياء مواضعها ومنها: فاطمة المعصومة عليها السلام وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: «من زار العصومة بقم كمن زارني»، وأسماء وألقاب أخرى مثل كريمة أهل البيت عليهم السلام الطاهرة الحميدة البرّة الرشيدة التقيّة النقيّة وغيرها… .
بعض من سيرتها إلى حين رحيلها
إنّ اسم المعصومة عليها السلام اقترن بعلم الرجال، ولا يعني كونه علم رجال اختصاصه بهم دون نصيب للنساء فيه وفي طليعتهن فاطمة المعصومة عليها السلام بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام وفي مكانتها الاجتماعية والشأن الرفيع، إنما يعود ذلك إلى كونها واحدة من خير نساء أهل البيت عليهم السلام وانجذاب الناس إليها كما إلى أهل البيت عليهم السلام إضافة لعلمها بمقام الإمام الرضا عليه السلام وإمامته ما قوّة الصلة بينهما وبينها وبين الناس.
وفي مسألة عدم زواج السيدة المعصومة فالمستفاد من جملة الروايات أنّ بنات الإمام الكاظم عليه السلام وعددهن إحدى وعشرون بنتاً لم تتزوج منهن واحد.
وفي سير المآسي التي رافقتها أنه وبعد قيام محمد بن جعفر والذي خرج في زمن الرشيد أو المأمون حيث أعلن الدعوة على نفسه وقد حذّره الإمام الرضا عليه السلام من ذلك فأرسل العباسيون جيشاً بقيادة عيسى الجلودي فأغار على دور آل أبي طالب ليسلب نساءها فقال الرضا عليه السلام: «أنا أسلبهنّ لك… فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرهن إلا أخذه منهن، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير».
وعلى أي حال فقد نالت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام من الخوف والترويع والظلم ما جعل أيام حياتها القصيرة تمتزج بالآلام والأحزان والمآسي، ومن ينسى لوعتها على فراقها لأخيها الرضا عليه السلام حين جاء يطلبه رجال المأمون العباسي ليأخذوه من المدينة إلى مرو، حيث صعدت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام على السطح وبقيت تنظر إلى أخيها وهو يمشي حتى غاب عن عينها.
وفي موضوع الروايات المتضاربة حول خروج ركب العلويين للقاء الإمام الرضا عليه السلام في خراسان بطلب منه عليه السلام أو أنه كان خروجاً للانتقام لاستشهاد الإمام الرضا عليه السلام، فإن هذا الركب قد تعرض للقتل والتشريد، وعلى أي حال فقد كان ذلك من أسباب انتشار قبور السادة العلويين في مدن وقرى إيران النائية، وكان القتل والتشريد على مرأى من السيدة المعصومة وقد مرضت على إثر ذلك وأشارت طالبة من خادمها أن يحملها إلى قم حيث مكثت هناك في منزل موسى بن خزرج الأشعري سبعة عشر يوماً ثم ماتت وقيل أنه قد دُسّ إليها السم في (ساوة) ولم تلبث سوى أيام قليلة واستشهدت.
وما كادت تأفل شمسها حتى بزغ فجر مثواها وبات موئلاً ومطافاً لبلدة قم وأهلها وجميع الشيعة المحبين ويبقى تاريخ رحيلها فيه أقوال.
حرمها وزيارتها وكراماتها
يقع حرم السيدة المعصومة عليها السلام في قلب المدينة المقدسة قم، على مساحة واسعة من الأرض تقدر بثلاثة عشر ألفاً وخمسمائة وسبعة وعشرين متراً مربعاً كما جاء في بعض التحقيقات، وتحيط به معاهد العلم وأماكن العبادة، هذا وقد تعاقبت الأيدي – ولا زالت – على عمارة الحرم الشريف وصيانته ونظافته وتجديد بقائه، ثم يذكر الكاتب نص الزيارة المباركة وبعضاً من خصائصها ومميزاتها بما لا يسع المقام لتفصيلها.
وفي كرامات السيدة المعصومة عليها السلام يسرد المؤرخون أحداثاً عديدة تؤكد ذلك بما فيها من بركات قضاء حوائج المتعلمين وغيرهم، يستحسن مطالعتها من قبل القارئ.
السيدة المعصومة عليها السلام وأهل قم
(حثّ الأئمة عليهم السلام شعراء الشيعة على تجنيد شعرهم وشعورهم في نصرة الحق وأهله، ومقارعة الباطل وأهله، والدعوة إلى الصبر والفضيلة والصلاح… وإن لكريمة أهل البيت عليهم السلام من شعر الشعراء نصيباً وافراً.
عشّ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ومدينة (قم المقدسة) هي الحاضرة العلمية الكبرى للشيعة بعد النجف الأشرف التي هي الحوزة الأم، وإن الوجود الشيعي في هذه المدينة يعود إلى الربع الأخير من القرن الهجري الأول يوم استوطنها الأشعريون فراراً من ظلم بني أميّة في الكوفة ونواحيها، ونشروا فيها التشيّع، وهنالك عدة من النماذج الخيرة في العلم والعمل في مدينة قم (كعمران بن عبد الله بن سعد الأشعري وأخيه عيسى) وهما من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام كذلك زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام وغيرهم.
ولأنّ مدينة قم كانت من المدن السبّاقة إلى التشيع قد أصبحت ملاذاً للشيعة حيث التجأ إليها الكثير منهم ولا زالت مزاراتهم المنتشرة في أرجائها شاهدة على ذلك ولا ينسى أن من الأماكن الهامة في قم مسجد جمكران الذي يقصده الآلاف من المؤمنين من شتى بقاع إيران وغيرها حيث يقضون فيه أوقاتاً في العبادة والتهجد والتوسل بالحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف.
نختم برواية عن الإمام الرضا عليه السلام إذ قال لسعد الأشعري القمي: «يا سعد عندكم لنا قبر»، قلت له: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى عليه السلام، قال: «نعم من زارها عارفاً بحقها فله الجنة».
بقلم: محمد علي المعلم
2021-11-16