قصة المستبصر الخارج من جحيم التكفيريين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
هذه القصة التي اسطرها لكم هي قديمة منذ عام 2017م حيث أنني سمعتها من صاحبها مباشرة ولكن لأجل أنه استأمنني على عدم سردها ونشرها ذلك الوقت حفاظا على أهله واخوته من التكفيريين الذين كانوا داخل بلدتهم ، وضعتها ضمن ارشيفي الخاص بقصص المستبصرين الذي يحمل الكثير من معاناتهم، وهذه القصة حقيقة أذهلتني ووقفت حائرا مستغرقا في تقديرات وتدبيرات الله عز وجل، صدقاً أقول من أراد الله به خيراً قذف في قلبه حب سيدنا محمد وآل بيته الأطهار ( عليهم السلام) ، تابعوا معي القصة كما يرويها لي صاحبها :
القصة من البداية :
اسمي يوسف الحسن.
أدرس حاليا في المرحلة الإعدادية
استعر القتال والعنف في بلدنا سوريا في نهايات عام 2011م ، وخصوصا في منطقتنا ( الغوطة الشرقية) حيث كانت احدى مدنها بؤرة للتطرف والإرهاب ولا اخفي عليكم كنت ذلك الوقت اتلمس بدايات التطرف بحسب البيئة والمجتمع الذي أعيش فيه والتلقين المتشدد والممنهج الذي يجري في مساجد منطقتنا على شيبها وشبابها ، كنا ثلاثة اخوة ذكور وثلاثة بنات انا أوسطهم، نعيش مع والدي ووالدتي بالبلدة نعمل بالزراعة وبعض الاعمال الأخرى ، نواظب على أداء الصلاة كما علمنا أبي وجدي لأمي وكانت الرعاية الكبرى في هذا الجانب لجدي أبو حامد ( والد أمي) ، فوالدي كان يعمل في اغلب أوقاته بالزراعة وعندما يأتي للمنزل كان يختفي في غرفته الخاصة والتي بها مكتبته المليئة بالكتب والمراجع التاريخية والحديثية وفق منهج أهل السنة والجماعة ،ماعدا خزانة كبيرة بها كتب كثيرة لكن والدي كان يقفل أبوابها ويمنع أي احد من رؤيتها، وقد كان كثير القراءة والبحث بين الكتب حتى أنني أذكر أن والدتي تململت من هذا الأمر وعاتبته اكثر من مرة بذلك من أنه يبقى حبيس غرفته .
وفي ليالي الشتاء الطويلة كان لا يغادرها الا نادراً حيث يختلي بأصدقائه الذين يزورونه ويجلسون ساعات يتحدثون فيها، كنا لا تجرؤ أن نختلس السمع من وراء الباب عما يدور في تلك الغرفة وخصوصا عندما يعلو صوت والدي أو أحد الجالسين معه ، بل اننا لا نعرف وجوه هؤلاء الأصدقاء الذين يزورون والدي واقصد هنا أنهم لم يكونوا من الأشخاص المألوفين عندنا بالبلدة، هذه الجلسات طبعا كانت قبل بداية الحرب على سوريا ومع بداياتها ، وانقطعت بسبب الحصار الذي فرضته المجموعات التكفيرية على المنطقة بالإضافة للطوق الأمني الذي فرضه الجيش العربي السوري ذلك الوقت لمنع تسلل الإرهابيين إلى العاصمة ،
في صباح أحد الأيام في عام 2014م ، أراد والدي الخروج من المنزل للذهاب للسوق غرض التبضع منه على الرغم من شح المواد الغذائية تلك الفترة، وكان في أجواء البلدة احتقان كبير بين التنظيمات الإرهابية على اثر خلافات حول السيطرة على مناطق النفوذ وتقاسم الحصص المالية القادمة من الخارج ، تطور إلى التراشق بالأسلحة والكاتيوشا ، أمي ألحت على والدي بعدم الخروج اليوم لكنه اصر على ذلك لسبب تأمين بعض الطعام ، وعلى بعد أمتار سقطت قذيفة هاون واصابت شظاياها كل من كان بالشارع وقتها ومنهم والدي ، أصابته في ظهره وارجله واكتافه وعلا الصراخ في الحي وخرجنا لنرى ما يحدث ووجدنا والدي من بين المصابين هرع الناس لحمل المصابين وجاء أخي بسيارة لنا كانت مركونة جانبا وحملنا والدي وبعض المصابين الى المشفى الوحيد بالبلدة ، وكنا في حالة هلع وخوف ورجاء ، ساعات وأيام صعبة جدا مرت علينا ، استقرت حالة والدي الصحية إلا أنه اصبح لا يمكنه المشي على اقدامه ، عمل التكفيريين على الجانب النفسي والديني والمادي كثيرا وحتى تجويع السكان عمداً ، من اجل تجنيد أهالي البلدة وخاصة الشباب الصغير الناشئ الذي كان بالمنطقة ( الغوطة الشرقية) ، لأنهم فقدوا الكثير من عناصرهم اثر الصراع فيما بينهم وبين الذين قتلوا على ايدي النخبة من رجال الجيش العربي السوري ، لم يتبقى لدينا المال لشراء ما يسدّ رمقنا كنا نصوم اشهر من اجل توفير ما لدينا اساسيات المواد الغذائية ، فالتنظيمات التكفيرية كانت تحتكر الأغذية والأدوية في مستودعاتها وتمنع توزيعه على الناس او حتى اظهاره في الأسواق لغرض البيع والشراء، والمسألة ليست يوم او شهر بل تعدت إلى السنة تتلوها سنة أخرى حتى ذاق السكان بالمنطقة الذل والمهانة والجوع والخوف ، مما اضطر بعضهم للعمل معهم بل وحمل السلاح قهراً ، الوضع اصبح سيئاً للغاية واشبه بالجحيم ، وبقية اخوتي صغار جدا ويلزمهم الطعام ، فتوجه اخي الكبير وعمره وقتها 18 عاما ، واخبر والدي أنه يريد الانضمام إلى احدى الفصائل المسلحة ، فانتفض والدي في وجه أخي وقال له لا ولا يمكن ذلك حتى لومتم من الجوع !!.
استغربنا من طريقة انفعال أبي من هذا الأمر، فهو اول مرة ينفعل بهذه الشدة معنا
فسألنا والدي وطلبنا منه جواب منطقي ومقنع
فقال والدي: أولا: قال النبي الأكرم (ص) : لا يحل لمسلم دم أخيه المسلم فقتال المسلم للمسلم كفر ، وقال : المسلم من سلم الناس يده ولسانه . وذكر والدي عدة احاديث نبوية ثم قال: هذا بالمعنى العام ، أما بالمعنى الخاص فإني أريد اطلاعكم على سر كان بين طيات صدري ولا يعرفه احد غيركم طالما انا حي ،
الإقرار بالتشيع والولاية لعلي بن أبي طالب (ع):
انا محمد الحسن : اقرّ واعترف لكم أنني أتعبد بالمذهب الجعفري الامامي الاثناعشري وأوالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وذريته من بعده الإمام الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري، والحجة بن الحسن سمي رسول الله (ص) أسأل الله تعالى أن يعجل بظهوره الشريف على حييت وعلى هذا أموت وعلى هذا ابعث ان شاء الله تعالى ، وهذا ما أوصيكم به اتباع أهل بيت النبوة العترة الطاهرة ، الذين أمرنا رسول الله (ص) باتباعهم بعدة روايات نبوية صحيحة وثابتة ، وأهمها أن النبي (ص) نص على أمير المؤمنين علي (ع) وان الخلفاء الراشدون من ذرية الامام علي هم الأوصياء من بعده ، وقال في أهم خطبة له وهي بيعة الغدير بعد حجة الوداع وبعد خطبة طويلة قال: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعده أبداً كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"
وقرأ لنا رواية " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"
كانت ليلة طويلة حدثنا فيها عن روايات تاريخية واحاديث نبوية وأجابنا عن تساؤلات كثيرة كانت تدور في ذهننا وقال: إن أصدقائي الذين كانوا يزوروني ويجلسون معي هم الشيعة وصداقتي معهم كانت منذ عشرون عاماً ونحن نتزاور ونتباحث في عدد من المحطات التاريخية والروايات النبوية
ثم ختمها بلفظ الشهادات الثلاث : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد ورسوله وخاتم الأنبياء والمرسلين، وأشهد أن علي بن أبي طالب ولي الله والإمام المفترض الطاعة وأن أبناءه المعصومين من بعده هم حجج الله واسمائهم كالتالي : 1- علي بن أبي طالب ، 2- الحسن بن علي،3- الحسين بن علي ، 4- علي بن الحسين، 5- محمد بن علي، 6- جعفر بن محمد ،7- موسى بن جعفر،8-علي بن موسى، 9- محمد بن علي،10- علي بن محمد، 11- الحسن بن علي ، 12- الحجة ابن الحسن الغائب المنتظر وهو الذي سيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما وجورا.
بعد أيام قلائل توفي أبي متأثرا بجراحه واصبحنا حيارى ماذا نفعل واختلطت الأجواء بالمدينة بسبب الصراعات بين التكفيريين انفسهم وبعض هذه الحركات التكفيرية كانت تلجأ لأخذ الشباب من بيوتهم بالقوة لتسليحهم والقتال معهم ومن يرفض يتم إعدامه فورا ، قررت والدتي الخروج من المدينة فورا والخروج إلى العاصمة إلا أن أخي الكبير رفض الخروج من أجل البقاء قريبا من المنزل حتى لا تتم سرقته وفعلا قمنا بتجهيز انفسنا وتحضير اخوتي الصغار واتفقنا مع سائق سيارة يقيم بجوارنا لإخراجنا من المدينة عبر المزارع بطرق ملتفة ، دامت فترة وصولنا للعاصمة قرابة الثلاث ساعات ونحن نتسلسل من مكان الى اخر بعيدا عن اعين المسلحين، إلا ان أخي فضّل البقاء بالمدينة متخفيا من مكان إلى آخر عن اعين المسلحين ، بعد ان استقرينا عند احد اقربائنا بدأت أفكر بما قاله لنا والدي (ره) فأردت البحث عن كتب الشيعة وروايات فضائل اهل البيت عليهم السلام ولكن يجب علي ان اعمل بهدوء فبدأت أبحث عن الكتب في منطقة المكتبات ، ونظرا لارتفاع أسعار شراء الكتب تيقنت أنني لن استطيع شراء كتاب واحد لأنني لا أملك المبلغ الكافي فضلا عن أنه هناك أولويات والتزمات تجاه أمي واخوتي ، فقلت في نفسي استفسر بداية عن الأسعار وكنت قد دونت بعض العناوين التي اعطاني إياها والدي ، وبعد فترة وانا أبحث هنا وهناك وجدت بائع كتب قديمة في منطقة البرامكة يفرش على الرصيف عددا لا بأس به من الكتب ، فاخذت في البحث عن العناوين ثم توجهت في سؤاله عن بعض العناوين والمصادرالخاصة ، لكنه كان ينظر إلي باستغراب، فبادرني بالسؤال :
بائع الكتب : أنت شاب صغير ولا اظنك طالب بالجامعة او باحث فلما تبحث عن هذه الكتب وهي كتب متخصصة وتهم الشيعة والمتشيعين ؟!
لمعت في ذهني كلمة ( المتشيعين) ونظرت اليه فوجدته رجل طيب يمكن الاعتماد عليه في البحث عن هذه العناوين ، قلت له اريد ان اتعرف على الشيعة
بائع الكتب: ماذا تريد أن تعرف يمكنني مساعدتك ، فقلت له غدا اخبرك ان شاء الله تعالى وعدت إلى أمي اخبرها بما جرى بيني وبين الرجل ، وفي اليوم التالي ذهبت أنا وأمي واخوتي الصغار نتسوق ومررنا بطريقنا إلى بائع الكتب ، وقلت له أريد أن أتعرف على أحد رجال الدين الشيعة ، وأخبرته بقصتنا من بدايتها إلى تاريخ وقوفي أمامه ، رأيت علامات التأثر بوجه بائع الكتب ثم اعتذر منا لدقائق ثم عاد ، فقال: بعد ثلاثة أيام تماما تأتي إلى هنا واراك مجددا
وفعلا بعد ثلاثة أيام عدت إلى الرجل ومعي امي واخوتي الصغار جلسنا دقائق نتناول الشاي الذي قدمه لنا ، وإذا برجل حضر الى المكتبة وتحدث قليلا مع بائع الكتب ثم التفت الينا قائلا هذا (السيد أبو علي ) هو من مدينتكم وهو متشيع وله عدة مؤلفات وابحاث ويمكنه مساعدتكم بما تريدون
طبعا علمنا لاحقا ان بائع الكتب (أبو زينب) هذا الرجل الطيب قد تواصل مع السيد (أبو علي) وطلب منه الحضور ليتعرف علينا .
رحب بنا السيد أبو علي وبدأ يسألنا عن أوضاعنا وكيف كانت حال المدينة التي نحن منها ، ثم سألني ماذا تريد من رجل الدين الشيعي ،
فقلت: أريد أن اسرد له قصتي وأن يساعدني في التعرف على المذهب أكثر
فقال السيد أبو علي حدثني بما جرى عليكم . فأخبرته بقصتنا من البداية.
بعد أن أنتهيت من كلامي قال لي السيد بعد يومين نلتقي وأحضر لك عددا من الكتب التي تساعدك في معرفة مذهب أهل البيت (ع) .
وبعد يومين حضر السيد أبو علي الى مكان اللقاء واعطاني عدد من الكتب ورقم هاتفه في حال احتجت لسؤاله لأمر ما ، ثم ودعني وانصرف وكنت كل فترة اتصل عليه مستفسرا عن بعض المسائل وهو يجيبني بكل محبة ورحابة صدر.
وأنا الآن وبفضل الله تعالى أتردد إلى مقام السيدة زينب عليها السلام وأقوم بتأدية الزيارة لها ولأخيها الإمام الحسين عليه السلام .
2021-11-14