أيها الوهابية... أنتم غافلون

 

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله

إن ممايثيرالاستغراب والدهشة بل الاشمئزاز والنفور ماينطوي عليه الفكر (السلفي) المزعوم من عداء مسموم لا نعثر له على نظير ولا نجد له مبرر شرعي ولا عقلائي (بذريعة الدفاع على السنة ومقاومة البدع) لقسم من المسلمين لا لشيء إلا لان لهم وجهات نظر في بعض المسائل الذينية والتاريخية, استنادا لأدلة يرون بمقاييسهم العلمية أنها صحيحة, تختلف مع أفكار زعماء الطائفة الوهابية من أمثال محمد ابن عبد الوهاب الذي تشهد عليه كتاباته وأراء أهل الخبرة والتحقيق فيه بهزالة باعه في الحقل العلمي فضلاً عن إلحاقه بزمرة المجتهدين.

 

ولكن لنفترض جدلا التسليم باعلميته, فهل يمكن التسليم بعصمته, الجواب بالنفي بديهي وواضح, فاذا كان الأمر كذلك, إذن ما الذي جعل أقواله وفتاواه عند مريديه وأتباعه تتصدر مقام أحاديث أهل العصمة من الأنبياء والمرسلين (ع) وتأخذ وكأنها وحي سماوي, وهي لا تعدو أن تكون سوى إجتهادات وأراء قابلة للصواب كما هي قابلة للخطاء بل هي للخطاء أقرب منها للصواب وللتشنج وعدم الضبط منها للرزانة والدقة العلمية بل للخيانة والعدوان منها للأمانة والأمان, ويكفي اللبيب تصفح كتابه المعنون برسالة في الرد على الرافضة وكتاب مرجع بدعته ابن تيمية المسمى زورا بمنهاج السنة ليلمس بوضوح الى اي مدى يمكن للمرء ان يهوي الى دركات الكذب والبهتان وعدم الخشية من جبار السماوات والارض ادا عميت بصيرته واستولى على قلبه التعصب والعناد.

 

ثم هل إن ما يقول به أصحابكم مجمع عليه بين علماء المسلمين السابقين واللاحقين ولا يحتمل الخلاف, قطعا لا, ولا إشكال في ذلك ما دام الاستنباط مبني على قواعد علمية سليمة وما دام المتصدي للاجتهاد والفتوى مستجمع للشرائط اللازمة لذلك, وإنما الشيء الغير مفهوم في هؤلاء تجرؤهم الوقح على المخالف بأشنع التهم في مسائل اختلفت فيها الأمة قديما وحديثا ولم يفسد ذلك بينهم للود قضية بل كان لسان حالهم يقول دائما لنتعاون في ما اتفقنا فيه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه وكانت السيرة على هذا حتى ظهر قرن الشيطان من نجد حيث الزلازل والفتن بتخطيط ممن يهدفون لاشغال المسلمين بعضهم ببعض توطئة للنيل منهم فادخل الأمة في هرج ومرج ما زالت تعاني تبعاته إلى اليوم.

 

وهذه المواقف المتشنجة والمنافية للأدب لم تقتصر سهامها على شيعة أهل البيت فحسب رغم نيلهم النصيب الأوفر بل تعداهم إلى اتباع نحلتهم أيضا اللذين لم يستثنوا من القذف وسوء القول والتشنيع عليهم بدون مراعاة لأي ضابط شرعي أو معيار أخلاقي, والأخطر أن الأمر لم يقف عند هذا الحد النظري بل تعداه إلى مرحلة ترتيب الآثار على هذا التطرف بإستباحة الدماء والأعراض والتحريض على أمن الأبرياء وسلامتهم, فكيف ساغ لكم ذلك مع علمكم المخرج من حدود العذر بوجوب الاحتياط في هكذا مسائل, وان المرء ليخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في المؤاخذة والعقاب? طبعا سيسارع المعاندين منكم ردا على ما تقدم إلى الزعم بان إدانة هؤلاء الرافضة - كما تسمونهم - بالبدع وفساد العقيدة أمر متيقن عندنا بالأدلة التي لا غبار عليها, إذن فما الذي يمنعكم من مواجهتهم على حلبة المناظرة العلمية وإقامة الحجة عليهم وحسم الموقف نهائيا لصالحكم وبأسلوب متحضر عوض عن القذف من بعيد والمناشزة من وراء الجدر الذي هو ديدن الجبناء?

 

الفطن لا يعدم الجواب على هكذا سؤال: إنه فراغ الجعبة والافلاس وعدم القدرة على الثبات أمام صوارم موالي أبا الحسن (ع) التي قطعت دابر أسلافكم الطالحين في ساحات القتال في الجمل وصفين, ولازالت كذلك تستأصل شافة افتراءاتكم وأكاذيبكم في ميادين المناظرة والجدال.
ولا يغرنكم ذيوع صيتكم وإنتشار ترهاتكم في الآفاق في غفلة من الزمن فليس ذلك لمحاسن في العلم والإبداع انفردتم بها أو لصفات جليلة في الأدب والأخلاق تميزتم بها عن باقي العباد أو لقوة في الاستدلال والإقناع في مقام المناظرة والاحتجاج.
فعقلاء الناس يشهدون عليكم بخلاف د لك لما لمسوا فيكم من سفاهة الرأي وخشونة الطبع وشذوذ الفكروانما ذلك كله يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

 

أولها: بركات النفط وما أدراك ما النفط الذي استغل قسم كبير من وارداته للترويج لبدعتكم عن طريق صناعة الدعاة لها في مختلف الأصقاع والإنفاق عليهم بغير حساب وتوزيع الكتب مجانا وبأعداد هائلة وتأسيس المراكز والمساجد في أي موضع تصل إليه أيديكم واستغلالها لإشاعة ما أنتم عليه من خلالها

 

ثانيا: استيلائكم على بلاد الحرمين ما جعلكم في مقام التقديس في العقل الباطني لعموم الناس لسذاجتهم وعدم قدرتهم على إدراك كنه الأشياء وبواطن الامور إذ أن اكثر الناس لا يعقلون كما يقرر القرآن الكريم ذلك, أضف على ذلك فوزكم بشرف دعم وحماية بلدان الاستكبار العالمي والقوى الاستعمارية التي لها الفضل الكبير في إنشائكم ورعايتكم حتى إشتد عودكم وقويت شوكتكم وعظم خطركم فصرتم تصولون وتجولون هنا وهناك بين أطراف بلاد المسلمين شاهرين في وجوه العوام والمستضعفين سيوف التكفير والتفسيق إن هم خالفوكم واعترضوا على غلوكم وضلالاتكم أما من انطلت عليه الحيلة وسقط في فخكم لجهله وغباوته صار من حيث لا يشعر أداة طيعة في أيدي المتآمرين الدوليين الدهاة وهو يحسب إنه يحسن صنعا يوجهونه إلى حيث تقتضي مصالحهم الخبيثة تحت شعارات دينية مقدسة مثل الجهاد والقتال للتلبيس على الناس بإفراغ هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة من معانيها الصحيحة وإبرازها في شكل مشوه لغرض تنفير الناس من حركات الممانعة والجهاد الحقيقيين من ناحية ومن ناحية أخرى كبح جماح وتيرة اعتناق الذين الإسلامي في العالم الذي اصبح تنامي انتشاره يقظ مضاجع الشرق والغرب.
زد على ذلك عزل الصحوة الإسلامية شعبيا مع العمل على عرقلة أي نهضة قد تلوح في أفق مجتمعاتنا بإثارة الفتن والصراعات الداخلية وإشاعة الشعور بالرعب وحالة اللاامن فكان ما كان مما تقشعر منه الجلود وتدمى منه القلوب وترتعد منه الفرائص من جرائم شنيعة ترتكب في حق أناس أبرياء ففجرت المباني وفخخت السيارات في الشوارع المكتظة وقطعت الرؤوس وتناثرت الأشلاء ومزقت البطون وانتزعت منها الأحشاء بمنتهى الوحشية والقسوة واغتصبت النساء وفصلت الأعضاء عن أجسادها كل تلك الفضائع الرهيبة هي ثمرة تلك المدرسة الوهابية اللقيطة التي جعلت من عمل أسلافها الطلقاء مصدرا لتشريع مثل هذه الجرائم, فبالله عليكم هل هذا هو الإسلام العظيم الذي جعله الله رسالته الخاتمة للناس كافة,وهل هذه هي أخلاقه?


حاشا وكلا, إن هذه البذاءة والعنجهية هي من آثار الهمجية الجاهلية التي أحيتها أجهزة الاستخبارات البريطانية باسم الذين قبل عدة قرون لبث العداوة والفرقة بين المسلمين تمهيدا لاجتياح بلادهم والسيطرة على مقدراتهم وهو ما حصل بالفعل, ولا يسع المجال للإطناب في تتبع الأدوار المشبوهة والمواقف المخزية لشراذم هذه الطائفة مند ظهورها وإلى يومنا هذا فافتضاح أمرها وظهور زيفها وسقوط القناع عن زعمائها وحلفائهم المنافقين صار معلوما للقاصي والداني وحسبنا في ذلك تلك الفتاوى المخجلة التي جادت بها قريحة كبرائهم أثناء عدوان الصهاينة الإجرامي على لبنان بتحريم نصرة المقاومة الباسلة تحت ذرائع طائفية سخيفة ثم خلال العدوان على غزة بعدم جواز التظاهر في الشوارع مساندة للفلسطينيين المعتدى عليهم وكذلك دعوتهم الناس لعدم مقاطعة بضائع الدول المدعمة للعصابات اليهودية المحتلة لفلسطين والحط من شان المحرضين على ذلك ونبزهم بما لا يليق وهم يمثلون ضمير الأمة المعبر عن همومها وتطلعاتها هذا غيظ من فيض وما خفي كان اعظم وأشنع وانما الذي ينبغي في حقكم نصيحتكم بأن تتقوا الله في الشيعة ولا تحاولوا ستر عجزكم عن مقارعتهم الدليل بالدليل بأساليب متخلفة وجبانة لا تزيدكم عن الله إلا بعدا وعند عباده إلا بغضا, هذه الأساليب التي تذكرنا بمناهج المستشرقين واعداء الذين في تعاطيهم مع الإسلام وأهله إذ لا نكاد نجد بينكم وبينهم في ذلك ادنى فارق, ولو كنتم حقا صادقين مع الله ومع أنفسكم فتعالوا للمباهلة مع علمائهم الذين كانوا ولازالوا مستعدين للتحدي لثقتهم بالله ويقينهم بما هم عليه من الحق, ولا أخالكم تملكون الشجاعة واللياقة للمواجهة الجدية معهم بل ثبت بالتجربة انه كلما وصلت النوبة إلى المفترق الحاد وليتم الأدبار فرارا مبررين انهزامكم باعدار واهية هي اقبح من ذنب.

 

ولتحذروا من الاستمرار في نصب العداء لشيعة أهل البيت والإصرار في الكيد لهم فكل من سلك هذا الطريق المردي أخزاه الله وأذله وجعل عاقبته سوءا والتاريخ قديما وحديثا اكبر شاهد على ذلك وما طاغوت العراق عنكم ببعيد.

 

أنا أدعو المغرر بهم من أتباعهم والذين أرادوا الحق فلم يصيبوه والذين وقع شحنهم بالحقد الطائفي المقيت إلى الانفتاح على المدارس الإسلامية الأخرى وتوسيع معارفهم الدينية لتتكون لديهم ملكة تمييز الغث من السمين وتمحيص الوارد عليهم من أفكار وثقافات ليتسنى لهم تنقية الحق مما قد يعلق به من الباطل فيكونون بذلك على بينة من أمرهم فيما يخص دينهم ودنياهم وليعلموا أن تبرئة الذمة أمام الله تعالى لا تتحقق بالتقليد اللاوعي والساذج للأسلاف, بل ينبغي على المكلف الاستجابة لنداء الفطرة الداعي للبحث عن إجابات مقنعة تعكس الحقيقة والواقع عن التساؤلات الكبرى عن الكون والحياة وعالم الغيب وعن منشئ الوجود سبحانه وعن مصير الإنسانية وما إلى ذلك ولا سبيل لذلك إلا بإعمال العقل ذلك النور الذي حبا الله تعالى به بني آدم وكرمهم على سائر الكائنات, مع التجرد من كل موانع الرؤية الواضحة للحقائق وعلى رأسها التعصب المذموم والعاطفة القائمة على أساس من الوهم والغفلة ونبد العناد مهلك الأمم إضافة إلى توطين النفس على التسليم للحق بعد ثبوته حتى ولو ناقض جميع موروث الإنسان العقائدي لان الحق أحق بالاتباع وهو واحد ولا يتجزأ, مع ملازمة الدعاء المخلص لله تعالى بان يرينا الحق ويمن علينا باتباعه, فادا انتهج هذا السبيل بصدق وإخلاص يكون قد عرض نفسه للفيوضات الربانية المباركة بإذن الله فتنكشف ا أمامه الحقيقة ناصعة لا يشوبها ريب.

 

أما الركون إلى رؤساء الطوائف الضالة طالبي الدنيا بالذين وتجرع سمومهم المغلفة ببلاغة خادعة وحماسة مصطنعة وتظاهر بالغيرة على الذين وبالدفاع عنه فلن يغني المرء من الله شيئا ما دام غير قاصر عن سلوك النهج العقلائي المؤدي إلى معرفة الحق عن بصيرة ووعي.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

 

برهان الدين _ تونس