بسم الله الرحمن الرحيم


( قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى )
صدق الله العلي العظيم

 


كان كل ما أراده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبره المسلمون في قرباه وأن يودوه في أهل بيته، هذا كل ما أراده الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نظير ما قدمه للناس من إنقاذهم من غياهب الشرك والوثنية إلى عبادة الله الأحد الصمد سبحانه وتعالى، فما الذي فعله الناس في وصية رسول الله؟


للأسف الشديد وكعادة الأمم مع أنبيائها لم يحترموا ولم ينفذوا وصية النبي، ولكن المصيبة هنا كانت أبشع والجريمة كانت أفظع من أن تُحكى في كلمة أو كلمتين، فقد وصل الحقد والغل في نفوس القوم إلى أن جعلهم يستبيحون دماء أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويعذبونهم ويسبون نساء أهل البيت عليهم السلام، ولكن ما السبب في ذلك؟


لطالما كان كل من السلطة والمال هما المتحكمان في أنفس البشر، لذا وبعد أن انتشر الإسلام في بقاع الأرض وأصبح للمسلمين كلمتهم بين الأمم، استرجع البعض نظرته القديمة أيام الوثنية عندما قالوا "لقد أوتي ابن أخيك ملكًا عظيمًا"، فتملكتهم شهوة الملك وشهوة الانتقام ولم يروا من أمامهم، فجيشوا الجيوش وأعدوا العدة واستباحوا مدينة رسول الله وقتلوا وسفكوا ونهبوا أقرب الناس إلى رسول الله، إلا أنهم لم يكتفوا بذلك، بل أرسلوا أزلامهم لإعلان الحرب على الإسلام باسم الإسلام، فهل هناك من يمثل الإسلام غير الحسين بن علي إمام زمانه؟ إلا أن يزيد قد اقتنص الخلافة كما اقتنصها أسلافه ونصبه أبوه خليفة للمسلمين زورًا وبهتانًا، لم يترك يزيد جريمة كبيرة إلا وفعلها وكل ذلك باسم الإسلام، لقد سفك دماء أهل البيت عليهم السلام في كربلاء وسبى نساءهم وهذا أيضًا باسم الإسلام!


عندما خرج الإمام الحسين بن علي من المدينة لم يخرج طالبًا للشر أو الحرب بل طالبًا الإصلاح في أمة جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخرج بأهل بيته جميعًا متجهًا نحو الكوفة بعد ما وصله من رسائل تحثه على القدوم لمبايعته، فلبى النداء من أجل الإصلاح والثورة السلمية واتجه نحوهم غير قاصد لأي حرب، فكيف لمن يخرج للحرب أن يصطحب أهله معه؟
لقد مثلت واقعة الطف أكبر الكوارث في تاريخ البشرية جمعاء، وهي في الوقت نفسه أكبر نقطة فاصلة في التاريخ، حيث في هذا الموقف اجتمع الباطل كله أمام الإيمان كله وفدى الإمام الحسين وأبناؤه وأصحابه وأهل بيته هذا الدين بدمائهم حتى تعرف الأجيال القادمة أنه كان هناك ثمة من قرر التضحية بكل شيء حتى لا يضيع الحق، وبالفعل كانت عاشوراء فارقة بين الحق والباطل في تاريخ البشرية، بل مثل هذا الموقف وهذه الثورة مثالًا ونموذجًا لجميع الشرفاء في العالم، وهو ما حدث بالفعل ولا زال الإمام الحسين عليه السلام هو قدوة الأحرار والثوريين في رفض الظلم والثورة على القهر والقتل من أجل الإصلاح ومن أجل الوقوف في وجه الظلم والطغيان اليزيدي.


كما مثلت السيدة زينب عليها السلام وهي التي شهدت كل ما حدث لأهل بيتها وكل إخوانها نموذجًا للصبر والاحتساب والقوة والتوكل على الله سبحانه وتعالى، بل وهي التي حفظت النسل الحسيني بوقوفها ضد من كانوا يريدون الفتك بالإمام علي زين العابدين بن الحسين عليهما السلام، ومثلت أيضًا دور كلمة الحق ودور الأنبياء والأوصياء والأئمة عندما وقفت أمام يزيد في قصره وبين حاشيته وتقول "والله ما رأيت إلا جميلًا" وأيضًا عندما تباهى يزيد بقتل الإمام الحسين ويعتبره انتقامًا له من قتل أجداده في غزوة بدر قائلًا "ليت أشياخي ببدر حضروا"، ردت عليه قائلة: "كِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها (أي لا تغسله)، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين !

 

فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يُكملَ لهم الثواب، ويُوجِبَ لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيمٌ ودود، وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل.

 


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
بقلم: السيد الطاهر الهاشمي