بقلم: الأستاذ مروان خليفات

 

الإمامية وعلم الحديث


لا شك أنك قرأت أو سمعت سمفونية سلفية تقول بضعف الامامية في علم الحديث والرجال واعتمادهم على السنة في ذلك، وهذا من تهويلهم ومبالغاتهم الكثيرة المكذوبة لبث الشبهة وصد الناس عن الحق ولأعطاء جرعة من الثقة بالنفس لأنفسهم ولأتباعهم .
لكن عند تحقيق المسألة نجد أن أول من تكلم في علم الحديث والرجال هو الإمام علي ع في نص مشهور، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي ج 1 ص 62 – 64 ، قال عليه السلام : 


(إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده . وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس ...)


ذكر هذا النص محمد جمال القاسمي في قواعد التحديث ص 162 ، و مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة ص 1957 نقلا عن مصادر الإمامية ، وقد أفردته سابقا بمنشور مستقل.


الملاحظ أن الإمامية لم يكونوا في القرون الثلاثة الأولى بحاجة لهذا العلم، وذلك لوجود الإمام الذي يرجعون إليه، حيث كان الأئمة ع يبينون لأصحابهم حال الأحاديث التي يعرضونها عليهم، ويصححون لهم الكتب ، واستمر هذا الحال إلى سنة 329هـ، وهذا بعكس الجمهور الذين أحسوا بالفراغ التشريعي بعد وفاة النبي مباشرة فلجأوا إلى تأسيس مصادر تشريع جديدة، جاءوا بها من أذهانهم، كسنة الصحابي والخلفاء والقياس ...
وعند التحقيق لا يجد الباحث دليلا عليها ، وهذا الفراغ دعاهم إلى ايجاد علم الحديث، ليعالجوا من خلاله الروايات وحال الرواة.
إن الذي يرجع لأحاديث الائمة ع يجد قواعد كثيرة للتعامل مع أحاديثهم، قد بينوها هم ع، وهي موضحة في كتب الدراية وأصول الفقه .
أما في مجال التصنيف في هذا العلم فنجد أن :


. ـــ ابان بن تغلب ( ت 141هـ) له كتاب : الأصول في الرواية على مذاهب الشيعة 
فهرست ابن النديم، ص 276
ــ  هشام بن الحكم ( ت 179 ه ) ، له :
 الأخبار وكيف تصح، فهرست ابن النديم، ص 233
ــ يونس بن عبد الرحمن (ت 208هـ )
. له : كتاب اختلاف الحديث ومسائله عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع
الفهرست للشيخ الطوسي، ص 266 وله : علل الحديث.
 فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص 447
ـــ محمد بن أبي عمير ( ت 217هـ) له كتاب : اختلاف الحديث
فهرست اسماء مصنفي الشيعة، ص 337
ـــ احمد بن محمد بن خالد البرقي ( ت 274هـ )
 له كتاب اختلاف الحديث
الفهرست للشيخ الطوسي، ص 63، لسان الميزان لابن حجر، ج1 ص 262
وله : علل الحديث ، 
 فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص 76
ـــ العياشي التارك للتسنن ، له كتاب معيار الأخبار.
من أمثلة تقدم رجالات الإمامية وابداعاتهم ما ذكره الخياط المعتزلي في كتابه الإنتصار ص 157 ــــ 158 نقلا عن الراوندي من قول هشام بن الحكم :
 (هذا هشام بن الحكم يزعم أن مجيء خبر المتواتر يوجب العلم ولو كانوا كفارا )
قول هشام هذا، صار لاحقا نظرية عند أهل السنة ، ذكره الزركشي والألباني وغيرهما
قال الزركشي: ( قال سليم الرازي في التقريب : لا يشترط في وقوع العلم بالتواتر صفات المخبرين بل يقع ذلك بأخبار المسلمين والكفار والعدول والفساق والاحرار والعبيد والكبار والصغار إذا اجتمعت الشروط ...) 
البحر المحيط ج3 ص 300، وانظر : إرواء الغليل ، ج 6 ص 95
هذه النظرية في حقيقتها من ابداع رجالات الإمامية كما تقدم، ووفقا لمنطق السلفيين، فالسلفيون عالة على رجالات الشيعة في هذه المسألة الحديثية!!


وهنا نشير إلى أن البعض يذكر أن الشافعي (150هـ ـــ 204هـ) أول من ألف في هذا العلم، ويرى بعض اعلام الجمهور أن الرامهرمزي المتوفى نحو (360هـ) أول من صنف، وفي كل الأحوال فالسبق هو للإمامية، فأبان بن تغلب عليه الرحمة ألف : (الأصول في الرواية على مذاهب الشيعة ) كما ذكرنا، وأبان متوفى قبل ولادة الشافعي بتسع سنين، ولا شك أن اللاحق يأخذ عن السابق.
وكذا هشام بن الحكم ( ت 179 هـ ) ، له : الأخبار وكيف تصح، وهو أقدم من الشافعي بالرغم من معاصرته له . 
إن مجرد استعارة بعض المصطلحات من الجمهور كالصحيح والحسن ... ، لا يعني أن الإمامية عالة عليهم في هذا العلم
ـــ إن الجمهور عالة على الشيعة في الرجال، فكتبهم الحديثية مشحونة بالرواية عن رجالهم، وبعضهم من شيوخ البخاري ومسلم، بل مشحونة بالرجوع إلى رجالييهم للحكم على الرواة، كرجوعهم لابن خراش والجعابي ...

 

 


والحمدلله رب العالمين .