نكمل معكم الجزء الثالث :

 

[13] قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة: 10].

ورد في تفسير الإمام العسكريّ (عليه السّلام): قال الإمام موسى بن جعفر (عليهما السّلام): « إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا اعتذر هؤلاء المنافقون إليه بما اعتذروا، تكرّم عليهم بأن قبل ظواهرهم ووكّل بواطنهم إلى ربّهم، لكن جبرئيل (عليه السّلام) أتاه فقال: اخرج بهؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في عليّ (عليه السّلام) على نكثهم لبيعته، وتوطينهم نفوسهم على مخالفتهم علياً ليظهر من عجائب ما أكرمه الله به، من طواعية الأرض والجبال والسّماء له وسائر ما خلق الله ـ لما أوقفه موقفك وأقامه مقامك ـ؛ ليعلموا أنّ وليَّ الله علياً غنيّ عنهم، وأنّه لا يكفّ عنهم انتقامه منهم إلّا بأمر الله الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه، والحكمة التي هو عامل بها وممضٍ لما يوجبها، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجماعة ـ من الذين اتّصل به عنهم ما اتصل في أمر عليّ (عليه السلام) والمواطأة على مخالفته ـ بالخروج... قال (عليه السلام): فمرضت قلوب القوم لما شاهدوه من ذلك، مضافاً إلى ما كان في قلوبهم من مرض حسدهم له ولعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال الله عند ذلك: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ أي: في قلوب هؤلاء المتمرّدين الشّاكّين النّاكثين لما أخذت عليهم من بيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ﴿فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً﴾ بحيث تاهت له قلوبهم جزاءً بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات ﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ محمداً ويكذبون في قولهم: إنّا على البيعة والعهد مقيمون »(1).

 

[14] قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ [المائدة: 3].

قال السيد ابن طاوس: « وقال مصنّف كتاب النشر والطي: قال أبو سعيد الخدريّ: فلم ننصرف حتّى نزلت هذه الآية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله على كمال الدين وتمام النقمة ورضى الربّ برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب، ونزلت: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ..﴾. قال صاحب الكتاب : فقال الصّادق (عليه السلام): يئس الكفرة وطمع الظلمة »(2) .
ويدل عليه ما نقله ابن شهر آشوب عن السدي - كما سيأتي ذيل [15].

 

 

[15] قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [المائدة: 7].

ورد في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: « السديّ: لم ينزل الله بعد هذه الآية ـ يعني آية إكمال الدين ـ حلالاً ولا حراماً، وحجّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذي الحجّة ومحرم وقبض، وروى: أنّه لما نزل ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ﴾ أمره الله تعالى أن ينادي بولاية عليّ، فضاق النبيّ بذلك ذرعاً لمعرفته بفساد قلوبهم، فأنزل: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾، ثم نزل: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ﴾، ثم نزل ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، وفي هذه الآية خمس بشارات: إكمال الدين ، وإتمام النعمة، ورضا الرّحمان، وإهانة الشيطان، وبأس الجاحدين، قوله تعالى : ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾، في الخبر: الغدير عيد الله الأكبر »(3) .

 

[16] قوله تعالى: ﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ [القلم: 51ـ52].

روى الشيخ الكليني عن حسان الجمال قال: « حملتُ أبا عبد الله (عليه السلام) من المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد، فقال: ذلك موضع قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، ثم نظر إلى الجانب الآخر، فقال: ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح فلمّا أن رأوه رافعاً يديه؛ قال بعضهم لبعض: انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية : ﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ »(4). ورواه الصدوق في الفقيه (5)، والطوسي في التهذيب (6).

 

هذا آخر ما وقفت عليه من الآيات النازلة بشأن حادثة الغدير، والحمد لله رب العالمين.



 

بقلم:  السيد عبد الهادي العلوي 

__________

الهامش: 


(1) تفسير العسكري، ص114.
(2) إقبال الأعمال، ص458.

(3) المناقب، ج2، ص226.
(4) الكافي، ج4، ص566.
(5) الفقيه، ج2، ص559؛ الفقيه، ج1، ص230. 
(6) تهذيب الأحكام، ج3، ص263.