مقتل أمير المؤمنين عليه السلام.. دراسةٌ وتحليل
بسم الله الرحمن الرحيم
▪️ يرجِع أكثر المؤرِّخين سبب إقدام عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله على قتل مولى الموحِّدين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى رغبته في أخذِ الثأر للخوارج الذين هلكوا يوم النهروان .. كما يُرجِع بعض آخر سبب ذلك إلى حبِّ وهيام ابن ملجم لقطام لعنهما الله تعالى.
▪️ هذا، ولو فتَّشنا في الأعماق أكثر لوجدنا أنَّ الأمر أعقدُ من هذا، وأنَّ هذا المذكور ليس السبب الأساسي لإقدام ابن ملجم لعنه الله على ذلك، بل يُطمَأن بتورُّط جهاتٍ من أرباب النفاق في ذلك أيضاً، وهو ما سوف نُسلِّط الضوء عليه في هذه الدراسة المتواضعة إنْ شاء الله تعالى.
▪️الحزب الأموي:
▪️هناك جملةٌ من القصاصات التي تبيِّن ضلوع بني أمية في مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، نذكر بعضاً منها:
1ـ كلام أبي الأسود الدؤلي رحمه الله في شِعره الذي يتَّهمُ به ـ صراحة ـ معاوية بن أبي سفيان لعنه الله في ضلوعه في ذلك، حيث جاء فيه: « ألا أبلغ معاوية بن حربٍ .. فلا قرَّت عيون الشامتينا .. أفي شهر الحرام فجعتمونا .. بخير الناس طُراً أجمعينا » (1).
2ـ ما قاله القاضي النعمان المغربي في المناقب والمثالب، ونصُّه: « وقيل: إنَّ ابن ملجم كان يرى رأي الخوارج ...إلى قوله: وقيل: إنَّ معاوية أمره ذلك، ودسَّ إليه فيه، وجعل له مالاً عليه...إلخ » (2).
▪️إذن: المتحصَّل من هذا كلِّه أنَّ لمعاوية بن أبي سفيان لعنه الله يداً في مقتل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
▪️أنصار السقيفة:
▪️هذا، ولو فتَّشنا أعمق من ذلك لوجدنا علاقات وروابط بين اللعين ابن ملجم المرادي وبين بعض المجرمين الأوائل الذين غصبوا حقَّ أمير المؤمنين عليه السلام من قبل، وإليك قارئي العزيز بعض اللقطات التي تكشف لك شيئاً من الحقيقة المطموسة في دهاليز الكتب والمكتبات.
▪️قال الذهبي في تأريخ الإسلام : « عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قاتل علي رضي الله عنه، خارجيٌّ مفترٍ. ذكره ابن يونس في تأريخ مصر فقال: شهد فتح مصر، واختطَّ بها مع الأشراف. وكان ممن قرأ القرآن والفقه ...إلى قوله: قرأ القرآن على معاذ بن جبل. ويقال: هو الذي أرسل صبيغاً التميمي إلى عمر [بن الخطَّاب] ... فسأله عما سأله مستعجم القرآن. وقيل: إنَّ عمر[بن الخطَّاب] كتب إلى عمرو بن العاص: أنْ قـرِّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلِّم الناس القرآن والفقه، فوسَّع له مكان داره »(3).
▪️أقول: إنَّ المستكشف من هذا الكلام أمران مُهمَّان:
▪️الأمر الأوَّل: معرفة عمر بن الخطَّاب لعبد الرحمن بن ملجم معرفة شخصية، وطلبه من عمرو بن العاص أنْ يجعله معلِّم القرآن الرسمي في المسجد!! وكذا معرفة ابن ملجم لعمر بن الخطَّاب، بل وله الصلاحيات بأنْ يُرسل إليه بعض الأشخاص، كصبيغ التميمي المتقدِّم ذكره ليسأله عمر عما خفي عليه من القرآن!! ولذلك يُعدُّ هذا الأمر مؤشِّراً واضحاً على قوَّة العلاقة بينهما كما لا يخفى.
▪️الأمر الثاني: إنَّ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى كان ممن تعلَّم وتتلمذ على يدي معاذ بن جبل الأنصاري، ولذلك يتوجَّب علينا معرفة معاذ هذا عن قرب، وذلك لتأثير المعلِّم بالمتعلِّم سلباً أو إيجاباً.
▪️معاذ بن جبل:
▪️لقد كان معاذٌ هذا من أصحاب الصحيفة الملعونة التي تعاقد عليها القوم حين قالوا : إنْ مات محمَّد أو قتل لنزوينَّ الخلافة عن علي بن أبي طالب مهما كلَّف الأمر، وقد لخَّص هذا الأمر بشكلِ ممتاز الشيخ الأنصاري محقق كتاب سُليم بن قيس الهلالي(4). كما كان من أوائل المبايعين لأبي بكر بن أبي قحافة(5). وكان أيضاً أحد الأركان الذين أثبتوا حكم أبي بكر بن أبي قحافة، عندما أحتجَّ عليهم أمير المؤمنين عليه السلام بقصَّة الغدير وغيرها(6). كما كان من المساهمين في إرجاع أبي بكر إلى المنبر عندما اُحتج عليه في المسجد من قبل أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام(7). كما كان لمعاذٍ هذا علاقة خاصَّة بعمر بن الخطَّاب، أفصحت عنها جملة المرويات كما لا يخفى.
▪️إذن: بعد هذا العرض الذي سُقناه، يتَّضح لنا المعنى الحقيقي لتتلمذِ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى على يدي معاذ بن جبل، فتأمَّل.
▪️والنتيجة من كلِّ هذا: هي الاطمئنان بضلوعِ جملةٍ من المنافقين في جريمة مقتل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، أسَّس لها الحزب السقيفي والأموي، ثمَّ نُفِّذت على يدي أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى، بذريعةِ الانتقام للخوارج أو إرضاءً للخبيثة قطام.
▪️وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1)مناقب آل أبي طالب ج3 ص361، دار الأضواء.
(2) المناقب والمثالب ص226، مؤسسة الأعلمي.
(3) تأريخ الإسلام ج2ص373، دار الغرب الإسلام.
(4) يُنظر: كتاب سُليم ص 155 مركز الأبحاث العقائدية.
(5) يُنظر: كتاب سُليم ص 145 مركز الأبحاث العقائدية.
(6) يُنظر: كتاب سُليم ص 154مركز الأبحاث العقائدية.
(7) يُنظر: الفوائد الرجالية لبحر العلوم ج2ص332 مكتبة الصادق.
2021-10-31