نكمل معكم الجزء الثاني من البحث 

 

[7] قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [هود: 12]. 

روى الشّيخ الصّدوق عن ابن عباس، قال: « إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا أُسري به إلى السّماء،.. قال الربّ تبارك وتعالى: أنا المحمود، وأنت محمّد، شققتُ اسمك من اسمي، فمَن وصلك وصلته،، ومن قطعك بتلته، انزلْ إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إيّاك، وأنّي لم أبعث نبياً إلّا جعلتُ له وزيراً، وأنك رسولي، وأنّ عليّاً وزيرك. فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكره أن يحدِّث النّاس بشيء كراهية أن يتّهموه؛ لأنّهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتّى مضى لذلك ستّة أيام، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾، فاحتمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك حتى كان يوم الثامن ، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تهديدٌ بعد وعيد، لأمضينَّ أمر الله (عزّ وجلّ)، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدّنيا والآخرة. قال: وسلّم جبرئيل على عليّ بإمرة المؤمنين، فقال عليّ (عليه السلام): يا رسول الله، أسمع الكلام ولا أحسّ الرّؤية. فقال: يا عليّ، هذا جبرئيل، أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني. ثمّ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلاً فرجلاً من أصحابه حتّى سلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ثمّ قال: يا بلال، نادِ في النّاس أن لا يبقى غداً أحدٌ إلّا عليلٌ إلّا خرج إلى غدير خم،.. الخ » (1). وروى العياشي (2)، والحسكاني (3) قريباً منه.

 

[8] قوله تعالى: ﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: 79ـ80].

قال الشيخ القميّ: « فاجتمع قومٌ من أصحابه، وقالوا: يريد محمّد أن يجعلَ الإمامة في أهل بيته، فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة، ودخلوا الكعبة تعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً: إن مات محمّد أو قتل أن لا يردّوا هذا الامر في أهل بيته أبداً، فأنزل الله على نبيّه في ذلك: ﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة يريد المدينة، حتّى نزل منزلاً يُقال له غدير خم، وقد علّم النّاسَ مناسكهم، وأوعز إليهم وصيّته إذ نزلت عليه هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاس، هل تعلمون مَن وليّكم؟..» (4).

 

[9] قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ﴾ [سبأ: 20ـ23]

 

روى الشيخ القميّ عن أبي عبدالله (عليه السّلام)، قال: « لمّا أمر الله نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين (عليه السّلام) للنّاس في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ في عليٍّ بغدير خم، فقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثّوا التّراب على رؤوسهم، فقال لهم إبليس: ما لكم؟ فقالوا: إن هذا الرّجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شيء إلى يوم القيامة، فقال لهم إبليس: كلا، إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدةً لن يخلفوني. فأنزل الله على رسوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ﴾ كنايةً عن إبليس ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾، ثم قال (عزّ وجلّ) احتجاجاً منه على عبدة الاوثان: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي 

السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا﴾ كنايةً عن السّماوات والأرض ﴿مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾، وقوله: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ﴾، قال: لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتّى يأذن الله له إلّا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنّ الله قد أذن له في الشّفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمّة من ولده، ثمّ بعد ذلك للأنبياء (عليهم السّلام) » (5).
وروى الكليني (6)، والعياشي (7) قريباً منه.

 

[10] قوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الإنشراح: 1ـ8].

روى الشيخ الكليني عن أبي عبد الله (عليه السّلام): « .. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه السورة ـ يعني سورة الإنشراح ـ، فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته، ونعيت إليه نفسه، فقال الله (جلّ ذكره): ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾، يقول: إذا فرغت فانصب علمك، وأعلن وصيك، فأعلمْهم فضله علانيةً، فقال (صلى الله عليه وآله): مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وآل من والاه ، وعاد من عاداه ـ ثلاث مرات ـ »(8) .
وروى القمي (9)، وفرات (10) قريباً منه في تفسيرهما. 

 

 

[11] قوله تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [التوبة: 74]

روى الشيخ القمّي عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام)، قال: « لمّا أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين عليّاً يوم غدير خم؛ كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين ـ وهم أبو بكر وعمر وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة ـ. قال عمر: أما ترون عينه كأنّما عينا مجنون ـ يعني النبيّ ـ السّاعة يقوم ويقول: قال لي ربي، فلمّا قام، قال: أيّها النّاس، مَن أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله، قال: اللّهم فاشهد، ثم قال: ألا مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، فنزل جبرئيل وأعلمَ رسول الله بمقالة القوم، فدعاهم وسألهم، فأنكروا وحلفوا، فأنزل الله: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ..﴾ »(11).
وروى العياشي (12) الحادثة بالتفصيل عن زيد بن أرقم.

 

[12] قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 8]

ورد في تفسير الإمام العسكريّ (عليه السّلام): قال العالم موسى بن جعفر (عليه السّلام): « إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا أوقف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف.. فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب، فقال: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ثم تفرّقوا عن ذلك، وقد وكّدت عليهم العهود والمواثيق، ثمّ إنّ قوماً من متمرّديهم وجبابرتهم تواطأوا بينهم: لئن كانت لمحمّد (صلى الله عليه وآله) كائنة ليدفعنّ عن عليّ هذا الأمر ولا يتركونه له، فعرف الله ذلك من قبلهم، وكانوا يأتون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويقولون: لقد أقمتَ عليّاً أحبّ خلق الله إلى الله وإليك وإلينا، كفيتنا به مؤونة الظّلمة لنا والجائرين في سياستنا، وعلم الله تعالى في قبولهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض، وأنّهم على العداوة مقيمون، ولدفع الأمر عن مستحقّه مؤثرون، فأخبر الله (عزّ وجلّ) محمّداً عنهم، فقال: يا محمّد ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّه﴾ الذي أمرك بنصب عليّ إماماً وسائساً لأمّتك ومدبّراً ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ بذلك، ولكنهم يتواطؤون على إهلاكك وإهلاكه، يوطّنون أنفسهم على التمرّد على عليّ (عليه السّلام) إن كانت بك كائنة »(13).

 

 

___________________________________-

الهامش: 


(1) الأمالي، ص435.
(2) تفسير العياشي، ج2، ص97.
(3) شواهد التنزيل، ج1، ص356.
(4)تفسير القمي، ج2، ص123.
 (5)تفسير القمي، ج2، ص201.
(6) الكافي، ج8، ص344.
(7) تفسير العياشي، ج2، ص301.

(8) الكافي، ج1، ص294.
(9) تفسير القمي، ج2، ص428.
(10) تفسير فرات، ص573ـ574. 
(11) تفسير القمي، ص277.
(12) تفسير العياشي، ج2، ص99.
(13) تفسير العسكري، ص112.