بقلم الأستاذ صالح الورداني _ مصر 

 

الترك والإسلام 

 

في تأريخ المسلمين قامت العديد من الدول باستثمار الإسلام في التوسع والسيطرة وفرض النفوذ..
ومن أجل تحقيق ذلك أراقت دماء المسلمين واستحلت أموالهم وخربت ديارهم..
وقد حظى الترك بالدور الأكبر في دائرة البطش والقتل والتخريب والتآمر على المسلمين، فكانوا وبالاً على الإسلام والمسلمين من بداية دخولهم في الإسلام وحتى اليوم..


وهو ما يتضح لنا من خلال رصد سيرة الدولة السلجوقية ثم الخوارزمية ثم العثمانية ثم العلمانية المعاصرة التي تقوم  بتدمير سوريا ودعم الفرق الإرهابية لحساب أعداء الإسلام والمسلمين..
جاء في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد: تركستان اسم جامع لجميع بلاد الترك، وحدها من الإقليم الأول ضارباً في المشرق عرضاً إلى الإقليم السابع، وأكثرهم أهل الخيام، ومنهم أهل القرى..


 وتمتاز عن جميع الأمم بكثرة العدد، وزيادة الشجاعة والجلادة وصورة السباع، عراض الوجوه فطس الأنوف عبل السواعد ضيقو الأخلاق، والغالب عليهم الغضب والظلم والقهر وأكل لحوم الحيوانات، لا يريدون لها بدلاً، ولا يراعون فيها نضجاً، ولا يرون إلا ما كان اغتصاباً كما هي عادة السباع.. 
إذا سبى أحدهم لا يرضى أن يكون زعيماً أو متقدماً لعسكر سيده، بل يريد انتزاع الملك من سيده والقيام مقامه..
وحسبك من غلبتهم في الأمور وصعوبة جانبهم قوله(ص): اتركوا الترك ما تركوكم..
وجاء في كتاب  معجم البلدان:تركستان هو اسم جامع لجميع بلاد الترك وفي الحديث أن النبي (ص)قال: الترك أول من يسلب أمتي ما خولوا..
 وعن ابن عباس أنه قال: ليكونن الملك ،أو قال الخلافة في ولدي حتى يغلب على عزهم الحمر الوجوه ،الذين كأن وجوههم المجان المطرقة..
 وعن أبي هريرة أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يجيء قوم عراض الوجوه صغار الأعين فطس الأنوف حتى يربطوا خيولهم بشاطىء دجلة..
وكان العرب يسمون أقاليم الدولة البيزنطية - موطن الترك - في جملتها ( بلاد الروم ) ثم اختصر اسم ( بلاد الروم ) إلى ( الروم ) ومن ثم صار اسم( الروم ) إسماً لآسية الصغرى عند العرب .. وتعرف باسم ( شبه جزيرة الأناضول ) التي انتقلت في المئة الخامسة للهجرة ( الحادية عشرة للميلاد ) إلى أيدي المسلمين باستيلاء السلاجقة عليها ..
وكان قد ازداد عدد الأتراك في بلاط الخلفاء والأمراء العباسيين ، وتولوا العديد من المناصب القيادية في الدولة..
وكانت اليد الطولى للفرس طوال عهد المأمون..


 ومن أجل ضرب الفرس وتطويقهم قام المعتصم من بعده بفتح الأبواب أمام الترك لتولي أعلى المناصب..
وتسبب هذا في حدوث قلاقل ، وهو ما دفع به إلى تأسيس مدينة بعيدة عن بغداد وهى (سامراء)  لتكون سكناً له ولجنده وأنصاره..
ومن هنا بدأ الأتراك في الظهور حتى تمكنوا من تأسيس أول دولة خاصة بهم على حساب المسلمين وهى الدولة السلجوقية..
وقد أبدى الفقهاء والمؤرخون المتعصبون فرحتهم البالغة بالسلاجقة لكونهم نصروا دولة الخلافة ومذهب أهل السنة وقضوا على البويهيين الشيعة(447هـ ) والنفوذ الفاطمي في العراق..


وأزالوا من على أبواب المساجد سب الصحابة، وقتلوا شيخ الشيعة أبي عبدالله الجلاب..
روى ابن كثير في البداية والنهاية: ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فيها عظم شأن السلجوقية، وارتفع شأن ملكهم طغرلبك، وأخيه داود، وهما ابنا ميكائيل بن سلجوق بن بغاق ، وقد كان جدهم بغاق هذا من مشايخ الترك القدماء، الذين لهم رأي ومكيدة ومكانة عند ملكهم الاعظم..
 ونشأ ولده سلجوق نجيباً شهماً، فقدمه الملك ولقبه شباسي، فأطاعته الجيوش وانقاد له الناس بحيث تخوف منه الملك وأراد قتله، فهرب منه إلى بلاد المسلمين، فأسلم فازداد عزا وعلوا، ثم توفي عن مائة وسبع سنين..
 وخلف ولديه طغرلبك محمد، وجعفر بك داود، فعظم شأنهما في بني عمهما..
 واجتمع عليهما الترك من المؤمنين، وهم ترك الايمان الذين يقول لهم الناس تركمان، وهم السلاجقة بنو سلجوق جدهم هذا، فأخذوا بلاد خراسان بكمالها بعد موت محمود بن سبكتكين..
 وقد كان يتخوف منهم محمود بعض التخوف،فلما مات وقام ولده مسعود بعده قاتلهم وقاتلوه مرارا، فكانوا يهزمونه في أكثر المواقف، واستكمل لهم ملك خراسان بأسرها..اه


أما الدولة الخوارزمية فقد قامت في أقليم خوارزم، وينسب حكامها إلى مملوك تركي يدعى أنوشتكين كان والياً على خوارزم في عهد السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي وتولى ابنه قطب الدين محمد بعد وفاة والده أبو شتكين ولقب خوارزم شاه أي ملك خوارزم..
 وقد نجح ابنه علاء الدين في كسب ثقة السلطان سنجر السلجوقي، واستقل بمملكته عن الأخير بعد حروب طاحنة انتصر فيها على السلاجقة، وبذلك استقل اتسز بن قطب الدين محمد بن أنوشتكين في ولاية خوارزم عن السلطان السلجوقي سنجر عام 538هـ/1143م وأصبح يسمى خوارزم شاه، واعترف به الخليفة العباسي، وأرسل إليه الخلع والتشريفات..


وقد تمكن خوارزم شاه من دخول بلدة خلاط بخيانة من القائد المكلفَّ بحراسة أحد الأبواب في عام 627هـ/1230م ، ولحنقه من المقاومة الشرسة التي واجهته فعل بأهلها ما يفعله التَّتر ، فقتل كُلَّ من وجد في البلد وسبى عسكُرهُ الحريم وباعوا الأولاد كما يُفعل بالكفرة..
روى ابن كثير:ثم دخلت سنة سبع وعشرين وستمائة فيها كانت وقعة عظيمة بين الاشرف موسى بن العادل وبين جلال الدين بن خوارزم شاه، وكان سببها أن جلال الدين كان قد أخذ مدينة خلاط في الماضي وخربها وشرد أهلها..
وقتل من أهلها خلقاً كثيراً ونهب أموالاً كثيرة، فالتقى معه الاشرف واقتتلوا قتالاً عظيماً فهزمه الاشرف هزيمة منكرة..
 وهلك من الخوارزمية خلق كثير، ودقت البشائر في البلاد فرحاً بنصرة الاشرف على الخوارزمية، فإنهم كانوا لا يفتحون بلدا إلا قتلوا من فيه ونهبوا أموالهم، فكسرهم الله تعالى..


ولم يحج أحد من أهل الشام في هذه السنة ولا في التي قبلها، وكذا فيما قبلها أيضاً، فهذه ثلاث سنين لم يسر من الشام أحد إلى الحج..اه
أما العثمانيون فتعود أصولهم إلى قبيلة تركمانية كانت تعيش في كردستان، وتزاول حرفة الرعي ثم هاجرت إلى بلاد الأناضول..
وتحالفت فيما بعد مع السلاجقة ضد الروم،وحقق السلاجقة بهذا التحالف العديد من الانتصارات على الروم..
وهكذا أفسح السلاجقة الطريق لبني عثمان  لقيام دولتهم..
وعلى أنقاض دولة المماليك قامت دولة العثمانيين الأتراك في مصر والشام..
ومن صور العبث بالدين واللعب بالمذاهب قرر العثمانيون تبني المذهب الحنفي..
والسبب في ذلك يعود إلى أنهم وجدوا رواية : الأئمة من قريش، تقف عقبة في طريقهم ،وتحول بينهم وبين خلافة المسلمين لكونهم من غير العرب..ومذهب الأحناف يجيز تولي الخلافة لغير القرشي..


ولم يختلف العثمانيون عمن سبقوهم فقد كانوا نسخة من حكومات الخلفاء غير أنهم  تميزوا بالعنصرية الفجة واستعلوا على العرب وأذلوهم..
ولاقت الشعوب التي سقطت في قبضتهم شتى صور البطش والتنكيل والإرهاب خاصة شعوب منطقة البلقان..
وهذا السلوك يعود سببه إلى كون العثمانيين قبائل همجية ليس لها جذور حضارية مثل  جيرانهم الفرس أصحاب الحضارة والتاريخ..
وقد فصل لنا الكاتب التركى محمد فريد في كتابه تاريخ الدولة العلية العثمانية الصراعات الدموية بين العثمانيين وبعضهم بسبب السلطة والنفوذ والمؤمرات التي حاكوها ضد بعضهم البعض ، وكذلك الجرائم والمجاذر التي ارتكبوها ضد خصومهم وأعدائهم من المسلمين وغير المسلمين..


والناظر في جميع المصادر وكتب التراجم يراها قد أجمعت على كون سليم  الأول سفاحاً كان لا يرحم أحداً ويقتل بالظنة كما هو حال معاوية..
وكَانَ ميالاً لسفك الدِّمَاء فَقتل سَبْعَة من وزرائه لأسباب واهية..
وقد انتقم من مصر وأهلها بسبب مالاقي من مقاومة شديدة من طومان باي ورجاله وخسر الكثير من عساكره وكاد أن يخرج من مصر مهزوماً لولا تفاعس المماليك وخيانتهم لطومان..
وهو ما دفع به للبطش بكل من يجده أمامه وتخريب كل شئ حتى المساجد والمراقد..
قال ابن إياس في بدائع الزهور في وقائع الدهور حوادث عام 923ه عام دخول سليم مصر : ثم إن العثمانية طفشت في جميع الحارات والأماكن وحطوا غيظهم في العبيد والغلمان والعوام ولعبوا فيهم بالسبف وراح الصالح بالطالح ،فصارت جثثهم مرمية في الطرقات من باب زويله إلى مصر العتيقة،فكان مقدار من قتل فوق العشرة آلاف إنسان ولولا لطف الله تعالى لفنى أهل مصر قاطبة بالسيف..
ثم إن العثمانية صارت تكس على المماليك الجراكسة في البيوت والحارات فمن وجدوه منهم ضربوا عنقه، وكذلك الجوامع الكبار والمدارس والزوايا،فهجموا على الجامع الأزهر وجامع الحاكم وجامع ابن طولون وغيرها، فقيل قبضوا على نحو ثمانمائة مملوك مابين أمراء وغيرهم فضربوا رقابهم أجمعين بين يدي السلطان سليم..
ولم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه قط إلا ما كان في زمن بختنصر البابلي..
وهتك حريم مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها..اه
والفقهاء والمؤزخون تغاضوا عن جرائم العثمانيين وسليم خاصة بسبب عداوتهم للمماليك ،تماماً  كما تغاضوا من قبل عن جرائم صلاح الدين بسبب عداوتهم للفاطميين..


ولا يمكن بحال اعتبار أن ما فعله العثمانيون في بلاد المسلمين وما فعله سليم في مصر هو من باب الجهاد في سبيل الله..
إلا أن المسلمين لازالت تنهمر دموعهم على دولة الخلافة العثمانية وما حققته من انجازات ببركة الغزوات حتى اليوم.. 
وغاب عن أذهانهم عدم شرعية هذه الدولة وغزواتها من الأساس..
وما دامت غزوات الماضي باطلة فغزوات الحاضر باطلة أبضاً..
ولو كان المسلمون التزموا بالاعتدال والخلق واحترام الآخر كما نص القرآن لكان الإسلام اليوم هو السائد في العالم بدون غزو ولا إكراه..
وفي النهاية كان حال دولة العثمانيين في أواخر أيامها كحال دولة العباسيين.. 
وكلاهما سقطتا بطريقة واحدة..
العباسيون انتهوا على يد التتار..
والعثمانيون انتهوا على يد الصليبيين الجدد..
ولازال الترك يفسدون في الإرض باسم الإسلام حتى اليوم..
ومايفعلونه في سوريا وغيرها اليوم يقدم لنا الدليل على ذلك..