السؤال: 

سؤال يتعلق بإصطلاح "الصحابة" متى ظهر وما سبب ظهوره، ولكن اريد أن يكون الجواب ناظرا الى هذه النكتة التالية: 
هناك تسمية "اصحاب محمد" صلى الله عليه وآله، فهي تكاد تختص بالمهاجرين والانصار تقريبا، لكن الغريب أنها قد توسعت لكل من رأى و أسلم، فشملت كل من خطب بهم في حجة الوداع سواء من منافقين او طلقاء مكة وغيرهم من الاعراب، فمنذ متى بدأ هذا التوسع في حين أنه قديما كما في رواية ابن جرير الطبري حول الآية:  (( مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ))، فكان ابن مسعود يقول: ما شعرت أن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرَضَها حتى كان يوم أحد.
وهكذا رواية لا تسبوا اصحابي لديهم فيها أن المعترض يقول وهو خالد بن الوليد: ((تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها)) وأنه جاء الجواب: ((دعوا لي اصحابي)) وأنهم لا يبلغون مهما انفقوا او عملوا "مد أحدهم ولا نصيفه" هذا وخالد تأخر اسلامه الى ثمانية للهجرة تقريبا، ورغم شهرته عندهم فالمفترض على هذه الرواية أن لا يقال له صحابي فكيف بغيره ممن تأخر أكثر من ذلك ولا يعرف بشيء، بل وحتى إلى زمن ابن زياد حين رأى ابو برزة قادما قال: " إن محمديكم هذا لدحداح فسمعها الشيخ فقال: ما ظننت أني أعيش حتى أعير بصحبة محمد...". 
فالصحبة واصحاب النبي صلى الله عليه وآله كان مختصة بالمهاجر و الانصاري تقريبا، فمتى ظهر مصطلح "صحابة" وبتوسع لا يقبله أهل ذلك العصر؟
السؤال من المعروف في زماننا المقابلة بين هذه اللفظة "صحابة" وبين أهل البيت عليهم السلام، لكن أجد أن هناك هدف أيضا وهو إذابة الفارق بين اصحاب الفضيلة وبين الطليق والمنافق، فالكل واحد، وهذا يذكرنا بحادثة محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله حين يروون أفلا تأمر بقتلهم فقال "أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل اصحابه".
وأيضا يذكرنا بأحاديث الحوض وأن فيه لفظ أصحابي وهم يأمر بهم الى النار.
الخلاصة: أليس الهدف الأول هو إذابة المنافقين الأوائل من طبقة المهاجرين والانصار ليصبحوا مستبعدين من حادثة الاغتيال واحاديث الحوض بل يشركهم في هذا جميع الامة وقتها تقريبا؟ والهدف الثاني إعطاء الحصانة للطلقاء والاعراب واعوان السلطة الانقلابية وما تهلاها من اتباع الاموية؟ فمتى بدأ التلاعب بهذه المكانة "الصحبة" ان صح التعبير، وتوسعتها لتشمل الآلاف والآلاف من البشر؟ وكيف تم ذلك؟


الجواب:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أولاً:

لعله ينفعك في المقام ويؤيد ما تفضلت به ما قاله ابن حزم الظاهري في المحلى (11/223): قال ابو محمد: قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى التوفيق انه لا خلاف بين أحد من الأمة في أنه لا يحل لمسلم ان يسمي كافرا معلنا بأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنه من أصحاب النبي عليه السلام وهو عليه السلام قد أثنى على أصحابه فصح انهم أظهروا الاسلام فحرمت بذلك دماؤهم في ظاهر الامر وباطنهم إلى الله تعالى في صدق أو كذب فان كانوا صادقين في توبتهم فهم أصحابه حقا عند الناس ظاهرهم وعند الله تعالى باطنهم وظاهرهم فهم الذين أخبر رسول الله صلى اله عليه وسلم انهم لو انفق أحدنا مثل أحد ذهبا ما بلغ نصيف مد أحدهم وان كانوا كاذبين فهم في الظاهر مسلمون وعند الله تعالى كفار.... الخ. أ هـفابن حزم يبين ان حكمهم هذا على الصحابة وتعديلهم انما هو ظاهري فحسب وليس واقعيا وهذه مسالة مهمة اذ يمكن خدشها ونقضها.


ثانياً:

يظهر من مجموع مروياتهم في لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند استخدامه لهذا المصطلح (الصحبة) ليس فيه تقديس ابدا بل هو وصف حال ليس الا.
فيجب حمل ما فيه مدح على تقييده بالاصحاب المخلصين الصادقين دون الاستعمال العام في لسان الشارع.
حيث ان عندنا استعمالين للاصحاب في كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) استعمال عام واستعمال خاص.
اما العام فهو مثل ما ورد حاكيا عن صحبتهم للنبي (صلى الله عليه وآله) ومشاهدتهم له والصلاة خلفه والخروج للقتال معه فيكونون كل من امن به او حتى اسلم له ولو ظاهرا مشمول في هذا اللفظ فيدخل فيه ما كان (صلى الله عليه وآله) يقوله لاصحابه حينما يريدون قتل واحد منهم مثل عبدالله بن ابي ابن سلول: دعه او لا تفعل او لا تقتله لا يتحدث الناس ان محمدا (صلى الله عليه وآله) يقتل اصحابه.
فاطلقها (صلى الله عليه وآله) على راس النفاق المعلوم نفاقه للجميع وحذر (صلى الله عليه وآله) بان الناس سيجعلونه من اصحابه المخلصين ويشوشوا الحقيقة على الناس وهذا ما يفعله اهل السنة بالضبط حينما جعلوا المنافقين او الفساق ممن صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورآه من الصحابة الذين لا يجوز نقدهم او تجريحهم او بيان حالهم وكشف امرهم وحقيقتهم.
وكذلك اطلقها (صلى الله عليه وآله) على الخارجي ذي الخويصرة الذي اتهم النبي (صلى الله عليه وآله) بعدم العدل في العطاء والعياذ بالله فطلب احدهم قتله فقال (صلى الله عليه وآله): معاذ الله ان يتحدث الناس اني اقتل اصحابي (او: ان تتسامع الامم ان محمدا يقتل اصحابه) وغيرها فهي جاءت هنا بمعنى عموم الاتباع ظاهراً ممن تشهد الشهادتين ليس اكثر.


ثالثاً:

الصحابة انفسهم لا يوجد عندهم هذا المصطلح وهذا المفهوم ولم يعيروا له اية اهمية فكان احدهم يكذب الآخر او يرميه بالنفاق او يقاتله او يلعنه.


رابعاً:

الله عز وجل ذكر في كتابه ان ممن حول النبي (صلى الله عليه وآله) منافقين كثر قد يعلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باعيانهم وقد يعلمهم بلحن القول وقد يعلمهم من اعمالهم واقوالهم وقد لا يعلمهم ولا يعلم بنفاقهم اصلا، حيث حجب الله تعالى عنه نفاقهم ليصبر على صحبتهم فلعله قد حجب علمه بهم لكونهم قريبين جدا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأفة ورحمة برسول الله (صلى الله عليه وآله) حجب الله تعالى عنه العلم بهم حيث قال عز وجل: (( وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم )) (التوبة:101) وكذلك مثل قوله عز وجل قائل (( أَم حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَن لَن يُخرِجَ اللَّهُ أَضغَانَهُم * وَلَو نَشَاءُ لَأَرَينَاكَهُم فَلَعَرَفتَهُم بِسِيمَاهُم وَلَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ وَاللَّهُ يَعلَمُ أَعمَالَكُم )) (محمد:29-30).
وقال تعالى (( إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيمَانَهُم جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُم آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لَا يَفقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِم هُمُ العَدُوُّ فَاحذَرهُم قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ )) (المنافقون:1-4). وقال عز وجل في وصفهم ايضا: (( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُل أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا قُل لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ )) (الحجرات:15-17). وقال تعالى ايضا في نفس هذا النسق: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازدَادُوا كُفرًا لَم يَكُنِ اللَّهُ لِيَغفِرَ لَهُم وَلَا لِيَهدِيَهُم سَبِيلًا )) (النساء:137).
ففي كل ما تقدم في وصف المنافقين يتبين ان المنافقين لم يكونوا دائما كفارا ومتظاهرين بالاسلام وانما الاعم الاغلب منهم وممن حذر الله تعالى رسوله منهم هم يؤمنون ويكفرون ويؤمنون ويكفرون او كانوا يرتابون او يتفاخرون باسلامهم او ايمانهم او جهادهم وما الى ذلك من اعمال كالصدقات وغيرها وهذا يكشف الفرق الشاسع بين فهم العامة والشيعة لمفهوم المنافق ومفهوم الصحابي الذي جعلوا له الحصانة الكاملة لمجرد الصحبة مع امتلاء القرآن الكريم بالحديث عنهم والتحذير منهم.


خامساً:

ولعل مالك بن انس هو الذي ابرز عدالة جميع الصحابة عندهم كما ورد في تفسيرهم لقوله تعالى: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضوَانًا سِيمَاهُم فِي وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُم فِي التَّورَاةِ وَمَثَلُهُم فِي الإِنجِيلِ كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ ... )) (الفتح:29) حيث اسس لعدالة جميع الصحابة والطعن على الشيعة او الاعم مثل المعتزلة والخوارج وكل من يتبنى هذه الرؤية البديهية من خلال الاستفادة من هذه الاية الكريمة فقال دون غيره ممن فسرها من الصحابة والتابعين والمفسرين المتقدمين عليه حيث ورد عنه انه قال عن رجل كان يتبغض اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اصبح وفي قلبه غيظ على اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد اصابته هذه الاية وهو قوله: (( لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ )).
راجع تفسير السمعاني (5/211) وتفسير البغوي (4/207) وزاد المسير لابن الجوزي (7/175). 
ومن ثم اخذ عن مالك مثل الشافعي حيث قال: لا آمن ان يكونوا قد ضاهوا الكفار - يعني الرافضة - لان الله تعالى يقول: (( لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ )).
وبالتالي فان جعل الرافضة ام من يبغض صحابياً او عموم الصحابة انما هو كافر وهو مصداق او مقصود من هذه الاية الكريمة يمكن ان يكون قد ظهر في عصر هؤلاء المتاخرين كمالك والشافعي والا فلماذا يخصصون من يبغض علياً (عليه السلام) او يسبه او يلعنه او يقاتله بأنه لا يدخل في عموم حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يبغضك الا منافق) مع كونه عام في كل من يبغضه بكل وضوح ثم يعممون هذه الاية فيجعلون كل من يبغض او يسب او لا يتولى صحابياً او صحابيين مصداقا لهذه الاية وانه كافر؟!! ويغضون النظر عن النواصب الذين يبغضون أمير المؤمنين (عليه السلام) فيجعلونهم اكثر الامة ايمانا ووثاقة وعدالة ويأخذون عنهم دينهم؟! فهل علي (عليه السلام) عندكم أقل من معاوية ومن على شاكلته؟!
علما ان سب الصحابة كان موجودا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن الصحابة ايضا كما ورد في صحيح مسلم (7/188) عن أبي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تسبوا أحدا من أصحابي....
وفي صحيح البخاري (4/195) بنفس الراوي ومن دون القصة قال ابو سعيد فيه: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لا تسبوا اصحابي....
وعند مسلم ايضا (5/93) ان ابا ذر قال: إنه كان بيني وبين رجلين من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكاني إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلقيت النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبا ذر انك امرؤ فيك جاهلية قلت يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه... وهذا يعني أن ذاك الصحابي قد سب أبا ذر فرد عليه أبو ذر بأن عيره بأمه!! وعن خالد بن الوليد قال: ما عملت عملا أخوف عندي على أن يدخلني النار من شأن عمار... فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من يحقر عمارا يحقره الله ومن يسب عمارا يسبه الله ومن ينتقص عمارا ينتقصه الله فخرجت فاتبعته حتى استغفر لي، فى رواية ومن يعاد عمارا يعاده الله. قال الهيثمي في مجمع زوائده (9/294): رواه الطبراني مطولا ومختصرا باسانيد منها ما وافق احمد ورجاله ثقات.
بل اعترف عمرو بن العاص ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحب عمار بن ياسر فلا يدخله الله النار ولم يكن عمرو يعلم انه (صلى الله عليه وآله) محبا له ام لا بل قال: لعله كان يتألفني او قال: الله اعلم.
ثم ان عمار بن ياسر الممدوح جدا كما رأيناه قام بسب عثمان بعد ذلك واختلف معه كثيرا حيث قال ابو العادية او ابو الغادية: كنا نعد عمارا من خيارنا حتى سمعته يوما في مسجد قباء يقع في عثمان قلت: فلو خلصت إليه لوطأته برجلي فما صليت بعد ذلك صلاة الا قلت اللهم لقني عمارا فلما كان يوم صفين استقبلني رجل يسوق الكتيبة فاختلف انا وهو ضربتين فبدرته فضربته فكبا لوجهه ثم قتلته. قال الراوي: فلم ار رجلا ابين ضلالة منه.


قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/298): رواه كله الطبراني وعبدالله باختصار ورجال احد اسنادي الطبراني رجال الصحيح، وصححه الالباني في الصحيحة (ح 2008). 
وسب معاوية والمغيرة ومعاوية بن حديج لعنهم الله لامير المؤمنين (عليه السلام) امر واضح وثابت وكلهم صحابة وكذلك القنوت واللعن في الصلاة من قبل امير المؤمنين (عليه السلام) لمعاوية وعمرو بن العاص واخرين معه، وفي المقابل لعن معاوية (لعنه الله) لامير المؤمنين (عليه السلام) وللحسنين (عليهما السلام) سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن عباس وقيس بن سعد والاشتر.
كما قال ابن حزم في المحلى (4/145): (ولا قنت عليٌّ حتى حارب اهل الشام فكان يقنت في الصلوات كلهن وكان معاوية يقنت ايضا يدعو كل واحد منهما على صاحبه).


وقد روى الطبراني في تاريخه (4/52) وابن الاثير في كامله (3/333) وابن كثير في البداية والنهاية (7/315) ولم يصححه ابن كثير واللفظ للطبري قال: ثم انصرف عمرو واهل الشام الى معاوية وسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس وشريح بن هانئ الى علي وكان اذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمرا وابا الاعور السلمي وحبيبا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد فبلغ ذلك معاوية فكان اذا قنت لعن عليا وابن عباس والاشتر وحسنا وحسينا.


 وراه ابن كثير بلفظ: ان عليا لما بلغه ما فعل عمرو كان يلعن في قنوته معاوية وعمرو بن العاص وابا الاعور السلمي وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد والوليد بن عقبة فلما بلغ ذلك معاوية كان يلعن في قنوته عليا وحسنا وحسينا وابن العباس والاشتر النخغي ولا يصح والله اعلم. أ هـ 


مع اننا شاهدنا ابن حزم المتقدم على ابن كثير والمتشدد اكثر منه يثبت هذه الحادثة ويجعلها من المسلمات فيرويها جازماً ولكن لعن الله الهوى: فتبين انه لا وجود لهذه القداسة للصحابة عند الصحابة انفسهم كما نرى.


سادساً:

الله (عز وجل) وبخ الصحابة كثيرا في عشرات السور ومئات الايات القرانية وتكلم عن المنافقين فيها والذين في قلوبهم مرض والسماعين لاهل الريب والنفاق والكفر والمرتدين عدة مرات والفاسقين فقال الله (عز وجل) بوجود الفاسقين في الصحابة فكيف نصدق انهم كلهم عدول وكلهم متقون وكلهم مجتهدون ماجورون مهما فعلوا؟! 
فقال عز وجل مثلا: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ )) (الحجرات:6) والفاسق هنا الوليد بن عقبة وهو صحابي! وكذلك قال عز من قائل: (( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكثَرُهُم لَا يَعقِلُونَ )) (الحجرات:4). وكذلك قال جل وعلا: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازدَادُوا كُفرًا لَم يَكُنِ اللَّهُ لِيَغفِرَ لَهُم وَلَا لِيَهدِيَهُم سَبِيلًا * بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا )) (النساء:137-138).


سابعاً:

كذلك في حديث الحوض يبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان من صحبه لا حصانة لهم ولذلك سيردون عليه الحوض فيذادون عنه فيقول اصحابي فيقال له: انك لا تردي ما احدثوا بعدك انهم ارتدوا على اعقابهم القهقرى فاقول: سحقا لمن بدل بعدي فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم.
 وكذلك قال عن احد الصحابة ممن بايع في الحديبية وهو ابو الغادية قاتل عمار بن ياسر: (قاتل عمار وسالبه في النار). صححه الالباني.
وعن ابي يونس قال: كنت تاجرا بالمدينة فاذا قدمت المدينة سألني ابو هريرة عن سمرة بن جندب واذا قدمت البصرة سالني سمرة عن ابي هريرة فقال ابو هريرة (كنا سبعة) في بيت فدخل علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: آخركم موتا في النار، فلم يبق الا انا وسمرة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/290): رواه الطبراني في الاوسط وفيه علي بن زيد بن جدعان وقد وثق وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقال البراء بن عازب للمسيب بعد ان قال له المسيب: طوبى لك صحبت النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعته تحت الشجرة فقال: يا ابن اخي انك لا تدري ما احدثنا بعده.
اخرجه البخاري (5/66) وهو صريح في فهم الصحابي لحديث الحوض انه يتكلم عنهم وليس على غيرهم ممن لم يروا النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يرهم (صلى الله عليه وآله) كما يحلو للمحرفين فعله مع الحديث ولذلك بيّن (صلى الله عليه وآله) المقصودين فنقلت الفاظ تدل على ذلك في بعض الطرق مثل: (حتى اذا عرفتهم وعرفوني) و (انك لا تدري ما احدثوا بعدك) و (لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم). و (ان اناسا من اصحابي) و( فاقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم) و(يؤخذ من اصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال فاقول يا رب اصحابي) و (ليردن علي ناس من اصحابي ) و (ليردن علي اقوام اعرفهم ويعرفوني)... الخ 


فالنبي (صلى الله عليه وآله) سيد البلغاء وافصح من تكلم بالضاد لم يقل للصحابة ولو مرة واحدة ان من يرد عليه الحوض (اقوام من امته ممن ياتون بعده) ابدا وهذا يكفي والله بل صرح في صحيح مسلم (7/70) بقوله (صلى الله عليه وآله): ليردن علي الحوض (رجال ممن صاحبني) وعند احمد في مسنده (5/48) بلفظ: (رجال ممن صحبني ورآني).
فلعنة الله على المعاندين المحرفين الضالين المضلين بعد كل هذا البيان المبين!
ثامناً: عموما اخي العزيز فالفكرة جيدة والبحث قيم وحبذا لو تكملوه وتحققوا فيه اكثر لعل الله ينفع به. 
ودمتم في رعاية الله

نقلا عن موقع مركز الأبحاث العقائدية