بقلم: حازم علي الشمري_ العراق 

 

 

الحمد لله الذي جعلني مواليا لأهل البيت عليهم السلام فكرا ومودة وسيرا على منهجهم.
في البدء اتمنى ان نتحرك على كسب المخالفين وربطهم بمذهبنا ولكن لاننسى دعوة غير المسلمين الى الاسلام ودعوة العلمانيين او غير الملتزمين بالاسلام فكرا وسيرة الى الاسلام.
واود ان ابين امرا هاما انه لايصح الحوار حول الخلافة في بدء اي حوار، بل ينبغي الحوار حول يزيد الذي لم يأت بموافقة الامة ثم نصعد الى معاوية وخروجه على امام زمانه او الخليفة المنتخب من قبل اهل الحل والعقد.
فقد كانت بداية تشيّعي هي بطلان خلافة يزيد ثم معاوية.

 

فی احد ايام الدردشة تشاجر احد المشاركين باسم (الفاروق عمر) مع مشارك اخر باسم (رافضي وافتخر) وبدأت الشتائم واشترك بها بقية المشاركين لتطال كبار الخلفاء والائمة وعلماء المذاهب .
دخل علينا شخص تحت اسم (اناشيعي سني)واسمه الحقيقي السيد سعيد العذاري فحذّرنا من الانسياق وراء مخططات اعداء الاسلام الذين توحدوالتمزيقنا وتشتيتنا ،وانهم يخططون لتقسيم البلدان الاسلامية للسيطرة عليها ومنع الاسلام من التوسع نحو الدول التي تحتاج الى دين واقعي وهي الهند والصين واليابان.
فقابله بعضنا بالشتم والسب حتى ان احدنا سب اباه وامه.
حاورته انا فوجدته صادقا في توحيد المسلمين، ومن اجل اختباره طلبت منه ان يكتب :ابوبكر رضي الله عنه فكتب
ثم عمر رضي الله عنه فكتب
ثم عثمان رضي الله عنه فكتب
فقلت له الحمد لله انك مسلم حقيقي
ثم طلبت منه ان يكتب : معاوية رضي الله عنه
فكتب : لا
فكتبت لماذا؟
فكتب ان لله تعالى لم يرض عن معاوية.
فقلت له :ان الله رضى عن الصحابة وقال (( رضي الله عنهم ))

وفي الاثناء كانت الشتائم بين البقية من المشاركين مستمرة
فطلب مني ان نتحاور على الماسنجر فوافقت .
وفي اول لقاء كتب الي تكملة الاية الشريفة
قال الله تعالى : (( والسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المهاجرِينَ والأنصارِ والَّذينَ اتّبعُوهُم بإحسان رّضيَ اللهُ عنهُم ورضُوا عنهُ وأعدَّ لهُم جنّات تجري تَحتَها الأنهارُ خالدِينَ فيها أبداً... )) .


ثم بعث لي الاراء الواردة فيهاثم ناقشها
في هذه الآية ثناء من الله تعالى للسابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، وتصريح منه تعالى برضاه عنهم لما قدّموا من تضحيات في سبيل الله .
واستدل الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني وابن النجّار بهذه الآية على رضوان الله تعالى عن جميع الصحابة الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وإن أسلموا فيما بعد ، أو ارتدّوا ثم عادوا إلى الإسلام ، حسب تعريفهم للصحابة ، وبهذا الرضوان كانوا عدولاً .

 

مناقشة السيد سعيد العذاري


وهذا الاستدلال خلاف للواقع ، فالآية مختصّة بالمهاجرين والأنصار الذين سبقوا غيرهم في الهجرة والنصرة ، من غير «الذين في قلوبهم مرض» و «المنافقين» أمّا التبعية لهم فمشروطة بالإحسان ، سواء فُسِّر:
باحسان القول فيهم كما ذهب الفخر الرازي .
أو حال كونهم محسنين في أفعالهم وأقوالهم ، كما قال المراغي : (فإذا اتّبعوهم في ظاهر الإسلام كانوا منافقين مسيئين غير محسنين، وإذا اتّبعوهم محسنين في بعض أعمالهم ومسيئين في بعض كانوا مذنبين) .
فمن لم يحسن القول فيهم أو من لا يتبعهم بإحسان لا يكون مستحقاً لرضوان الله تعالى ، فمن أمر بشتم الإمام عليّ وذمه لا تشمله الآية ، فقد جاء في وصية معاوية للمغيرة بن شعبة : (لا تترك شتم عليّ وذمّه) ، فكان المغيرة (لا يدع شتم عليّ والوقوع فيه) .
فكيف يدّعون رضوان الله عنهم وقد خالفوا شرطه في الاتّباع بإحسان، وخرجوا على أول المؤمنين ووصي رسول رب العالمين كما هو رأي الشيعة.
أو من استقرت له الخلافة ببيعة أهل الحل والعقد حسب رأي الاخوة السنة .
وسفكوا في هذا الخروج دماء السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان كعمّار بن ياسر وذي الشهادتين وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وغيرهم كما هو مشهور ؟!

قلت له: ان الصحابي معاوية رضي الله عنه طالب بدم الخليفة المقتول ظلما عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو مجتهد في ذلك وان تسرع .
فقال : سابعث اليك ادلة تثبت ان معاوية ليس مجتهدا ولا متأولا وانما حارب خليفة الزمان عن سبق اصرار.

 

اما الان فاكمل الراي


ان رضوان الله تعالى مشروط بحسن العاقبة كما ورد عن البراء بن عازب ، حينما قيل له : (طوبى لك صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة) ، فقال للقائل : (... إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده) .
وقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ‎ لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .

كتبت له قال تعالى : (( لَّقَد رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤمِنينَ إذ يُبايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِم فأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وأثابَهُم فتحاً قرِيباً )) .
فالله تعالى يصرح انه رضي عن الصحابة


فاجابني :
أثنى الله تعالى على الصحابة «المؤمنين» الذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة ، وهي بيعة الرضوان ، ومصداق الثناء هو رضوان الله عنهم وإنزال السكينة على قلوبهم .
وهي لا تشمل معاوية لانه غير مشارك في البيعة
فاجبته: انه مشارك في البيعة وانتم الشيعة لا تريدون الاعتراف بهذه الفضيلة وتعتمون عليها کبقیة فضائل الصحابة رضي الله عنهم.
فأجاب:الاية مختصة بالمبايعين فقط، وعددهم ـ حسب المشهور من الروايات ـ كان ألفاً وأربعمائة
ولم يكن معاوية معهم.
فاجبته: هل وردت اسماءهم مع عدم وجود معاوية فابعث لي باسمائهم.
فأجاب : ان معاوية في حينها لم يسلم بعد وانما اسلم بعد فتح مكة.
فأجبته: ينقل المؤرخون ان الصحابي معاوية أسلم وكتم اسلامه عن ابيه وعن عشيرته
فأجاب :على فرض اسلامه فانه كان في مكة فكيف شارك في البيعة؟
اصابتني الحيرة لاني غير مطلع على الحوادث التاريخية،فطلبت منه ان يهملني عدة ايام
ذهبت الى احد علماء منطقتنا واطلعته على تفاصيل الحوار فقال لي اترك هذا الحوار العقيم ،فان عليا ومعاوية ذهبوا الى الله وهناك تبلى السرائر فما علاقتنا بالدخول بين الصحابة
قلت له : شيخنا انا اريد معرفة تاريخ اسلام سيدنا معاويةفقط
فقال لي : انه اسلم بعد الفتح .
طلبت من الشيخ ان يطلعني على الادلة التي تثبت رضوان الله على جميع الصحابة،فأرشدني اليها
فبعثتها للسيد سعيد العذاري فناقشها جميعا ثم قال انها لاتشمل معاوية لأنه خرج على امام زمانه وان الخروج على امام الزمان حرام في راي الشيعة والسنة،وعند الكثير من علمائكم انه :لايجوز الخروج على الحاكم او الخليفة وان كان جائرا فاسقا ، فكيف اذا كان عادلا كعلي بن ابي طالب؟

استعنت بمن لديهم اطلاع أكثر مني فارشدوني لبعض المصادر وكتبوا لي بعض النصوص التي تنص على التماس الاعذار لبعض الصحابة المشتبهين.


قال ابن حجر الهيتمي: (إعلم أنَّ الذي أجمع عليه أهل السُنّة والجماعة أنّه يجب على كلِّ مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكفّ عن الطعن فيهم... والواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات، وأصوب المخارج، إذ هم أهل لذلك) .
وقال ابن حجر: (وفئة معاوية وإن كانت هي الباغية، لكنّه بغي لا فسق به، لأنّه صدر عن تأويل يعذر به أصحابه).
وقال ابن كثير: (... لأنّهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنّهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيباً، بل المصيب له أجران، والمخطيء له أجر).


وقال ابن حزم : (وعمّار (رضي الله عنه) قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي، وقد شهد بيعة الرضوان، فهو من شهداء الله له بأنّه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو العادية... متأول مجتهد مخطيء فيه باغ عليه مأجوراً أجراً واحداً).
وذكر ابن حجر الرواية المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قوله لعمّار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية وأردفها بالقول: (إخبار من الصادق المصدّق(رضي الله عنه) أنّ معاوية باغ على عليّ، وأنّ عليّاً هو الخليفة الحق) .
وقال: وجوابه أنّ غاية ما يدل عليه هذا الحديث أنّ معاوية وأصحابه بغاة... ذلك لا نقص فيه، وأنّهم مع ذلك مأجورين غير مأزورين...) .
== لم اقتنع ببعض هذه النصوص نعم كنت مقتنعا بان معاوية كان متأولا وهو يطالب بمطالب مشروعة وهي الطلب بدم عثمان اما ان يكون له اجر فهذا لم اقتنع به لأني ابغض العنف وحمل السلاح واؤمن بالحوار واني من محبي الصحابي عمار بن ياسر رضي الله عنه ومتعلق به كثيرا.
فبعثت رسالة للسيد سعيد العذاري تطرقت فيها الى وجوب تاويل عمل الصحابي معاوية وحمله على حسن النية لانه صحابي.
وطلبت منه ان يكتب لي بالتفصيل، وقد قررت في نفسي ان كانت اجوبته مقنعة فأني ساترك حب ومودة معاوية واعيد النظر في رايي بعموم الصحابة واصف الخاطئ بانه خاطئ ولا اتعصب له .
فبعث الي اجوبة على دفعات وطلب مني ان اقراها بتأن ودقة وان اراجعها عدة مرات وان اتابع مصادرها من كتبنا، وفي كل فقرة ابعث له باشكال او تاييد ولكن حذفت اجوبتي اختصارا للموضوع واكتفيت باجوبته.

 

نقض التأويل والاجتهاد


لو سايرنا الرأي الذي يبرّر لبعض الصحابة ما ارتكبوه من أعمال وممارسات، سفكت فيها الدماء وتشتت فيها إلفة المسلمين وتخلخلت جبهتهم الداخلية، تحت ذريعة التأويل والاجتهاد، فإننا نقطع بأنّ بعض الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص غير متأولين وغير مجتهدين في بغيهم على الإمام عليّ عليه السلام وسفكهم الدماء، وإنّما بغوا عليه متعمِّدين، وليس مطالبتهم بدم عثمان إلاّ ذريعة واهية، وفيما يلي استعرض الظروف والوقائع التي تؤكد تعمدهم في البغي بلا تأويل ولا اجتهاد .

 

أولاً : عدم نصرة الخليفة عثمان في حياته


إنَّ المطالبين بدم الخليفةعثمان لم ينصروه في حياته وهم قادرون على ذلك، فقد أوصى معاوية قائد جيشه أن يرابط قرب المدينة في زمن حصار عثمان، وقال له: (إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب). فأقام قائده بذي خشب حتى قُتل عثمان، وحينما سئل جويرية عن ذلك قال: (صنعه عمداً ليُقتل عثمان فيدعو إلى نفسه).
ولهذه الحقيقة أدلة وشواهد كثيرة ، فحينما طلب معاوية من عبدالله بن سعد بن أبي سرح البيعة أجاب: (ما كنتُ لاُبايع رجلاً أعرف أنّه يهوى قتل عثمان).
وقال عمرو بن العاص لمعاوية: (إنَّ أحق الناس ألاّ يذكر عثمان لا أنا ولا أنت... أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، واستغاثك فأبطأت، وأما أنا فتركته عياناً).


وكان ابن العاص يحرّض على قتل عثمان حتى الراعي في غنمه، وحينما سمع بمقتله قال: (أنا أبو عبدالله، أنا قتلته وأنا بوادي السباع) .
فالذي تباطأ عن نصرة عثمان والذي حرّض الناس على قتله هل يكونا مجتهدين في المطالبة بدمه؟ إلاّ أن نقول إنّ التباطؤ والتحريض هو اجتهاد للوصول إلى الخلافة، واجتهد معاوية أيضاً حينما أصبح خليفة بترك ما يسميهم قتلة عثمان خوفاً على سلطانه!!
فلا ميزان ولا مقياس للاجتهاد عند أصحاب هذا الرأي، وهذا التبرير مخالف للقواعد الثابتة للإسلام، فالإسلام ثابت بموازينه وقيمه، والمسلمون هم الذين يقتربون ويبتعدون عن تلك الموازين والقيم، فيصيبون ويخطؤون، ومن الأفضل للباحثين أن يصفوا الأشخاص بالوصف الذي يستحقونه دون تبرير حفاظاً على سلامة الموازين والقيم الإسلامية الثابتة .

 

ثانياً : عدم اتّباع الأسلوب المشروع في القصاص


إنَّ طاعة الإمام عليّ بن أبي طالب واجبة على معاوية وجميع أهل الشام، وهذا متسالم عليه عند فقهاء السُنّة في وجوب طاعة الإمام المبايع من قبل أهل الحل والعقد.
وقد حاجج الإمام عليّ معاوية بما هو مرتكز عند المسلمين، من أنّ طاعة الخليفة المبايع واجبة على بقية الأمصار، فقال في كتابه إليه: ‎إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشّاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردَّ، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإنَّ اجتمعوا على رجل وسمّوهُ إماماً كان ذلك لله رضىً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباعه غير سبيل المؤمنين .
فطاعة الإمام عليّ واجبة ، والأمر في القضاء والقصاص من اختصاصه، ولا حق لأحد من الاُمّة التدخل في ذلك، لأنّ ذلك يؤدي إلى الاضطراب والتشتت وضعف النظام، فالأسلوب المنطقي والشرعي أن يدخل معاوية في الطاعة ثم يطالب بالقصاص ـ لو كان له حق المطالبة لقرابته من عثمان ـ وفي ذلك كتب الإمام عليّ إلى معاوية: فأمّا طلبك قتلة عثمان، فادخل في الطاعة، وحاكم القوم إليَّ، أحملك وإياهم على كتاب الله وسُنّة رسوله.
والموقف الأصوب هو الانتظار لحين استتاب الأمر، وقد بين الإمام علي ذلك قائلاً: >انّ النّاس من هذا الأمر ـ إذا حُرّك ـ على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة؛ فاهدووا عني، وانظروا ما يأتيكم من أمري، ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة، وتسقط منّة، وتورث وهناً وذلة، وسأمسك الأمر ما استمك، وإذا لم أجد بدأً فآخر الدواء الكيّ
فالواجب على معاوية الطاعة أولاً ثم طلب المحاكمة وانتظار الحكم النهائي فهو الذي يحدّد استدامة البيعة للخليفة أو الخروج عليه، ولكنه التجأ إلى اُسلوب البغي والعدوان، وحينما أحسَّ بقرب انتصار الإمام عليّ× رفع المصاحف والتجأ إلى الصلح وترك المطالبة بدم عثمان .

 

ثالثاً : إلقاء الحجّة


إنَّ اجتهاد معاوية باطل، لأنَّ الحجة ملقاة عليه، فقد وردت أحاديث مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه واله تؤكد على فضائل الإمام عليّ ووجوب موالاته، ومنها حديث الغديرفي قوله: ‎ من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه وهذا الحديث أخرجه (الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان).
وقول رسول الله الله صلى الله عليه واله للإمام علي وفاطمة والحسن والحسين : أنا سلمٌ لمن سالمتم، وحربٌ لمن حاربتم.
وقوله للإمام عليّ : ‎لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق وقد ورد بألفاظ متنوعة ترجع إلى معنى واحد.
والبغي أشدُّ صور البغض ، وحديث رسول الله حول عمّار بن ياسر واضح الدلالة في أنّه سيُقتَل من قبل الفئة الباغية الناكبة عن الطريق، وقد أُلقيت الحجّة على معاوية وابن العاص، وهي واضحة لا لبس فيها ولا غموض، كما جاء في الرواية التالية: (وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله الله صلى الله عليه واله لعمّار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية... فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو؟ فيقول عمرو: إنّه سيرجع إلينا، فقُتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية، وأُصيب عمّار بعده مع الإمام عليّ، فقال عمرو لمعاوية: ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشد فرحاً... والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامة أهل الشام إلى عليّ).
وهذه الرواية تبيّن لنا أنّ الحقّ واضح حتى عند معاوية وابن العاص ، فلا مجال للاجتهاد بعد وضوح الحجّة .

 

رابعاً: الاعتراف ببطلان الموقف


اعترف عمرو بن العاص ببطلان موقفه من الإمام عليّ، كما ظهر في كلامه مع معاوية حيثُ قال له: (أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة فانّ في النفس من ذلك ما فيها، حيثُ نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكن إنّما أردنا هذه الدنيا) .
واستشار ابن العاص ولديه، فأشار عليه عبد الله بعدم الالتحاق بمعاوية، وأشار عليه محمد بالالتحاق، فقال ابن العاص: (أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو لي في آخرتي وأسلم لي في ديني، وأما أنت يا محمّد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وشرٌّ لي في آخرتي).
وأشار عليه غلامه وردان بالقول: (اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة... أرى أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك)، فقال ابن العاص: (الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية؟).
وقال عمرو بن العاص شعراً في ذلك:

 

يا قاتل الله ورداناً وقدحته
لما تعرّضت الدنيا عرضت لها
نفس تعفّ وأخرى الحرص يغلبها
أمّا عليّ فدين ليس يشركه
فاخترت من طمعي دنيا على بصر
أبدى لعمرك ما في النّفس وردان
بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان
والمرء يأكل تبناً وهو غرثان
دنيا وذاك له دنيا وسلطان
وما معي بالذي اختار برهان

 

وبعد صفين كتب معاوية إلى عمرو بن العاص كتاباً يطلب منه أن يعينه بخراج مصر.
فكتب إليه ابن العاص كتاباً، وفي ظهره أبيات شعر:

 

معاوي حظّي لا تغفل ***** وعن سنن الحقّ لا تعدل
أتنسى مخادعتي الأشعري ***** وما كان في دومة الجندل
ألين فيطمع في غرّتي ***** وسهمي قد خاض في المقتل
فالمظه عسلاً بارداً ***** وأخبأ من تحته حنظلي
وأعليته المنبر المشمخر ***** كرجع الحسام إلى المفصل
فأضحى لصاحبه خالعاً ***** كخلع النعال من الأرجل
وأثبتها فيك موروثة ***** ثبوت الخواتم في الأنمل
وهبت لغيري وزن الجبال ***** واعطيتني زنة الخردل
وانّ علياً غداً خصمنا ***** سيحتجُّ بالله والمرسل
وما دمُ عثمان بمنج لنا ***** فليس عن الحقِّ من مزحل

 

وهذه الحقائق كافية لنقض التأويل والاجتهاد، فقد ألقيت الحجة على من شق عصا المسلمين وسفك دمائهم، ومن أقواله:

 

أمّا عليّ فدين ليس يشركه ***** دنيا وذاك له دنيا وسلطان
فاخترت من طمعي دنيا على بصر ***** وما معي بالذي اختار برهان

 

مواقف غير قابلة للتأويل


لا يوجد مقياس أو ميزان أو معيار لتأويل المواقف والوقائع، وإذا فتحنا باب التأويل، فلا نقف عند حدّ، وبالتالي نتمكن من وضع التبريرات لجميع الموبقات والانحرافات التاريخية، سواء كان المتأولون صحابة أو تابعين أو فقهاء أو حكّام.
نعم، يمكن تأويل بعض المواقف النادرة الصادرة من أشخاص عرفوا بالتقوى والصلاح والخوف من الله والإخلاص لدينه، والاحتياط في الدين وفي الدماء والإعراض والأموال، وتقديم المصلحة الإسلامية على مصالحهم الشخصية، وليس من العقل والحصافة أن نأول الأخطاء المتراكمة والانحرافات الصريحة المتكررة، لأنّ التأويل خلاف للحقيقة وللواقع، وخصوصاً في المجالات التي تتعلق بمستقبل الإسلام والمسلمين، والصادرة من أشخاص لم يحتاطوا في جميع مراحل حياتهم وفي جميع المواقف والوقائع في الجاهلية وفي الإسلام .
لم يحتط معاوية حينما سفك دماء الصحابة وهو يقاتل الخليفة الشرعي تحت ذريعة الطلب بدم عثمان، ولم يحتط في محاربة الإمام الحسن وانتزاع السلطة بقوة السلاح، ولم يحتط حينما أخذ البيعة ليزيد بقوة السلاح .
فما هو الدافع لتبرير الأخطاء والانحرافات لمن لم يحتط بالدماء والإعراض والأموال، وينساق وراء رغباته وشهواته النفعية والذاتية. فقد عيّن ابنه يزيد من بعده دون أي تأويل سوى حبّه له والحرص على جعل الخلافة حكماً موروثاً .
وكان معاوية على اطلاع كامل بسيرة يزيد حتى انه نصحه بالتستر على الموبقات لا التخلي عنها .
يقول ابن كثير: كان يزيد صاحب شراب وكان فيه اقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات، فاحبّ معاوية أن يعظه في رفق، فقال: يا بني ما أقدرك على أن تصل حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوّك ويسيء بك صديقك، يا بنيّ اني منشدك أبياتاً، فتأدّب بها واحفظها :

 

انصب نهاراً في طلاب العلا ***** واصبر على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الليل أتى بالدجا ***** واكتحلت بالغمض عين الرقيب
فباشر الليل بما تشتهي ***** فانّما الليل نهار الأريب
كم فاسق تحسبه ناسكاً ***** قد باشر الليل بأمر عجيب
غطّى عليه الليل أستاره ***** فبات في أمن وعيش خصيب
ولذّة الأحمق مكشوفة ***** يسعى بها كلّ عدوّ مريب

 

وقام معاوية بتهيئة الأجواء لخلافة يزيد بالترغيب والترهيب حتى أوصاه قائلاً: اني قد كفيتك الرحلة والرجال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الاعزاء، واخضعت لك أعناق العرب.
وفي خصوص بيعة يزيد قال له زياد بن سميّة: فما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد وهو يلعب بالكلاب والقرود... ويدمن الشراب... وبحضرتهم الحسين بن علي و... ولكن تأمره، ويتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً وحولين، فعسينا أن نموّه على الناس.
فلما وصل الخبر إلى معاوية قال: ويلي على ابن عبيد! والله لأردّنه إلى أمه سميّة، وإلى أبيه عبيد.
ومن وصايا معاوية ليزيد ـ حول أهل المدينة ـ : إن رابك منهم ريب أو انتقض عليك منهم أحد فعليك بأعور بني مرّة مسلم بن عقبة .
وقد توقع خروج الإمام الحسين وعبدالله بن الزبير على حكم يزيد من بعده .
ولا مبرر لمعاوية في تأمير يزيد على المسلمين، فليس ذلك من الاجتهاد الخاطئ، فإذا كان معاوية حريصاً على المصلحة الإسلامية فيمكن القول بالتأويل، ولكن أي مصلحة إسلامية في تأمير يزيد على المسلمين مع توقع تمرّد المسلمين عليه وهو ما حدث بالفعل، حيث افتتح يزيد حكمه بمقتل الإمام الحسين وأهل بيته وسيق بنات رسول الله الله صلى الله عليه واله اسارى من بلد إلى بلد، اضافة إلى كفره الصريح بقوله :

 

لعبت هاشم بالملك فلا ***** خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

 

وفي واقعة الحرّة أُبيحت المدينة ثلاثة أيام، اعتدي فيها على الأرواح والإعراض والأموال، وقيل أن ألف امرأة حبلت من غير زوج.
وكان مجموع القتلى يتراوح ما بين ستة إلى عشرة آلاف.
ومن ضمنهم ثمانون صحابياً، ولم يبق بدريٌّ بعد ذلك. فأيُّ اجتهاد هذا؟ فالاجتهاد هو الاحتياط في الحكم الشرعي وخصوصاً فيما يتعلق بالدماء، فكيف تسنى لمعاوية تأمير يزيد على المسلمين وهو يعلم بسوء سيرته، والأنكى من ذلك يوصيه بتأمير ابن عقبة على الجيش المهيء للقضاء على أهل المدينة بعد وفاته .

 

ادّعاء زياد


خالف معاوية سُنّة رسول الله الله صلى الله عليه واله الصريحة غير القابلة للاجتهاد والتأويل باستلحاقه لزياد بأبي سفيان على الرغم من اعتراض أغلب الصحابة والتابعين على هذا الاستلحاق .
قال الحسن البصري: ثلاث كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهنّ لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، واستلحاقه زياداً مراغمة لقول رسول الله الله صلى الله عليه واله: ‎ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي، فياويله من حجر وأصحاب حجر !.
فقد استلحق زياداً خلافاً للسُنّة وللأعراف الإسلامية وللقيم الاجتماعية، حتى إنّه غضب على جماعة لأنّهم حاولوا تنزيه أبي سفيان من فعل المنكر، كما انشد عبدالرحمن بن الحكم هذه الأبيات ـ موضحاً غضب معاوية ـ :

ألا أبلغ معاوية بن حرب ***** لقد ضاقت بما يأتي اليدانِ
أتغضب أن يقال أبوك عفٌّ ***** وترضى ان يقال أبوك زانِ

فقد استلحقه بنسبه للاستعانة به لقتل معارضيه ومعارضي مبدأ الحكم الوراثي، فكان يقتل على الظن والتهمة، وقتل جماعة من أخيار الصحابة، وكان يقتل كل من لم يلعن عليا بأوامر صادرة من معاوية.

اقتنعت بماورد وكانت البداية لخروجي عن افكاري المسبقة واقتنعت انه يجب ان ابحث عن الاحقية او القرب من الحقيقة