ومالي إلا آل محمد شيعة ومالي إلا مذهب الحق مذهب

 

ولدت ونشأت في العراق لعائلة سنية وترعرت في بيئة سنية, كان والدي رحمه الله متدينا ولكنه لم يجبرنا على الالتزام بالصلاة والصيام وانما كان يكتفي بالعتاب والتذكير فنشأت نشأة غير متعصبة وغيرمتحيزة لاحد, وكان رحمه الله يدرسني قراءة القران الكريم في العطلة الصيفية في سنين الابتدائية الاولى والثانية والثالثة مما سهل علي اكتساب ملكة القراءة وسهولة اللفظ واخراج الحروف ثم تركني عندما رأى اندفاعي للقراءة وتعلقي بالكتب فكأنه سعد بذلك وارتاح بعد عناء .

 

أول بادرة طرقت تفكيري حول تعدد المذاهب واختلافها في الاسلام كانت في أيام الدراسة في مرحلة المتوسطة عندما كنت أشاهد عرضا لفيلم عربي في التلفزيون, وفي ذلك العرض يقول أحد الممثلين انه غير حنبلي متعصب بل شافعي, فسألت اخي الكبير عن ما يعني الممثل بقوله ذلك,فاجابني أخي باقتضاب وكأني افسدت عليه متعة مشاهدة الفلم فقال : هناك مذاهب في الاسلام وكل مذهب له جماعة من المسلمين يمشون وفق أصوله ! فسألته ثانية: وهل هذا الاختلاف مقبول في الاسلام؟ وهل الدين مقسم الى عدة اقسام؟ لم يجيبني أخي حينها واستغرق في مشاهدة الفلم. اضمحل السؤال بمرور الايام حتى نسيته وكان كلما يأتي موضوع المذاهب اطوي عنه كشحا, فقد بدت المذاهب الاسلامية واختلافاتها من الامور المعقدة وذكرتني دائما بعالم الاموات وكتب صفراء متروكة على رفوف المساجد .

 

في أحد الايام وقعت عيني على كتاب في احدى مكاتب سوق المدينة كان اسم الكتاب (اسلام بلا مذاهب) للكاتب مصطفى الشكعة, تصفحت الكتاب فإذا هو يعدد المذاهب الاسلامية مع ذكر الفروقات بينها, لم أتمكن من شراء الكتاب ولكن عنوانه أحيا السؤال في تفكيري حول تعدد المذاهب في الاسلام فسألت والدي رحمه الله عن اختلاف المذاهب وسبب الاختلاف, فقال انه يتبع المذهب الحنفي و لم يجيبني على سؤالي بل أكمل قائلا ان الحنابلة متعصبون في بعض الامور والحنفية متساهلون ولذلك هو حنفي كأبيه (جدي ), فقلت له اذن انت لم تختار المذهب وانما ورثته عن ابيك فأجابني قائلا : يا بني انت تسأل كثيرا فلماذا تصعب الامور! كان جوابه سريعا وغير واضحا, وعرفت بعد سنين انه اجاب عن قلة معرفة .

 

في سنين مرحلة الدراسة المتوسطة كانت كتب الكاتب المصري مصطفى محمود متوفرة في الاسواق, واقتنى أخي الكبير نسخ من كتبه ومنها كتاب (القران محاولة لفهم عصري) ووجدت أن الكتاب صار كتابا مهما عند كثير من القراء, ومنهم والد صاحب لي كان يعمل قاضيا في محكمة الجنايات حيث نقل صاحبي لي أن أبيه القاضي يقضي ليله في مطالعة كتاب (القرآن محاولة لفهم عصري) وكتاب (حوار مع صديقي الملحد) لنفس الكاتب, فقلت لنفسي واعجبا إن كان قاضي الجنايات هذا يقضي ليله في مطالعة كتاب صغير كهذا فهل صار الكتاب مرجعا عند قاضي درس في كلية الشريعة والقانون؟ ودلني هذا بعد سنين على عدم تعمق المسلمين في أصول دينهم وأنهم يتجنبون الخوض في الخلافات التي أدت الى فرقة المسلمين, ويتمسكون بالتعميم في حواراتهم والتسطيح في تفكيرهم لتجنب تعقيدات الصراعات المذهبية في هذا الدين.

 

كانت الكتب الدينية المتوفرة في الاسواق كتب سطحية لاتتطرق الى الخلافات المذهبية بين المسلمين بل تتطرق الى عالمية الاسلام وكمال منهجه باسلوب أدبي أقرب منه الى الاسلوب العلمي مما يجعل قارئ تلك الكتب يتأثر عاطفيا بكمال دين الاسلام وعالميته وفي ذات الوقت لايصمد القارئ أمام أي سؤال منطقي عن ماهية هذا الدين وعن الخلافات المذهبية فيه.

 

حصلت على مجموعة كتب للكاتب عبد الرزاق نوفل الذي كان يفسر آيات القران وفقا للاكتشافات العلمية متجنبا كغيره الخوض في مسائل الخلافات المذهبية,استهوتني كتب الكاتب كثيرا وامنت بسذاجة المراهق انني اعرف الكثير عن هذا الدين! ثم وقع تحت يدي كتاب (رجال حول الرسول) للكاتب المصري خالد محمد خالد, واذكر أنه كتب على غلاف الكتاب الحديث النبوي المشهور: ( اصحابي كالنجوم بايم اقتديتم اهتديتم) وهو حديث يردده خطباء الجوامع والوعاظ ومدرسو التربية الدينية رغما عن ضعف الحديث, وعرفت بعد استبصاري تهافت الحديث وضعفه - في نهاية المقال سند الحديث الذي يبين ضعفه عند الجمهور.
- كان كتاب رجال حول الرسول كتابا جميلا وجزلا في تعبيراته الادبية واسعدني ذكر الكاتب لسيرة ستين رجلا من صحابة النبي الكريم (ص) بدا كل واحد منهم كنجم قائم لوحده ينير درب السراة,ولم يخطر ببالي التفاضل بينهم ولا صراعاتهم بين بعضهم البعض, وانما تشكلت في مخيلتي صورة رائعة لثلة من عظماء عاصروا النبي الكريم, متفانون في نشر الدين زاهدون في الحياة حتى تسامت نفوسهم فوصلوا علياء المجد في الدنيا والاخرة, ولكن هل هذه هي الحقيقة, أم أن أسلوب الكاتب وزخرفته الادبية غطت على كثير من مساوئ بعض أولئك الرجال, وتبينت لي الحقيقة بعد سنين وهي أن أولئك الصحابة دخلوا في صراعات دموية فيما بينهم وقامت بينهم حروب قُتل فيها كثير منهم وتلك حقيقة تاريخية لاتصمد أمامها نظرية عدالة أولئك الصحابة كما أراد الكاتب أن يقحمها على القارئ, وكذلك يصبح حديث النبي الكريم (أصحابي كالنجوم بأيم أقتديتم أهتديتم) لغو لامعنى له وحاشى ذلك عن خاتم الانبياء والرسل ؟.

 

لم تمض ايام قليلة حتى وفقت لقراءة كتاب آخر لنفس المؤلف باسم ( ابناء الرسول في كربلاء) دون فيه المؤلف ملحمة كربلاء الخالدة, ولأول مرة واثناء قراءتي للكتاب احسست بخلل في تفكيري وعجز في تحليلاتي, فكيف لاناس من المسلمين ومنهم خليفة المسلمين يزيد بن معاوية يبعثون بجيش من الاف الجنود ليحاصروا عائلة اغلبها من النساء والاطفال ربها الحسين بن بنت خاتم الانبياء, ويقتلونه واصحابه بوحشية وكأن شيئا لم يكن؟
بكيت بحرقة وانا اقرأ ذلك الكتاب وشعرت بظلامة الحسين (ع) ورأيتني متخيلا نفسي كجندي في صفوف الحسين, ولما قرأت ماقاله الحر الرياحي للحسين(ع) قلت في نفسي يا للرجل ما اشجعه, فقد ترك الحر الرياحي مجد الدنيا وزخرفها والتحق بالحسين وأنصاره وهو يعلم أنه مقتول ولهذا قال له الحسين عليه السلام: أنت الحر كما سمتك أمك, أنت الحر في الدنيا والاخرة!
بعد اتمامي لقراءة الكتاب اصابتني حيرى في قبول أراء المسلمين تجاه صحابة النبي وتجاه مواقفهم وتناقضات أعمالهم, فهل يعقل أن يكون الصحابي صاحب العصمة والوفاء للنبي محاربا للنبي وخائنا له ؟ وإذا كان الامر كذلك فلماذا تكون للصحابي تلك العصمة عند المسلمين, كانت تلك الحيرى في تقييم صحابة النبي الكريم (ص) ذات وطأة كبيرة على عقل مراهق مسلم, حيرى عجزت عن الخروج منها,انقذني منها قدوم أيام الامتحانات في المدرسة فتركت القراءة و تناسيت ما قرأت وانهمكت في الدراسة.

 

في الصيف التالي عدت للقراءة ثانية واخترت كتب الكاتب المصري عباس محمود العقاد مشروعا لقراءاتي فجاءت كتب العبقريات للمؤلف ومنها (عبقرية عمر, عبقرية علي, وغيرها....), من خلال القراءة وصلت الى قضية الفتنة عند المسلمين وبدا لي ان هذا الدين لم يكن دعوة للقضاء على الاصنام ونشر التوحيد فقط, بل ان القضية اعمق من ذلك, فبعد رحيل النبي (ص) وقعت حروب بين صحابة النبي أنفسهم, منها معارك الجمل وصفين والنهروان وبسببها او لنتيجتها حدثت فرقة بين المسلمين واختلافات وصراعات تفند نظرية عدالة الصحابة الهشة وتكشف الوجه الحقيقي لبعض صحابة النبي الكريم, فهناك صحابة للنبي (ص) شوهوا هذا الدين وخانوا النبي الكريم وحاربوا أنصاره المخلصين بعد رحيله وإذن ليس من المعقول أن يعمم النبي (ص) ويقول أن صحابته كالنجوم بأيم أقتديتم أهتديتم! أصابتني حيرى أخرى بعد تلك القراءات وصرت وكأنني على وشك رمي كل الكتب والتفرغ للدراسة واللعب والرياضة وايجاد عمل في الصيف كحال اصحابي.


لكن عشقي للقراءة كان عجيبا فقلت لنفسي لانظر ماهي الفتنة التي لا يجرأ احد على نبشها, وقع في يدي كتاب ( الفتنة الكبرى) للكاتب طه حسين فشرعت في قراءته ثم ألهاني عن قراءته كتب أخرى كانت ممنوعة في العراق آنذاك واستهوتني قراءتها وكانت للكاتب الاخواني محمد قطب فنسيت كتاب الفتنة الكبرى وانا اقرأ كتب محمد قطب التي تتطرق لفلسفة كارل ماركس ونظريات سيمجوند فرويد وعالم الاجتماع دوركايم, وكانت تلك الكتب كغيرها من كتب تتبنى التعميم والتسطيح وتتجنب الخوض في اسباب الخلافات بين المسلمين, فكانت مواضيعها المختصرة تتطرق في الردود على الشيوعية والمادية وهي مواضيع تتجنب التفصيل في ماهية الدين وتركز في الرد على الافكار المناهضة للأسلام ولكن عندما يبحث القارئ عن ماهية الاسلام في تلك الكتب يقع في حيرى لتعدد المذاهب ولاختلاف المراجع, فكأن كتبة تلك الكتب ألغوا هوية الدين كدين قائم بنفسه وعرفوه بطريقة الرد الجدلي على خصوم الدين, وبعبارة أخرى يمكن القول أن الدين عند أولئك الكتاب يتلاشى بتلاشي أعداءه وبتلاشي الافكار المخالفة له, ولكن ماهي كينونة هذا الدين نفسه من غير الاعتماد على تعريفه بمقارعة الافكار المعادية له ؟ لاتجد تعريفا واضحا عند كل اولئك الكتاب الذين وقفوا يذبون عن الاسلام ضد الافكار المادية والعلمانية وجعلوه دينا قوياً جامعا مانعا وكأنه لاوجود له بعدم وجود اعداءه!


 
نتيجة لقراءة كتب محمد قطب وكتب أخيه المرحوم سيد قطب تعرفت على جماعة الاخوان المسلمين وهو تنظيم سني بحت لايؤمن بالحزب البعثي العفلقي الذي كان يحكم العراق انذاك . كان أولئك الاخوان طيبون تقاة, وعرض علي احدهم اسلوبا في التثقيف وكان يتم بحفظ سورة قصيرة من القران لتذاكرها في يوم محدد من كل اسبوع مع أحد أعضاء الجماعة, وكانت تلك الطريقة هي اسلوب التنظيم في كسب الاعضاء الجدد, عرفت بعد حين أن أولئك الاخوة يسعون لكسبي للانضمام الى تجمعهم, لم استسيغ الفكرة وسوفت القبول بالانضمام للتنظيم, ووفقت لقراءة اغلب كتب جماعة الاخوان مثل كتب سيد قطب والسيد سابق والكاتب محمد الغزالي وأبو الاعلى المودودي وغيرهم, كانت جميع تلك الكتب تتجنب التطرق للخلافات المذهبية بين المسلمين وتكرر مفهوم عالمية الاسلام بصيغ تعميمية بعيدة عن التفاصيل, مما يجعل قارئها محملا بمعلومات ضبابية غير واضحة وقابلة للاحتمالات ولا ترد أو تحسم سبب الاختلافات المذهبية بين المسلمين.

 

لم تدم العلاقة طويلا مع جماعة الاخوان المسلمين وعرفت ان الاخوة يدورون في حلقة مفرغة, فهم لا يستطيعون الاجابة على تساؤلات كثيرة ولا يشجعون أفرادهم على القراءات الخارجية, بل يصرون على قراءة كتب معينة ككتب سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي ويبتعدون عن قراءة الكتب الاخرى التي كتبت بأقلام كتاب لاينتمون لتجمعهم, وكمثال على ذلك هو قول أحدهم لي يوما : (هناك كاتب بعنوان (أضواء على السنة المحمدية) بقلم الكاتب احمد ابو رية عليك تجنب قراءته فكاتبه خبيث مدسوس)!فقلت لنفسي ماذا يقول هذا الرجل الطيب؟ ايمنع مجنونا مثلي عن قراءة كتاب ما, فوعدت نفسي بقراءة الكتاب يوما رغما عن تلك الوصاية وعرفت بعد سنين ان الكاتب ابو رية قد فضح ابوهريرة راوي الحديث وفند كثير من أحاديثه المختلقة بتفصيل طويل في كتابه شيخ المضيرة ابو هريرة, ومثله كتب الكاتب علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين.

 

وهكذا تبين لي بعد فترة من زمن ضعف ثقافة جماعة الاخوان المسلمين لعدم توسعهم في قراءة كتب أخرى, وقلت في نفسي :لماذا الخوف من قراءة كتاب ممنوع ؟ فهل هناك مرض خبيث سيصيبنا من قراءة ما يا للعجب! وعلمت بعد سنين أن تجنب القراءة الخارجية هي من ضعف الانسان وضعف ثقافته وعلمه فالذي واثق من صحة مذهبه لايخشى قراءة كتب أخرى, ولن تتغير مفاهيمه بالاطلاع على تراث المذاهب والاديان الاخرى.


إن من مقدمات هذا الاسلوب في عدم الاطلاع على المذاهب الاخرى هي المقولة المشهورة لعلماء الجمهور وفقهائهم هي قولهم ( الله أعلم) عند أجابتهم على تساؤلات العوام عن أمور دينهم ودنياهم وسبقهم بتلك المقولة خلفاء الدولة, بينما كانت كلمة أمام الموحدين علي بن أبي طالب هي قوله ( سلوني قبل أن تفقدوني ) فهو الوحيد ومثله الائمة من بعده الذين كانوا يحثون المسلمين على السؤال وطلب العلم ولم يجيبوا أحدا بمقولة ( الله أعلم), بينما تجد في مراجع التاريخ قول الخلفاء والفقهاء (الله أعلم) في ختام كل رد على سؤال, ويعود ذلك إلى تخبط المسؤول وعدم ثقته بنفسه وعدم معرفته لأصول هذا الدين العظيم, وسرى هذا التقليد حتى يومنا هذا, وعلى ذلك ينشأ الشباب المسلم المنضوي تحت التنظيمات الاسلامية المعاصرة, فهو محضور عليه قراءة كتابات أخرى خوفا عليه من الوعي الذي سيجعله ينسلخ من مذهبه وينقلب عليه بعد زيادة وعيه واطلاعه.

 

ظلت قضية الفتنة تؤرقني وظهر تاريخ الاسلام الذي لايتطرق ولايفصل في سبب الفتنة تاريخا ناقصا متناقضا ممزقا . إن مجادلة كافر بالدين او ممن يحملون الفكر المادي ثم غلبه بالحجة والبراهين قد يؤدي إلى أهتداء الرجل الكافر إلى الاسلام, ولكن التفصيل في دراسة هذا الدين وتاريخه وتقصي الاختلافات التي حدثت بين صحابة النبي الكريم ستفتح بصيرة المهتدي الجديد إلى تناقضات عديدة في هذا الدين وستبين دراسة هذا الدين للمهتدي الجديد مسائل الخلاف والاختلاف بين الصحابة الاوائل كالاختلاف في اختيار الخليفة والاختلاف في كيفية الصلاة والصيام و غيرها, وعندها سيصطدم المهتدي الجديد بصدمة لايحتملها ويقع في صراع بين قلبه المهتدي الى هذا الدين وبين عقله الذي سيدرك وجود الاختلافات والصراعات في خاتم الاديان, وبذلك قد يرتد المهتدي الجديد بعد فترة من زمن أو قد يقبل الانضواء تحت لواء هذا الدين على مضض حالما باجوبة لتساؤلاته, اجوبة لن يعثر عليها بين اناس يرددون كلمة ( الله أعلم) عند أجابتهم على اسئلته, أو علماء يطلقون كلمة الفتنة على حروب تمتد الى عصرنا الراهن.

 

قررت معرفة ما استطيع عن الخلافة فهي أساس الخلافات المذهبية, وسقط في يدي كتاب ممنوع وهو من كتابات حزب التحرير الاسلامي, يحمل عنوان الخلافة لمؤلفه تقي الدين النبهاني, اعجبت بالكاتب قبل ذلك في كتاباته ومنها كتاب ( نقض الفلسفة الماركسية) كتبه تحت اسم مستعار يرد فيه على الماركسية, فقلت اذا كان هذا الكاتب الحدي الذي لا يستعمل التزويق اللفظي في كتاباته قارعا للماركسية باسلوب سهل مبسط فلابد ان يكون له رأي عميق في الخلافة وقصة السقيفة والفتنة.

 

فسر الكاتب النبهاني في كتابة ( الخلافة) كلمة الولي من حديث النبي (ص) ( من كنت مولاه فعلي مولاه) بخمسة عشر 15 مترادفا لكلمة الولي وكانت كل المعاني مقحمة في سبيل أبعاد كلمة الولي عن معنى القائد أو الخليفة, لم ينكر الكاتب الحديث ولكن لوى عنقه لويا حتى خنق معناه تماما! وكل ذلك في سبيل إبعاد الامام علي بن أبي طالب عن أحقيته بالخلافة بعد رحيل النبي الكريم(ص), وكان رأي الكاتب النبهاني هذا يحفظه أعضاء حزب التحرير حفظا وكأنهم وجدوا الدواء الشافي لعلة الامة في انشقاقها وتفرقها الى فرق عديدة, فكان تفسير الحديث وفقا للكاتب النبهاني على السنتهم عند التطرق لاختلاف السنة والشيعة, ولكن ياترى هل الامر بهذه السهولة ويحسم بتفسير أقحامي لكاتب يفسر حديثا مشهورا للنبي الكريم في الخلافة والولاية؟ إن ذلك الولاء المطلق في حفظ كتابات الكاتب النبهاني يدل على أحادية في التفكير لأعضاء التنظيم يصل الى حد التعصب, فكيف سيكون الباحث عن الحقيقة عند نقاشه مع هؤلاء الاخوة, اذكر ان قلت لبعض الاخوة ان كتابات الشيخ النبهاني بخصوص الخلافة وتأويل كلمة ( الولي) تتشابه مع أقوال القاضي عبد الجبار المعتزلي فقال لي ومن هو هذا القاضي؟ ورد الرجل بقوله ذلك دليل على ضيق الافق لكل متحزب متعصب.

 

لقد ركز الكاتب النبهاني على تأويل حديث الولاية والخلافة لعدم قدرته على اسقاط الحديث لشهرته وتواتره, وظن أنه أستطاع القضاء على عقدة الخلاف بين مذاهب المسلمين المتعددة, ولكن هل ياترى هذه هي الحقيقة؟ ليست القضية بهذه البساطة, فحديث ( من كنت مولاه فعلي مولاه) ليس هو النص الوحيد الدال على أحقية الامام علي بن أبي طالب بالخلافة, وتأويل الكاتب للحديث لا ينطلي إلا على عقول ساذجة من جموع الشباب, تلك الجموع التي لاتعرف شيئا عن تاريخ الاسلام سوى ما قرأته في مناهج الدراسة التي كُتبت بأقلام كتاب وأساتذة تخرجوا من جامعات تخشى الخوض في مسائل الفرقة المذهبية بين المسلمين, وكذلك اعتمدت جموع الشباب تلك على كتب تسطيحية تعميمية ككتب التنظيمات الاسلامية المعاصرة, وتلك الكتب كما تقدم تبين عظمة هذا الدين وكماله من دون التطرق الى التفاصيل والى الاختلافات المذهبية الحادة التي هي سبب تأخر الامة وفرقتها.

 

ظلت قصة الفتنة تشكل فجوة كبيرة وشرخ عميق في ثقافتي ولكن قراءاتي لكتب النبهاني فتحت لي بابا جديدا نحو كاتب احبه الاخوان المسلمين و جماعة التحرير, وهو الكاتب الخالد الذي ملك قلوب المؤمنين من كل المذاهب الا وهو الشهيد السعيد محمد باقر الصدر, اطلعني صديق مجنون بالقراءة على كتاب اسمه فلسفتنا وكنت حينها في نهاية مرحلة الدراسة الاعدادية .
قال صديقي لي يحدثني عن كتاب فلسفتنا : هذا كتاب ممنوع لكاتب شيعي من اهل النجف وهو فخر المسلمين لأنه الف كتاب (البنك اللاربوي في الاسلام) والكتاب قامت دولة الكويت بتطبيقه على بعض مصارفها المالية وبه تأسس أول مصرف رسمي معاصر يعمل وفقا لرأي الشرع الاسلامي ! أراد صاحبي السني هذا تحليل واستساغة قراءة كتب الشهيد الصدر وحجته في ذلك هي قبول دولة الكويت السنية بتطبيق كتابه على بعض مصارفها المالية فهو مقبول من دولة الكويت السنية.

 

قرأت كتاب فلسفتنا باستعجال ووجدت كتاب النبهاني في الرد على الماركسية اسهل كثيرا عندي من كتاب فلسفتنا الذي اصابني بصداع, ولكن المهم في ذكر هذا هو اكتشافي- انا المقيم بين السنة والمعزول عن باقي العراق تحت مظلة الارهاب العفلقي- اكتشافي لعبقري لم ارى فريا كفريه عند باقي الكتاب ولكنه كان شيعيا, فقلت وما الضير وماهو التشيع ياترى,وكان الجواب سريعا من بعض الاخوة المسلمين بقولهم أن التشيع هو اللطم على الحسين ولبس السواد ولعن يزيد وكره عائشة, فاستذكرت كتب السنة التي هي ثقافتي ذلك الحين مثل كتب العقاد وطه حسين وقطب والغزالي وغيرهم, وقلت في نفسي إن عائشة حاربت الامام علي بن أبي طالب وهو رجل لم يسجد لصنم وهو أول المسلمين, والرجال قوامون على النساء فمن على الحق ياترى؟ وكيف نقبل برأيين متناقضين في ان واحد! اتحفني صاحبي الذي عرفني بكتاب فلسفتنا للشهيد الصدر, بمقالة مطبوعة للسيد محمد باقر الصدر وكان موضوع المقالة حول الخلافة, قرأت ذلك البحث في ليلة واحدة واعدت الكراسة المطبوعة لصاحبي الذي كان يدفن كتبه في حديقة الدار خوفا من الارهاب العفلقي, كانت مقالة السيد الصدر واضحة واذكر انه تسائل هل يعقل ان يموت الرسول دون أن يوصي لامته بخصوص الحكم والخلافة من بعده؟ فالقائد الذي يموت بغير وصية تبين كيفية الحكم من بعده اما ان يكون انانيا يريد للناس الفرقة من بعده ليتذكر الناس عظمته فيفتقدونه,او ان يكون عاجزا عن السير بامته نحو التوحد والمجد لعدم حصافته,وحاشى لرسول الانسانية ان يكون ضمن الاحتمالين, اذن لابد ان يكون قد اوصى.

 

وكصفعة على وجه الغافل صفعت على وجهي لاستفيق قائلا, هذا جواب سهل لك فعلام الحيرى! فانزاح هم عني ولكن ظلت العقدة المذهبية تحمل شوائب كثيرة و احسست ان أيجاد أجوبة لمشاكل الخلاف بين فرق المسلمين ليست بعيدة المنال. اذكر فلم الرسالة للمخرج السوري المرحوم مصطفى العقاد, وكيف تحيرت مع كثير من أهل السنة الطيبين بقولنا انه لم يكن حضور لعمربن الخطاب أو لأبي بكر وعثمان وغيرهم في الفلم, انما لحمزة (ع) ولعلي المرتضى(ع) وقال الناس في بيئتي بسذاجة ان المخرج اخذ روايته من كتب الشيعة .

 

بعد مشاهدة الفلم قلت لصاحبي هيا لنقرأ عن المغازي والفتوح لنعرف حقيقة ذلك وهل حقا أن الخليفة الاول أبوبكر وعمر وغيرهم من الصحابة المشهورين لم يكن لهم أي حضور في معارك المسلمين مع مشركي قريش, ويا لهول ما قرأت, لم اجد عمر بن الخطاب الا بطلا في مقولته المتكررة في اكثر من موضع ( دعني يا رسول الله اضرب عنقه), اما عند قرع السيوف فهو الهارب المتخفي ولم تشهد له معارك المسلمين مع الكفار نزالا واحدا, بل كان متخفيا هاربا في جميع المعارك, وكذلك عثمان بن عفان الذي هرب في معركة احد لايام ظانا ان النبي(ص) واصحابه خسروا وقضوا وعند عودته عاتبه الرسول (ص)بقوله : لقد ذهبت بها عريضة!!! وغيرها من المواقف المخزية للصحابي عمرو بن العاص أو لخالد بن الوليد الذي انتحل اسم سيف الله غصبا وقتل مسلمين في عهد الخليفة الاول, يا للهول, ما هذا التاريخ الخافي عنا! وكماء بارد صب على رأس المحموم صبت هذه المعلومات على رأسي وعرفت أن التاريخ الاسلامي الذي درسناه في مقاعد الدراسة والذي كُتب بأيدي الكتاب المعاصرين المجملين للتاريخ والمزخرفيه كان تاريخا مزيفا زخرفه الكتبة وأبعدوا حقائقه عن عيون العوام.

 

برر صاحبي الذي كان يقرأ كتب المغازي فقال مدافعا عن الخلفاء وعن الصحابة :( يا اخي هؤلاء لم يكونوا ابطالا في سوح الوغى لانهم كانوا اهل الحل والعقد للرسول (ص) فهم لجنة استشارية, ولذا لم يشاركوا في البراز! ولم يكن لهم بلاء في الحروب لأنهم قادة!), فعجزت عن أقناع الرجل وهو الذي يقرأ التاريخ ولكن يفسره بميوله وعواطفه وترسبات بيئته, فأعتزلته واعتزلت الاصحاب وبدأت مرحلة وحدة وتفرد وصار الاصحاب من الاخوة المسلمين يتجنبوني تدريجيا ويتجنبون الحديث عن الفتنة في تاريخ الاسلام, ولم اجد تفسيرا لعناد الناس, واذكر في وحدتي اني قرأت يوما ان هناك شجرة في الجنة في اوراقها مكتوب اسماء شيعة الامام علي وأنصاره فدعوت الله ان يجعل اسمي فيها وان كنت حينها لم ازل في حيرة من امري ولم اتجرد بعد من ترسبات البيئة وتأثير الناس, وأصابني حزن غريب من معرفتي لجزء من الحقيقة الخافية عن أغلب المسلمين, وقرأت أكثر من حديث نبوي يبين أن الحزن مكتوب على محبي النبي الكريم وآله واصحابه المخلصين وياله من حزن جميل لا ابدله باحسن الافراح.

 

كان لزلزال الثورة الاسلامية في ايران, ونزول السيد الخميني في مطار طهران واسقاطه عرش الطاووس مع رجاله المخلصين محييا للامل في قلوب الكثير وأثرت تلك الثورة تأثيرا كبيرا على جماهير الناس في كل العالم, وتعرفت حينها على اناس من اهل السنة عشقوا الامام الخميني ومنهم من اختار مذهب اهل البيت حبا بالامام الخميني فيا لروح عدوى الثورة وتأثيرها, على الرغم من ذلك التأثير الواقعي قلت مع نفسي رويدا حتى تزيل كل ما في قلبك من حيرى, ويا لاعاجيب القدر, في سنين الثمانينات من القرن الماضي وأثناء الحرب المفروضة على ايران يدخل الجيش العراقي الى احدى المدن الايرانية وهي مدينة (خرمشهر) المحمرة, وكان احد الضباط العراقيين مشارك في تلك الهجمة ونقلا عن قريب له روى له أن بعض العسكريين بل اغلبهم عاث في المدينة فسادا وقام الضباط والمراتب العراقيون بنهب بيوت الناس ومنهم من اعتدى على نساء وقتل ابرياء ولاحول ولا قوة الابالله, اما الضابط فقد كان متدينا ( سنيا) وقال انه انف عن تلك الافعال, واكتفى بدخول جامع المدينة بعد فرار اغلب السكان ليجده مهدما والجنود العراقيين ينهبون السجاد وما يستطيعون حمله, اما هو فقد اتى بمصاحف المسجد وبعض الكتب فقط للحصول على ثواب من ذلك قائلا : اثرت ان احمل تلك الكتب القليلة حفظا لها من ان تداس باقدام الجنود الذين نهبوا المسجد, واتى بها عند عودته في الاجازة. اما قريبه فقال لي أن هناك كتاب ذو اوراق صفراء كان مبللا بالماء جلبه قريبي الضابط من مدينة المحمرة (خرمشهر) المنكوبة هل تحب ان تقرأه ؟فقلت نعم اتني به يا اخي ربما ينفعني.


كان الكتاب هو مجلد لكتابين باوراق صفراء متهرئة مكتوب بالعربية للعلامة شرف الدين الموسوي الذي لم اسمع به ولم اعرفه قبلا,كان الكتاب الاول هو كتاب المراجعات والثاني هو كتاب الفصول المهمة في تاليف الامة. وفي أيام عديدة سابقت الزمن كنت أقرأ فيها كالمهووس وانهل من علم لم اعرفه وماء معرفة اثلج صدري, ولم تعد هناك عقبة امامي بعد قراءة كتابي المرحوم شرف الدين الموسوي سوى نتف صغيرة تجاوزتها لاحس بولادة جديدة وغربة جديدة ووحشة بين الاهل والاصحاب, وحمدت الله تعالى على هدايتي بهذين الكتابين وبهذه الطريقة العجيبة بعد رحلة ليست بالطويلة وفي اول الشباب, وعرفت أن سبب العقدة المذهبية التي يعاني منها المسلمون هو الجهل المغلف بالتعصب والمعزز بالمصالح الدنيوية, فلولا القراءة وحبي لها لم أكن لأتمكن من معرفة اسباب الفروقات المذهبية, فالمعرفة هي الخطوة الاولى نحو التحرر من الجهل والعمى فهذا الدين العظيم كانت كلمته الاولى هي ( إقرأ), ولكن هل يطبق المسلمون هذا الأمر الالهي, وهل يقرأون كما أمرهم الخالق تعالى, ربما هم يقرأون ولكن قراءة انتقاءية كما يفعل بعض رجال التنظيمات الاسلامية الذين لايقرأون سوى كتابات تنظيماتهم الحزبية. أما الذين قد أنعم الله عليهم بنعمة حب القراءة والدراسة فهم أصحاب حظ طيب ولكن هناك حواجز آخرى أمامهم فليس بالقراءة والمعرفة يصل الباحث والدارس إلى الحقيقة, فكم من أعماه التعصب عن القبول بما يقرأ, وكم من أعماه حب الدنيا وزخرفها عن القبول بالحقيقة حتى وإن أدركها بعقله, فالانسان لايحكمه عقله فقط بل عواطفه وأحاسيسه المادية, أما الانسان الذي حرر عقله من ربقة القيود العاطفية والاحاسيس المادية فهو صاحب حظ عظيم. لندعو الله تعالى أن يهدي قلوب الحيارى, فبهداية القلوب تذوب الحواجز وتتلاشى القيود وتتحرر النفوس من ربقة العبودية .


 
والحمد لله على نعمته والصلاة على محمد واله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين.

_________________________________________________________

ملاحظة حول حديث (اصحابي كالنجوم بايم اقتديتم اهتديتم) من كتب اهل السنة.
* قال فيه ابن القيم الجوزي : حديث موضوع, راجع كتاب (اعلام الموقعين ج 2 ص 223)
* الذهبي قال فيه : حديث ضعيف وقال في راوي الحديث : (ومن بلاياه حديث اصحابي كالنجوم).... راجع كتاب (ميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص 412)
* قال ابن تيمية: (حديث اصحابي كالنجوم ضعفه ائمة الحديث فلا حجة فيه.)
على الرغم من قول مراجع الجمهور أعلاه في حديث (أصحابي كالنجوم بأيم أقتديتم أهتديتم) فأن الكاتب المصري خالد محمد خالد كتبه على غلاف كتابه (رجال حول الرسول), فتأمل!