وإن من شيعته لإبراهيم
بقلم: حسام الدين ابو المجد _ مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
حمد لله على ما انعم, وله الشكر على ما الهم, من عموم نعم ابتدأها,وسبوغ آلاء اسداها, وتمام منن والاها, جم عن الاحصاء عددها ونأى عن الجزاء امدها, وتفاوت عن الادراك ابدها, وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها,واستحمد الى الخلائق باجزالها,وثنى بالندب الى امثالها....
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له, وان محمدا عبده ورسوله,لا حبيب الا هو واهله.
وأشهد ان عليا واولاده المطهرين حجج الله فى ارضه...لا يقاس بهم احد..
صلوات الله عليهم وعلى من احبهم من الاولين والاخرين واللعنة الدائمة على اعدائهم إلى قيام يوم الدين.
عظم الله أجورنا وأجوركم وتقبل الله منا ومنكم وجعلنا وإياكم من الطالبين بثار مولانا وسيدنا أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه مع إمامنا وسيدنا حجة الله على الخلق أجمعين مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب شيعته الفداء.
قال الله العلي العظيم في محكم كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وإن من شيعته لإبراهيم ))
اسمحوا لي أن أتحدث عن موضوع هام اذ يلقي نظرة على حقيقة طالما غيبتها يد الجهل وحاولت تشويهها خفافيش الظلام.
وما دعانا إلى الحديث عنه الأحداث المعاصرة خاصة أحداث سوريا والعراق ولبنان.
فكلمة (( شيعة )) أصبحت تتردد ليل نهار كثيرا ما نسمعها في نشرات الأخبار ونقرأها على صفحات الجرائد والمجلات, وكثر التعرض لها على ألسن بعض الخطباء.. مما أوجب علينا التعرض لها بشيء من التوضيح حتى لا نكون مساهمين في عملية التشوية المتعمد الذي يجري لها.
من المفترض أن يتم بحثها على محورين:
المحور القرآني - المحور الروائي
ولكن بما أن المحور الأول قد يطول بنا المقام فيه لذا سنقتصر على المحور الروائي.
بداية تعرفون بالطبع معنى كلمة (( شيعة )) لغويا وأنها تعني الجماعة أو الفرقة من الناس يجمعهم أمر واحد.. كما نص عليه علماء اللغة.
ففي كتاب المحيط جاء ما يلي:
(( الشِّيعَةُ: الفِرقةُ والجماعة ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شيعَة أيهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً. -: الأتباعُ والأنصارُ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ. ))
وفي كتاب القاموس المحيط:
(( وشيعة الرجل, بالكسر: أتباعه وانصاره ))
وجاء في كتاب الغني:
(( شِيعَةٌ - ج: شِيَعٌ، أَشْيَاعٌ. (ش ي ع). 1.((هُوَ مِنْ شِيعَتِهِ)): مِنْ فِرْقَتِهِ، أَيِ الفِرْقَةُ الْمُجْتَمِعَةُ عَلَى أَمْرٍ مَّا. ))
وفي مفردات ألفاظ القرآن الكريم:
(( والشيعة: من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه، ومنه قيل للشجاع: مشيع، يقال: شيعة وشيع وأشياع، قال تعالى: (( وإن من شيعته لإبراهيم )) (الصافات:83)، (( هذا من شيعته وهذا من عدوه )) (القصص:15)، (( وجعل أهلها شيعا )) (القصص:4)، (( في شيع الأولين )) (الحجر:10)، وقال تعالى: (( ولقد أهلكنا أشياعكم )) (القمر/ 51) )).
إذن علماء اللغة متفقون على هذا المعنى لكلمة (( شيعة ))
الشيعة روائيا
وهاهنا أمران:
الأول:
بيان المراد من (( الشيعة )).
الثاني:
صفات هؤلاء الشيعة.
بيان المراد من (( الشيعة ))
أخرج ابن مردويه عن عائشة، قالت: قلت يا رسول اللّه من أكرم الخلق على اللّه؟ قال: (( يا عائشة، أما تقرأين (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اُوْلئِكَ هُمْ خَيْرُ البريَّة )) (البيّنة:7) ))
أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبداللّه قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي فقال النبي: ((والّذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت (( إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البريّة )) فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البريّة
أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: علىّ خير البريّة
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لمّا نزلت (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البريّة) قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لعلي: ((هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين)).
أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ((ألم تسمع قول اللّه: (إنّ الّذين آمنوا وعلموا الصالحات اُولئك هم خير البريّة) أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين))
روى ابن حجر في صواعقه عن اُمّ سلمة: كانت ليلتي، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) عندي فأتته فاطمة فتبعها علي(رحمهما الله) فقال النبي: يا علي أنت وأصحابك في الجنّة، أنت وشيعتك في الجنّة
روى ابن الأثير في نهايته: قال النبي مخاطباً عليّاً: يا علي إنّك ستقدم على اللّه أنت وشيعتك راضين مرضيّين، ويقدم عليه عدوُّك غضابا مقمحين، ثم جمع يده إلى عنقه يريهم كيف الإقماح. قال ابن الأثير: الإقماح: رفع الرأس وغض البصر
روى الزمخشري في ربيعه: انّ رسول اللّه قال: ((يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة اللّه تعالى، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يؤمر بنا))
روى أحمد في المناقب: انّه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: ((أما ترضى أنّك معي في الجنّة والحسن والحسين وذرّيتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرّيتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا))
روى الطبراني: انّه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: ((أوّل أربعة يدخلون الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين وذرّيتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرّياتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا))
أخرج الديلمي: ((يا علي إنّ اللّه قد غفر لك ولذرّيتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك، فابشر انّك الأنزع البطين))
أخرج الديلمي عن النبي انّه قال: ((أنت وشيعتك تردون الحوض روّاء مرويين، بيضة وجوهكم وانّ عدوّك يردون الحوض ظماء مقمحين))
روى المغازلي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه: ((يدخلون من اُمّتي الجنّة سبعون ألفاً لا حساب عليهم ـ ثمّ التفت إلى علي فقال: ـ هم شيعتك وأنت إمامهم)).
روى المغازلي عن كثير بن زيد قال: دخل الأعمش على المنصور فلمّا بصر به، قال له: يا سليمان تصدَّر، قال: أنا صدر حيث جلست ـ إلى أن قال في حديثه: ـ حدّثني رسول اللّه قال: ((أتاني جبرئيل ـ عليه السلام ـ آنفاً فقال: تختّموا بالعقيق، فإنّه أوّل حجر شهد للّه بالوحدانيّة، ولي بالنبوّة، ولعلي بالوصيّة، ولولده بالامامة، ولشيعته بالجنّة))
وروى أيضاً بسنده إلى سلمان الفارسي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ((يا علي تختّم باليمين تكن من المقرّبين، قال: يا رسول اللّه ومن المقرّبون؟ قال: جبرئيل وميكائيل، قال: فبما أتختّم يا رسول اللّه؟ قال: بالعقيق الأحمر، فإنّه جبل أقرّ للّه بالوحدانية، ولي بالنبوّة،ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولمحبّيك بالجنّة، ولشيعتك وشيعة ولدك بالفردوس
نكتفي بهذا القدر من الأحاديث الشريفة لأن بها وبأقل منها الكفاية.
إستخلاصات
أولا:
ان كلمة (( شيعة )) ليس مصطلحا محدثا, وإنما أول من أطلقه على جماعة معينة كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
ثانيا:
ان كلمة (( الشيعة )) أطلقت على جماعة معينة من أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ولم يراد منها جميع الصحابة.
ثالثا:
ان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) خص هؤلاء الشيعة بخصوصيات معينة من قبيل:
(( الفائزون يوم القيامة.. راضيين مرضيين.. أنهم في الجنة.. رواء مرويين.. أن الله غفر لهم ))
وخص كذلك أعداءهم بالصفات المضادة تماما من قبيل: (( أنهم غضاب مقموحون.. ظماء.. وما اشبه ))
وهذا التصنيف ينطبق على من عاصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن لم يعاصره أي أن وجودهما ممتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. كما هو واضح من ألأحاديث الشريفة.
رابعا:
الأحاديث النبوية المقدسة تدل دلالة قاطعة على أن صحابة الرسول ( صلى الله عليه وآله)
كان فيهم الشيعة وغيرهم, الصالحون وغيرهم ( بشهادة حديث الحوض المتواتر والواقع التاريخي ).
خامسا:
ان هناك قائدا وإماما لهؤلاء الشيعة وبه وحده يتميز الشيعي من غيره, المؤمن من غيره
التابع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من غيره وهو علي بن أبي طالب كما نص عليه الرسول (صلى الله عليه وآله).
فعلى هذا من كان مواليا لهذا الإمام تابعا له في جميع شؤونه فهو شيعي ومؤمن ويختص بجميع الخصائص التي وردت في الأخبار الشريفة آنفة الذكر.
سادسا:
ان هذا القائد والإمام مصون عن الخطأ مطلقا لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) خص شيعته بان لهم الجنة وأنهم الفائزون وغير ذلك من الخصائص التي تنطبق على المتابعة المطلقة
إذ لو فرض إمكان وقوع المعصية منه - حاشاه - لكان مؤديا إلى نار جهنم وليس إلى الجنة..
ولو فرض ذلك لم يكن خير البرية كما نص القرآن الكريم ووضحه الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله).
مع أن بعض الروايات في المقام صريحة في وصف هذا القائد بأنه الوصي والإمام بعد المصطفى (صلى الله عليه وآله) ولا ابلغ من ذلك في اثبات العصمة الإلهية لهذا الإمام والوصي (صلوات الله عليه).
إذ معنى ذلك أننا مطالبون باتباعه مطلقا والإقتداء به في الصغيرة والكبيرة ودلالة ذلك أنه ( عليه السلام ) لا يقع منه أي خطأ, لأنه لو جاز وقوع الخطأ لكنا مأمورين بعدم الإقتداء به مع أن مخالفته منهي عنها فإذن يجتمع أمر ونهي في مسألة واحدة من جهة واحدة وهذا محال فإذن عصمته لا جدال فيها.
بعبارة اخرى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أمرنا بمتابعته مطلقا بدون استثناء.. فعدم الإستثناء دليل على أنه إمام لا يصدر منه أي خطأ يخالف الشريعة الإلهية.وإلا لنبهنا لذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فدل عدم تنبيهه لنا على عدم صدور أي خطا منه وبالتالي نزاهته وعصمته الكاملة المطلقة.
سابعا:
ان هذا الإمام أعلم الأمة بدين الله عزوجل ولا يمكن بحال أن يكون جاهلا بأقل مسألة فيه
ونفس البيان آنف الذكر يأتي هنا بعينه.
ثامنا:
ان الأحاديث الشريفة تدل دلالة واضحة على أن النجاة في اتباع هذا الإمام وهذا الوصي.
فإذا احتار المكلف عند مشاهدته اختلافات الأمة وتعدد مسالكها وطرقها فإن الطريق المنجي والصراط المؤدي لله تعالى قطعا هو في اتباع الإمام المعين والمحدد من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فهو الطريق المضمون والضامن هو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).
تاسعا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث رحمة للعالمين, بل هو عين الرحمة الإلهية كما في الدعاء الشريف (( اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء )) وكما في الزيارة المباركة الجامعة (( والرحمة الموصولة )) والتي هي اشارة لقوله تعالى (( إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )) فلأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذلك كرر مرارا وأوضح ليلا ونهارا وسرا وجهارا أن النجاة في التمسك والولاء لمولانا ومولى العالمين علي أمير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه ) وان الرحمة الإلهية تشمل كل من والى هذا الإمام, كما رواه الخاص والعام:
أنت مني وانا منك. وقوله (صلى الله عليه وآله): (( أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه ليس بعدي نبي )) فهل ياترى بعد هذا نحتاج إلى مزيد بيان ؟؟!!
أكد ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرارا خوفا على أمته من الضياع, إذ كان مشفقا عليهم إشفاق الأب الرحيم العطوف.. كان يعلم بأن الأمة ستنقلب من بعده كما قال: (( ولكن اخاف أن تنافسوا فيها )) وكان كما قال بابي وأمي (صلوات الله عليه وآله )
كان يحدوه امل في أن الأمة ستستمع لندائه وتعي كلامه, فيتغير القضاء الذي أخبر به
بالله عليك اسمع لجميل كلامه وعذب عباراته (صلى الله عليه وآله):
(( شيعته في الجنة.. هم الفائزون.. راضيين مرضيين.. بيضة وجوههم ..رواء مرويين ))
فهل لو كنت في ايامه المباركة وحضرت محضره المطهر وسمعت هذا الكلام.. أفهل كنت تعرض بوجهك وتصك سمعك ؟ أم كنت ستسارع في تلبية هذا النداء وتحاول أن تكون ممن يصدق عليه قول الله تعالى (( والسابقون السابقون * اولئك المقربون )) ؟
وممن ينطبق عليه قول الله جل وعلا (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ))
وكأني بك تقسم أنك لو كنت في تلك الأيام وتشرفت بالمحضر الإلهي الأقدس لكنت اول السابقين والمسارعين لتلبية نداء حبيب الله ورحمته الواسعة ولكنت من اشد المعادين لمن أعرض وناى بجانبه وأحزن قلب الرسول (( فإنا لله وإنا إليه راجعون ))
عاشرا: لم يعد بعد ما ورد من الأحاديث الشريفة مجال للجدال في تاريخ نشأة الشيعة, وليس من المنطقي فرض فروض وهمية مع وضوح الحقيقة.
الأمر الثاني: صفات الشيعة
ان شاء الله يطرح في مقالة أخرى نسأل الله التوفيق لذلك بحق محمد وآله
ونختم مقالتنا بالدعاء لمولانا صاحب العصر والزمان أروحنا لتراب مقدمه الفداء
((اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين))
وصلى الله على نبينا ألأعظم محمد وآله الطيبين الطاهرين
2021-07-23