بقلم: الشيخ سيد احمد بن محمدو _ موريتانيا 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

 

 

الدواعي التي دعتني لاعتناق مذهب أهل البيت عليهم السلام

 

ألف داع وألف سبب يدعو لأهل بيت النبوة عليهم السلام ويدفع باتجاههم ويأخذ بأعناق الناس وأزمة القلوب لمقامهم الشريف ، وليسمح لي مقامهم عليهم السلام بتعبير كهذا، لأن العدد مهما تضاعف ، فله محدوديته ولا يفي بالمعنى المطلوب في حقهم ولو كان بانتهاء الأعداد في أمثاله لأنهم عليهم السلام لا تحصى الدواعي التي تدعو إليهم ولا الأسباب التي تأخذ بالقلوب لهم ، لأنهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وهو منهم وقد أكد صلى الله عليه وآله هذه الخاصية في كل أهل بيته عليهم السلام ففي حق علي عليه السلام يقول ( أنت مني وأنا منك ) وفي حق الحسين يقول ( حسين مني وأنا من حسين ) وكذلك الحسن عليه السلام وفي حق الزهراء سلام الله عليها يقول ( الزهراء روحي التي بين جنبي ) فالله تعالى قد اقتطع مقامهم من مقامه صلى الله عليه وآله وسلم واقتبس نورهم من نوره
وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) الآية فكل ينابيع الرحمة تفيض من الله تعالى بواسطته ص على جميع مخلوقات الله وهذا جلي واضح جدا نفهمه في كثير من آيات الكتاب العزيز قال تعالى (( وسخر لكم ما في السمات وما في الأرض )) الآية وقال (( خلق لكم ما في السماوات وما في الأرض )) فهذا كله مخلوق له ولأجله ، فمن نحن حتى يكون لنا هذا المقام دونه ؟ فالكون كله إذن مخلوق لأجله ثم بواسطته لأجلنا وهذا صحيح صريح في الحديث القدسي الذي يقول ( خلقتك لأجلي وخلقتهم لأجلك ) الحديث ومن هذا نستنتج أن أهل البيت عليهم السلام هم واسطة تنزل الرحمة بين الخالق والمخلوق ، فكل مخلوقات الله مشمولة برحمته تعلى بواسطتهم عليهم السلام

 

إن من يريد أن يتحدث عن الدوافع التي تدفعه إلى أهل بيت رسول الله والدواعي التي تدعوه إليهم مجاله خصب وفضاؤه رحب ومساحة الحديث لديه لا ينتهي مداها ولا يطرق الأسماع ألذ منها ولا أحلى في القلوب حديثا ، لأن أمرهم عليهم السلام ينبوع ثر ومعين سلسبيل وبحر خضم لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ، ومهما اغترف منه الناس من الأولين والآخرين فلم يزده ذلك إلا اتساعا وبعدا في المدى وعمقا في المفهوم ، وكيف يستوعب الناس بحرا مدده الرسول بل هو عمقه وهو أوله وآخره أو يحددوا مقدارا لنور هو صلى الله عليه وآله وسام مصدره بل هو ذاته وعين حقيقته وهذا يعني أن مدهم عليهم السلام لن ينحسر مادام مد الرسول ص فوارا ولن ينطفئ نورهم مادامت السماوات والأرض
وإن الذي تجتذبه فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ثم يحاول أن يتحدث عنها تتعدد لديه الدلائل وتتكثر البراهين حتى يقف أمامها حيران مشدوها لا يدري من أيها يبدأ أمن مكانتهم من رسول الله ص التي يجتمعون فيها مع ذاته الشريفة وتجعلهم من لحمه ودمه أم من مكانتهم في آيات الذكر الحكيم التي ألصقت مقامهم بمقامه على نفس الوتيرة التي امتزجوا به فيها في خلقهم ومنشئهم ـ فلم يفرق القرآن الكريم بينهم وبينه إلا في مقام النبوة ـ أم يبدأ من خصائصهم الذاتية التي تميزوا بها تميزا كبيرا دون غيرهم فعرجوا بها إلى أعلى مراتب الكمال والطهر والسمو فلم تبق قيمة من قيم الدنيا إلا وأحرزوا فضيلتها ونالوا شرفها وتزينوا بها وازدانت بهم وازدادت قيمتها بقيمتهم الشريفة فكانوا عليهم السلام المثل الأعلى في كل فضيلة
ولا يدري من استقصى أمرهم واستقرأ فضائلهم أي فضيلة تأسره أم أي محاسنهم تسحره أفضيلة العلم أم النسب أم فضيلة الشجاعة والقوة أم الأريحية والجود أم التقوى والورع فهذه الفضائل كلها نالوا قصبة السبق فيها وأحرزوا وسام كل واحدة منها بكل سهولة ، فعل الحاذق المطبوع الذي يألف العادة وتألفه وكأنها تختاره بين الناس كما اختاره الله في أصله ومنشئه

 

وهذا سيد العترة الطاهرة عليه السلام علي بن أبي طالب بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان الرجل الشهم والجبل الأشم والطود الشامخ الذي سما في آفاق كل فضيلة واستبسل في كل جليلة واستبد لنفسه بكل قيمة إنسانية حتى أصبح المقياس الأول لها بين بني الإنسان والمعيار الحقيقي لقيمتها والنبراس الذي يهتدى بهديه في سبيلها
فأثبت قدمه في سوح القتال وميادين الحرب حيث لم يكن ثمة سواه وجال في ميادينها فذا لا تسمع لغيره إلا همسا حتى أثبتها في فصول التاريخ الإنساني منفردا لوحده شامخا سامقا لا ترى من يدانيه ولو على بعد آلاف الأميال والفراسخ
لقد قدم عليه السلام في بطولاته التاريخية وتفوقه بسيفه ذو الفقار مثلا أعلى ومادة تاريخية يفخر بها التاريخ الآدمي وتستهوي كل من يتناول فصول التاريخ الإنساني بحديثها المعسول العذب وأيامها اليتيمة التي لا نظير لها وضربات سيفها التي طالما وصفت بأنها الوتر التي لا تعرف التكرار إلا في جماجم الأبطال واحدا تلو الآخر دون أن يكون ثمة داع لأن تتكرر ضربة له عليه السلام في أي من ضحاياه مهما كان شأنه في القتال ، فكان عليه السلام إذا هوى على أحد من الأبطال بسيفه فكأنما يحمل إليه قضاء الله المحتوم وينفذ فيه رسالة ملك الموت التي لا محيص عنها

 

لقد كان ما قدمه عليه السلام في هذا الميدان مادة تاريخية لا يوجد في فصول التاريخ أروع منها ولا أشهى حديثا وهي أشبه ما يكون بالأساطير وأحاديث الجن في وادي عبقر لولا شواهد التاريخ وما نطق في حاله من لسان الحال الذي هو ابلغ من لسان المقال
وهذا حين كان كبار القوم لا يلفتون انتباه الناس ولا يثيرون أقلام المؤرخين إلا بما يثيرونه من غبار بأقدامهم طلبا للنجاة وفرارا من الأبطال وكانت تلك هي المادة التاريخية الجاهزة عندهم التي دأبوا على تقديمها للمؤرخين والإعلاميين كلما حما الوطيس وتطايرت الأيدي والرؤوس وكأن قرع أقدامهم فرارا من الموت موكل بتحديد مكانتهم في ميدان المعركة دون قرع سيوفهم ، فلا يروي التاريخ أن أحدا منهم تصدا لبطل أبدا ولا أنه تنجس سيفه من دم أي قتيل وإن كان رعديدا جبانا من أضعف الناس وأقلها ذكرا في هذا الميدان
ولما كان دأب السياسة قلب الحقائق ـ لاسيما في حق أهل البيت عليهم السلام ـ وتمرير الأمور حسب قاعدة مرسومة من قبل القادة السياسيين حيث يجعلون الباطل مكان الحق والسيئة مكان الحسنة في حق أهل البيت عليهم السلام وكأن الحقائق التاريخية شيء والبرنامج السياسي للدولة شيء آخر وهذا تراه جليا عند هؤلاء حين يجعلون أمير المؤمنين عليه السلام خلف الكثير عندهم في ميدان الشجاعة والفروسية والقوة فتراهم يقولون أشجع الصحابة فلان ويذكرون موقفا أشبه ما يكون بالضحك على عقول الناس والسخرية من التاريخ

 

ولقد أثبت أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه نفس المكانة في ميدان العلم بالقدر ذاته من الحضور والقوة والتفرد ، فكان بحق باب مدينة علم النبي ص وأعلم صحابة رسول الله بما لا جدال فيه حتى ذاعت مقولة الصحابة المشهورة في حقه [ هذه معضلة ليس إلا أبو الحسن ] كما ذاعت مقولة عمر [ لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ] فكان عليه السلام في هذا المقام يتقدم كلما تأخر الجميع ويحضر بكل ثقله المألوف الذي يحمل طابعه المتميز الفذ الذي يأبى أن بثنِّيه ثان فيقف لوحده حين لا تجد لسواه أي صوت ولا حضور وكأنه ألف التفرد في كل مواطن الفضيلة والسمو واعتاد أن يستبد بالفضائل كلها على كل من سواه لا يشوش وقفته تلك ولا انفراده في تلك المكانة العالية الرفيعة البديعة أي إنسان

 

وهذا نهج البلاغة يقف شامخا بقامة عالية متفردا في ساحة من التفوق والتميز عزيز جانبها بعيد مداها عن كل ضوضاء الفصحاء والبلغاء كأن عارا عليها أن ينغص من هدوء تفوقها وسكينة تفردها أي خطباء بني الدنيا مهما كبر شأنه أوعلا صوته

إنني ما كنت أريد نشر هذا المقال الآن لأنه لم تستكمل فصوله حتى الآن ولكن نظرا لأهمية ما تم منه فضلت نشره طلبا لنشر الفائدة منه الله والموفق للصواب وهو حسبي ونعم الوكيل