ما قاله الصحابة في فضل علي بن أبي طالب-ج2

 

سعد بن أبي وقاص: 
روى عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه، قال: «لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أبا إسحاق انّا قومٌ قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك قال: فلما فرغ أدخله في دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه، قال: أدخلتني دارك وأقعدتني على سريرك ثم وقعت فيه تشتمه، والله لأن تكون فيّ أحد خلاله الثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون قال لي ما قال له حين رآه غزا تبوكاً، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي، أحبّ إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها من الولد، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ثم قال لمعاوية: لا أدخل عليك داراً بعد اليوم، ثم نفض رداءه وخرج»(68).
قال سعد بن أبي وقاص: «ان أبا بكر وعمر قالا: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة»(69).
وقال: «لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ما سببته أبداً بعد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما سمعت»(70).
«أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلن أسبه، لأنْ تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعوا لي علياً، فأوتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ)(71) دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللّهم هؤلاء أهلي»(72).
قال الشيخ منصور علي ناصف: «فهذه الأحاديث الثلاثة في علي لم يقلها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأحد غيره. ففيها دلالة على رفع مكانة علي ـ رضي الله عنه ـ وفي الحديث اثنتان من علامات النبوة فعلية وقولية.
أما الفعلية، فبصقه في عين علي وبرؤها في الحال.
وأما القولية، فهي قوله: خذ الراية وسر إليهم فسيفتح الله عليك. وكان كذلك»(73).
قال الحرث بن مالك: «أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: قد شهدت له خمساً لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح، ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فساربها يوماً وليلةً، ثم قال لعلي: إتبع أبا بكر، فخذها وبلغها ورد علي أبا بكر فرجع أبو بكر، فقال: يا رسول الله أنزل فيّ شيء؟ قال: لا إلاّ خيراً، إلاّ أنه ليس يبلغ عني إلاّ أنا أو رجل مني، أو قال من أهل بيتي، وقال: وكنا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسجد، فنودي فينا ليلا: ليخرج من في المسجد إلاّ آل الرسول وآل علي قال: فخرجنا نجرّ نعالنا، فلما أصبحنا أتى العباس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله أخرجت أعمامك وأصحابك، وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما أنا أمرت بإخراجكم، ولا إسكان هذا الغلام، انّ الله هو أمر به، وقال: والثالثة، أن نبي الله بعث عمرو سعداً إلى خيبر، فخرج سعد ورجع عمر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله في ثناء كثير أخشى أن أحصي، فدعا علياً فقالوا: إنه أرمد فجيء به يقاد، فقال له: افتح عينيك، فقال: لا أستطيع، قال: فتفل في عينه من ريقه ودلكها بابهامه وأعطاه الراية، والرابعة: يوم غدير خم، قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فابلغ، ثم قال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مراّت، قالوا: بلى، قال: أدن يا علي فرفع يده، ورفع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه ـ حتى قالها ـ ثلاث مرات: والخامسة من مناقبه، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غزا على ناقته الحمراء وخلف علياً، فنفست ذلك عليه قريش، وقالوا أنه انما خلفه أنّه إستثقله وكره صحبته، فبلغ ذلك علياً، قال: فجاء حتى أخذ بغرز الناقة، فقال زعمت قريش أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وكرهت صحبتني، قال: وبكى علي قال: فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الناس فاجتمعوا ثم قال: أيها الناس ما منكم أحدٌ إلاّ وله حامةٌ، أما ترضى يا ابن أبي طالب أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي. فقال علي: رضيت عن الله ورسوله. قال الكنجي: هذا حديث حسن وأطرافه صحيحة»(74).
قال خيثمة بن عبد الرحمان «قلت لسعد بن أبى وقاص: ما خلفك عن علي، أشيء رأيته أو سمعته من رسول الله قال: لا بل شيء رأيته، أما إني قد سمعت له من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثة لو تكون واحدة لي منها أحبّ اليّ مما طلعت عليه الشمس ومن الدنيا وما فيها.
الأولى منها: لما كانت غزوة تبوك خلّف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً في أهله، قال فوجد علي في نفسه. فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبوة.
والثانية، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه، فلما أصبح صلى الفجر، ثم نظر في وجوه القوم فرأى علياً منكسراً في ناحية القوم يشتكي عينيه، قال: فدعاه فقال: يا رسول الله اني ارمد، قال فأخذه إليه فمسح عينيه ودعا له، قال علي: فو الذي بعثه بالحق ما شكيتهما بعد، قال: ثم أعطاه الراية، قال: فمضى بها واتبعه الناس من خلفه، قال: فما تكامل الناس من خلفه حتى لقى مرحب فاتقاه بالرمح فقتله، ثم مضى إلى الباب حتى أخذ بحلقة الباب، ثم قال: أنزلوا يا أعداء الله على حكم الله وحكم رسوله وعلى كل بيضاء وصفراء، قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجلس على الباب فجعل علي يخرجهم على حكم الله وحكم رسوله، فبايعهم وهو آخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: فخرج حيي بن أخطب، قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم برئت منك ذمة الله إذا كتمتني شيئاً، قال: نعم. وكانت له سقاية في الجاهلية فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما فعلت سقايتكم التي كانت لكم في الجاهلية، قال: فقال يا رسول الله أجلينا يوم النضير فاستهلكناها لما نزل بنا من الحاجة، قال: فبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كذبتني، قال: نعم، قال فأتاه الملك فأخبره فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: إذهب إلى جذوع نخلة كذا وكذا فانه قد نقرها وجعل السقاية في جوفها، قال: فاستخرجها فجاء بها، قال: فلما جاء بها، قال لعلي: قم فاضرب عنقه، قال: فقام إليه فضرب عنقه وضرب عنق إبن أبي الحقيق، وكان زوج صفية بنت حيي، وكان عروساً بها، قال: فأصابها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والثالثة، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خم ورفع بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه»(75).
«قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد، وقال: تقول هذا لرجل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول «من كنت مولاه فعلي مولاه وسمعته يقول «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي» وسمعته يقول «لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله»(76).
وقال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله، وحديث الطير وحديث غدير خم»(77).


الصحابة:
قال عبدالله بن عياش المخزومي ـ لمّا سئل عن صغو الناس مع علي، وانما هو غلام، ولأبي بكر من السابقة والشرف ما قد علمنا ـ قال: ان علياً كان له ما شئت من ضرس قاطع: البسطة في العشيرة والقدم في الإسلام والصهر لرسول الله والعلم بالقرآن والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجودة في الماعون، إنّه كان له ما شئت»(78).


حكى محمّد صدر العالم عن الحافظ ابن عبد البر: «روي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: أن علياً أول من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره، ولما دخل علي رضي الله عنه الكوفة دخل عليه حكيم من العرب، فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينّتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها»(79).


قال ابن مسعود: «قسمت الحكمة عشر أجزاء، فاعطي علي تسعة أجزاء والناس جزء واحد، وعلي أعلم بالواحد منهم»(80).


قال البدخشي: «أخرج أحمد عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما نزل بغدير خم، أخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى قال: ألستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة»(81).


قال نبيط بن شريط: «خرجت مع علي بن أبي طالب عليه السّلام ومعنا عبدالله بن عباس، فلما صرنا إلى بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر جالساً ينكت في الأرض فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين ما الذي أجلسك وحدك ها هنا؟ قال: لأمر همني قال علي: أفتريد أحدنا؟ قال عمر: إن كان عبد الله قال: فتخلّف معه عبدالله بن عباس، ومضيت مع علي وأبطأ علينا إبن عباس، ثم لحق بنا، فقال له علي عليه السّلام ما وراءك؟ قال: يا أبا الحسن أعجوبة من عجائب أمير المؤمنين أخبرك بها واكتم علي. قال: فهلم. قال له: لما أن ولّيت قال عمر وهو ينظر إلى أثرك: آه آه آه، فقلت: مم تأوّه يا أميرالمؤمنين؟ قال: من أجل صاحبك يا ابن عباس وقد أعطي ما لم يعطه أحد من آل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه! قلت: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: كثرة دعابته وبغض قريش له وصغر سنه! قال: فما رددت عليه؟ قال: داخلني ما يدخل ابن العم لابن عمه فقلت: يا أمير المومنين، أما كثرة دعابته فقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يداعب فلا يقول إلاّ حقاً، وأين أنت حيث كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبان ويقول للصبي: «سناقاً سناقاً» ولكل ما يعلمه الله يشتمل على قلبه، وأما بغض قريش له، فوالله ما يبالي ببغضهم له بعد أن جاهدهم في الله حين أظهر الله دينه فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نساءها لامه من لامه، وأما صغر سنه، فقد علمت أن الله تعالى حيث أنزل عليه (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) فوجّه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم صاحبه ليبلغ عنه، فأمره الله أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل من أهله فوجهه به، فهل استصغر الله سنه؟ فقال عمر لابن عباس: أمسك عليّ واكتم، فان سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها»(82).


قال إبن عباس: «إني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي فقال: يا ابن عباس، ما أظن صاحبك إلاّ مظلوماً، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مريهمهم ساعة، ثم وقف، فلحقته فقال لي: يا ابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شرٌ من الأولى فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر فيقرأها على الناس، فسكت»(83).
وقال: «مرّ عمر بعلي وأنا معه بفناء داره فسلّم عليه فقال له علي: أين تريد؟ قال: البقيع قال: أفلا تصل صاحبك، ويقوم معك؟ قال: بلى فقال لي علي: قم معه، فقمت فمشيت إلى جانبه، فشبك أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلا، حتى إذا خلّفنا البقيع قال لي: يا ابن عباس، أما والله ان صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلاّ أنا خفناه على اثنين، قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بداً من مساءلته عنه، فقلت: ما هما يا أمير المؤمنين قال: خفناه على حداثة سنّه وحبّه بني عبد المطلب»(84).
وقال ابن عباس: «طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل فقال: أخرج بنا نحرس نواحي المدينة، فخرج وعلى عنقه درته حافياً حتى أتى بقيع الغرقد فاستلقى على ظهره وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه الصعداء فقلت له: يا أمير المؤمنين ما أخرجك إلى هذا الأمر؟ قال: أمر الله يابن عباس، قال قلت إن شئت أخبرتك بما في نفسك قال: غصّ يا غواص إن كنت لتقول فتحسن قال قلت ذكرت هذا الأمر بعينه وإلى من تصيره قال: صدقت قال فقلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف؟ فقال: ذلك رجل ممسك وهذا الأمر لا يصلح إلاّ لمعط في غير سرف ومانع في غير إقتار، قال: قلت سعد بن أبي وقاص، قال: مؤمن ضعيف، قال فقلت: طلحة بن عبيد الله، قال: ذاك رجل يناول للشرف والمديح يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره وفيه بأو وكبر، قال فقلت: فالزبير بن العوام فهو فارس الإسلام قال: ذاك يوماً إنسان ويوماً شيطان وعقة لقس، ان كان ليكادح على المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى تفوته الصلاة، قال فقلت: عثمان بن عفان قال: إن ولي حمل بني أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلن والله لئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته، ثم سكت قال، فقال: امضها يابن عباس، أترى صاحبكم لها موضعاً؟ قال فقلت: وأين يتبعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه، قال: هو والله كما ذكرت، ولو وليهم لحملهم على منهج الطريق فأخذ المحجة الواضحة، إلاّ أن فيه خصالا: الدعابة في المجلس واستبداد الرأي والتبكيت للناس مع حداثة السّن، قال: قلت: يا أمير المؤمنين هلاّ استحدثتم سنّه يوم الخندق، إذ خرج عمرو بن عبدود وقد نكص عنه الأبطال وتأخرت عنه الأشياخ، ويوم بدر إذ كان يقط الأقران قطاً، وهلا سبقتموه بالإسلام إذ كان جعلته(85) الشعب وقريش تستوفيكم فقال: اليك يا ابن عباس، أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعلي بأبي بكر يوم دخلا عليه. قال: فكرهت أن أغضبه فسكتّ.
فقال: والله يابن عباس، ان علياً ابن عمك لأحق الناس بها ولكن قريشاً لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذهم بمرّ الحق لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثن بيعته ثم ليحاربن»(86).


أبو الطفيل الكناني(87)

قال أبو الطفيل: «سمعت علياً عليه السلام وهو يقول: لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني ولو نثرت على المنافق ذهباً وفضة ما أحبني، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبّي وميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن ولا يحبني منافق أبداً»(88).
نعم كان محبوه هكذا قال عمرو بن المقدام عن أبيه شهدت عند المغيرة رجلاً أقطع فلقيته، فقلت له من قطعك قال: من رحمه الله وغفر له علي بن أبي طالب فقلت أظلمك؟ قال لا والله ما ظلمني(89).
قال حريث بن عمرو: حضر عند معاوية الحسن بن علي وعبدالله بن جعفر وعقيل بن أبي طالب وعمرو بن العاص وسعيد ومروان ومن حضر من الناس وفيهم أبو الطفيل الكناني والشاميون يشيرون إليه، ويقولون هذا صاحب علي إذ قال معاوية يا أخا كنانة من أحب الناس إليك؟ فبكى أبو الطفيل، ثم قال: أحب الناس إلي والله إمام الأئمة والأمة وقائدها وأشجعها قلباً وأشرفها أباً وجداً وأطولها باعاً وأرحبها ذراعاً وأكرمها طباعاً وأشمخها إرتفاعاً، فقال معاوية يا أبا الطفيل ما أردنا هذا كله، قال: ولا أنا قلت العشر من افعاله ثم أنشا أبو الطفيل يقول:
صهر النبيّ بذاك الله أكرمه *** إذ اصطفاه وذاك الصهر مدّخر
فقام بالأمر والتقوى أبو حسن *** بخ بخ هنالك فضل ما له خطر
لا يسلم القرن منه إن ألمّ به *** ولا يهاب وإن أعداؤه كثروا
من رام صولته وافى منيّته *** لا يدفع الثكل عن أعدائه الحذر
وقال فيه أبياتاً أخر، ثم نظر إلى معاوية والحسن عليه السلام إلى جنبه، وقال: كيف يزكى من جده رسول الله وأمه فاطمة بنت رسول الله وخاله القاسم إبن رسول الله وخالته زينب بنت رسول الله ومن أحبه أحب رسول الله ومن أبغضه أبغض رسول الله ومن أبغض رسول الله فقد أبغض الله ومن أبغض الله كفر(90).
وقال أبو الطفيل: قال بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لقد كان لعلي بن أبي طالب من السوابق ما لو أن سابقة منها قسمت بين الملأ لوسعتهم خيراً(91).

____________________________________________________________________________________________________

الهوامش:

(68) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب، من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص218 رقم 280.
(69) وسيلة المآل للحضرمي ص230.
(70) معارج العلى في مناقب المرتضى لمحمّد صدر العالم ص191 مخطوط.
(71) سورة آل عمران: 61.
(72) صحيح مسلم ج4 ص1871 باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السّلام وابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص207 رقم 271، والنسائي في الخصائص ص4، والترمذي في سننه ج5 باب مناقب علي بن أبي طالب ص301 مع فرق، والكنجي في كفاية الطالب ص85.
(73) التاج ج3 ص296.
(74) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ج1 ص214 رقم 278، والكنجي في كفاية الطالب ص285.
(75) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص216 رقم 279.
(76) سنن إبن ماجة باب فضل علي بن أبي طالب ج1 ص45 رقم 121.
(77) حلية الأولياء ج4 ص356.
(78) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص60 رقم 1104 وانظر ما بعده.
(79) معارج العلى في مناقب المرتضى ص191.
(80) تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص187.
(81) نزل الأبرار ص19.
(82) فرائد السمطين ج1 الباب الثاني والستون ص334.
(83) شرح نهج البلاغة ج6 ص45 وج12 ص46 بتحقيق أبو الفضل إبراهيم، ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي ابن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص387.
(84) شرح نهج البلاغة ج6 ص50 بتحقيق أبو الفضل إبراهيم.
(85) كذا في المصدر والعبارة مشوّشة.
(86) تاريخ اليعقوبي ج2 ص148.
(87) عامر بن واثلة الكناني من أصحاب أمير المؤمنين ومن ثقاته بشهادته عليه السلام تنقيح المقال ج2 ص117 رقم 6064 وهو من الذين قالوا بالتفضيل، قال إبن أبي الحديد: قال به كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمار، والمقداد، وأبو ذر وسلمان، وجابر بن عبد الله، وأبيّ بن كعب، وحذيفة، وبريدة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه، وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة، وكان الزبير من القائلين به في بدء الأمر، ثم رجع، وكان من بني أمية قومٌ يقولون بذلك، منهم خالد بن سعد بن العاص، ومنهم عمر بن عبد العزيز، شرح نهج البلاغة ج20 ص221.
(88) شرح نهج البلاغة ج6 ص83 بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
(89) أنساب الأشراف ج2 ص156.
(90) المناقب للخوارزمي الفصل التاسع عشر ص239.
(91) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص63 رقم 1107 والقندوزي في ينابيع المودة الباب الأربعون ص122.