هل قتل الامام الحسين عليه السلام لكونه ابن فاطمة الزهراء عليها السلام؟
كان ولا يزال اسم فاطمة عليها السلام حينما يذكر يحمل معه إلى الأذهان شيئين مهمين:
الأول: ان اسمها المقدس ووجودها عليها السلام مذكر بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
ان الإنسان المؤمن وبمجرد سماع ذلك الاسم المقدس اسم فاطمة عليها السلام ينتقل ذهنه من حيث يشعر أو لا يشعر إلى شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاسم فاطمة كان ولا يزال يجذب القلوب وينقل الفكر وينعش الذاكرة بتذكر شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذه خصوصية لا نجدها لأي اسم آخر مهما كان قريبا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستثناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنية سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ولهذا الترابط وجه غيبي الهي في كثير من جوانبه، ويحكي عن سر وجودي كان قبل خلق السماوات والأرض يوم كانت الزهراء -روحي فداها- نورا واحدا هي وأبوها وبعلها وولداها عليهم السلام يسبحون الله ويقدسونه قبل أن يفطر الله السماوات والأرض.
ولما شاء الله سبحانه وتعالى وأراد أن يخلق عالم المادة والطبيعة خلقوا أيضا من طينة واحدة أطلقت عليها الروايات الشريفة اسم (طينة عليين)، فنورهم وطينتهم واحدة طابت وطهرت، فمن الطبيعي بعد كل هذا الاتحاد أن يكون ذكر فاطمة عليها السلام يجتذب ذكر أبيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعدما منّ الله سبحانه على هذه الأمة بنعمة إيجاد هذه البضعة الطاهرة عليها السلام جعلت كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تترى في حق ابنته يتبع بعضها البعض الآخر، محاولة إفهام الأمة وجذب انتباهها إلى ان وجود السيدة الزهراء عليها السلام نعمة من النعم الإلهية التي خص الله بها هذه الأمة من دون الأمم فيجب على كل فرد من أفرادها أن يحسن مجاورة هذه النعمة ويراعي حرمتها.
وكثيراً ما كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يحاول إفهام الأمة ان فاطمة عليها السلام ليست موجودا بشريا عاديا كسائر البشر وعوام الناس، وانها عليها السلام موجود يجمع ما بين صفات عالم الملك وعالم الملكوت وهي مزيج الهي خاص لا يتكرر ولن يتكرر في غير القالب الوجودي للسيدة الطاهرة فاطمة بنت محمد عليهما وآلهما السلام فهي حوراء إنسية، وهي ليست كسائر نساء العالمين أيضا، ولا يصح مقارنتها بواحدة منهن، لأنها سيدة نساء العالمين، والسيدة لا تقارن بمن دونها من آحاد الأمة.
وهذا البين والفرق فيما بينها عليها السلام وبين باقي أفراد البشر نساءً ورجالاً لم يكن ليقتصر على تركيبتها المادية، بل شمل أيضا ما يتعلق بميولها النفسية وكمالاتها الروحية، فصارت عليها السلام لا تميل إلا للحق ولما فيه رضا لله سبحانه ورضا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولا ترفض إلا ما فيه باطل وبعد عن الله سبحانه ومخالفة لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار حبها ورضاها وبغضها وغضبها مقياسا لحب الله ورضاه وبغضه وغضبه، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الخصوصية لفاطمة عليها السلام بقوله مخاطبا ابنته: «ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»، فمن أراد أن يستكشف رضا الله سبحانه وتعالى ورضا نبيه فلينظر إلى من رضيت عنه فاطمة ومن أراد أن ينظر إلى من غضب الله عليه ورسوله فلينظر إلى من غضبت عليه فاطمة لان فاطمة عليها السلام كما كررنا ذلك سابقا مقياس درجة الرضا والحب الإلهي والغضب والبغض الإلهي، وكفى بها درجة يقصر دون نيلها جميع العالمين.
الثاني: ان اسمها المقدس كان على الدوام يذكر الأمة بأعظم رزية ومصيبة والشيء الثاني الذي يحمله اسم فاطمة عليها السلام بمجرد مروره على الأذهان، هو تلك الرحلة الجهادية الطويلة للسيدة الزهراء عليها السلام والتي بدأتها يوم ظهرت بوادر التغيير والتبديل في شريعة أبيها سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ويوم تيقنت ان حدود الله وحرماته انتهكت في سقيفة بني ساعدة بإقصاء أوليائه عن مناصبهم التي نصبهم الله فيها واختارهم لها، فغضبت لله وحده فغضب الله لغضبها، ولم ترضَ إلى اليوم عمن غيَّر وبدَّل، ومن بقاء غضبها نستكشف بقاء غضب الله سبحانه وعدم رضاه عن أولئك المبدلين المغيرين إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة.
فاسم فاطمة عليها السلام وشخص فاطمة عليها السلام كان على الدوام سكينا يمزق شرعية المنتحلين لإمارة المسلمين، وعقبة كؤوداً تحول دون إضفاء الشرعية على سلب حقوق أهل البيت، وكم من مرة ومرة حاول أولئك المغضوب عليهم استرضاءها واستعطافها وكسب الشرعية من خلال التقرب إليها بعد غضبها لكنها عليها السلام أبت إلا الإغضاء عنهم والتنكر لأفعالهم وإفهام القريب والغريب والصديق والعدو ومن حضر عصرها ومن جاء بعد زمانها إلى يوم القيامة وبمختلف الطرق بأن غضبها وعدم رضاها مستمر على ما تم التعاقد عليه في السقيفة المشؤومة وعلى من قام بذلك كله.
واكبر ضربة وجهتها عليها السلام للغاصبين هي وصيتها بأن تدفن ليلا من دون أن يصلي عليها أو يحضر جنازتها احد ممن ظلمها وغصب حقها وحق أهل بيتها عليهم السلام حتى لا يتقول متقول ولا يدعي مدع أنّ فاطمة عليها السلام قد رضيت عن المغضوب عليهم بدليل انهم صلوا على جنازتها وحضروا دفنها وتغسيلها، وليبقى قبرها المجهول يثير في قلوب من يريد الاستبصار والهداية التساؤل عن الأسباب والمبررات التي اخفت من اجلها السيدة فاطمة عليها السلام قبرها الشريف ليصل من ثم إلى الحقيقة التي أرادت فاطمة عليها السلام إبقاءها حية شاهدة على ما وقع في ذلك العصر.
إذن فالإمام الحسين عليه السلام ابن تلك اللبوة التي دافعت عن عرين التوحيد والرسالة إلى أن استشهدت، وهو عليه السلام المذكر للأمة بشخص فاطمة، وصوت فاطمة، وثورة فاطمة، وغضب فاطمة، وهو الامتداد الذي اكتسب جل ما عنده من كمال ومكارم أمه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.
فلولاها لم يكن له نسب واتصال برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولولاها عليها السلام لم يكن عليه السلام من الخمسة أصحاب الكساء المطهرين بنص الكتاب العزيز، ولولاها عليها السلام لم يرث منزلة الإمامة الإلهية، ولولا إمامته وتصديه لإحياء شريعة جده والحفاظ على مبادئ وقيم الإسلام لما تجرأ عليه آل أمية وأشياعهم.
ولو كان الحسين عليه السلام ابن هند آكلة الأكباد، أو ابن سمية وغيرهما من نساء الرذيلة، لصيروه قطب الوجود وكعبة النظار، لكنه ابن التي أذاقت الظالمين كؤوس السم الزعاف، وصار ذكرها يرعب أسماع الغاصبين لتراث الأنبياء ومنازل الأوصياء، فكرهوها وكرهوا أبناءها وقتلوها وقتلوا أبناءها، بل ونصبوا الحرب وأعلنوا الكره لكل ما يذكر بها وبهم عليهم السلام، حتى انهم كرهوا النبتة التي كانت تحب أكلها عليها السلام فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: «ليس على وجه الأرض بقلة أشرف ولا أنفع من الفرفخ، وهي بقلة فاطمة عليها السلام»، ثم قال: «لعن الله بني أمية هم سموها بقلة الحمقاء بغضا وعداوة لفاطمة عليها السلام».
فليس من الغريب بعد هذا التوضيح أن نقول بأن واحدة من أهم أسباب استشهاد الحسين عليه السلام هو كونه ابن فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين.
2021-11-06