بقلم: الأستاذ صالح الورداني 

 

 

هل الوجود السني يسبق الوجود الشيعي في مصر..؟

 

الجواب: لا 

الوجود الشيعي يسبق الوجود السني.. ويسبق الدولة الفاطمية أيضاً.. وهو ما يشهد به التأريخ..
أن الوجود الشيعي ارتبط بالإمام علي..
ولم يكن في عصر الإمام علي في مصر أو في غيرها مذاهب من أي نوع..
كانت هناك تيارات تخاصم علياً وأهل البيت وتناصر معاوية..
إلا أنه في البداية يجب أن نوضح حقيقة هامة وهى أن المصريين ليسو سنة بالمفهوم المذهبي السائد..
وإذا أردنا أن نحدد من هم السنة في مصر فإنه يمكن حصرهم في محيط الفرق السلفية والتكفيرية والقتالية..
وفي محيط الأزهر..
أما الشارع المصري فيخلو تماماً من المظاهر السنية التي تبدو بوضوح في تلك البلاد الطائفية كسوريا ولبنان والعراق..
والمصري لا يعرف المذهب المالكي أو الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي وهو يسمع عنها فقط..
وهذه المذاهب هى محصورة في دائرة الأزهر وبعض الطرق الصوفية..
والفرق السلفية والتكفيرية والقتالية لا تعترف بها..
أما ممارسات المصريين وطقوسهم وشعائرهم فهى أقرب الى الشيعة منها الى السنة..
 وهو ما يكشف لنا في النهاية أن تلك الموجات المذهبية السنية التي مرت على مصر لم تؤثر في الشخصية المصرية.. 
والمتتبع لتأريخ المذاهب السنية في مصر يمكن أن يكتشف ذلك بسهولة..
سوف يكتشف أن التشيع هو السابق والمذاهب السنية هى  اللاحقة..
وأن مذاهب السنة أو فكرة أهل السنة والجماعة لم تكن بارزة في مصر طوال فترة الحكم الأموي والعباسي..
والظاهر أنه كانت هناك محاولات حكومية طوال فترة القرن الثاني لتسويق مذهب مالك عن طريق 
جلب عناصر خارجية لتولي القضاء والمناصب الشرعية قبل وصول الشافعي لمصر في أواخر القرن الثاني..
إلا أن الدور الذي لعبته القبائل العربية الموالية للإمام علي التي استقرت بمصر..
ووصول السيدة زينب إلى مصر في النصف الثاني من القرن الأول، ثم السيدة نفيسة في القرن الثاني.. 
 وتتابع الطالبيين من ذرية أهل البيت واستقرارهم بها، قد أحدث تغيراً كبيراً في الساحة الإسلامية ودعم فكرة الولاء  والتبعية لأهل البيت..
وقد جسد لنا المقريزي الحركة المذهبية في مصر بقوله: 
وأما مذاهب أهل مصر: ذكر أبو عمرو الكنديّ أن أبا ميسرة عبد الرحمن بن ميسرة مولى الملامس الحضرميّ كان فقيهاً عفيفاً شريفاً، ولد سنة عشر ومائة..
وكان أوّل الناس إقراء بمصر بحرف نافع قبل الخمسين ومائة، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة..
وذكر عن أبي قبيل وغيره أن يزيد بن أبي حبيب أوّل من نشر العلم بمصر في الحلال والحرام ، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدّثون في الفتن والترغيب..
 وكان عمر بن عبد العزيز قد جعل الفتيا بمصر إلى ثلاثة رجال، رجلان من الموالي ورجل من العرب..
فأما العربيّ فجعفر بن ربيعة، وأما الموليان فيزيد بن أبي حبيب، وعبد الله بن أبي جعفر، فكأن العرب انكروا ذلك..
وذكر أبو عمرو الكنديّ أن أبا سعيد عثمان بن عتيق مولى غافق، أوّل من رحل من أهل مصر إلى العراق في طلب الحديث، توفي سنة
 أربع وثمانين ومائة..
 وكان حال أهل الإسلام من أهل مصر وغيرها من الأمصار في أحكام الشريعة على ما تقدّم ذكره، ثم كثر الترحل إلى الآفاق وتداخل الناس 
والتقوا وانتدب أقوام لجمع الحديث النبويّ وتقييده..
وأوّل من قدم بعلم مالك: إلى مصر عبد الرحيم بن خالد بن يزيد بن يحيى مولى جمح، وكان فقيهاً روى عنه الليث وابن وهب ورشيد بن سعد، وتوفي بالإسكندرية سنة ثلاث وستين ومائة..
ثم نشره بمصر عبد الرحمن بن القاسم، فاشتهر مذهب مالك بمصر أكثر من مذهب أبي حنيفة لتوفر اصحاب مالك بمصر..
ولم يكن مذهب أبي حنيفة يعرف بمصر.. 
ولم يزل مذهب مالك مشتهراً بمصر حتى قدم الشافعيّ في سنة ثمان وتسعين ومائة..
وقدم إسماعيل بن اليسع الكوفيّ قاضياً بعد ابن لهيعة، وكان من خير قضاتنا، غير أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن أهل مصر يعرفون مذهب أبي حنيفة..
ولم يزل أهل مصر على الجهر بالبسملة في الجامع العتيق إلى سنة ثلاث وخمسين ومائتين..
 ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم بن خاقان أمير مصر من الجهر بالبسملة في الصلوات بالمسجد بتركها، وذلك في رجب سنة ثلاث وستين ومائتين..
ولم يزل أهل مصر على الجهر بها في المسجد الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها أرجون..
وما زال مذهب مالك ومذهب الشافعيّ يعمل بهما أهل مصر، ويولى القضاء من كان يذهب إليهما أو إلى مذهب أبي حنيفة ، إلى أن جاء القائد جوهر من بلاد إفريقية في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة بجيوش مولاه المعز لدين الله أبي تميم معدّ وبنى مدينة القاهرة..
فمن حينئذ فشا بديار مصر مذهب الشيعة وعمل به في القضاء والفتيا وأنكر ما خالفه، ولم يبق مذهب سواه.. 
وقد كان التشيع بأرض مصر معروفاً قبل ذلك..
 قال أبو عمرو الكنديّ في كتاب الموالي عن عبد الله بن لهيعة: قال يزيد بن أبي حبيب: نشأت بمصر وهي علوية، فقلبتها عثمانية[ انظر المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ج4 ذكر مذاهب أهل مصر ونحلهم..].. 
ويبدو لنا أن المقريزي أغفل دور السيدة نفيسة التي وفدت في أواخر القرن الثاني وتتلمذ الشافعي على يديها ولما مات صلت عليه.. 
كذلك أغفل العديد من رموز الأشراف من أبناء الرسول (ص).. 
إلا أن المقريزي أقر بأن التشيع كان فاشياً في مصر قبل ظهور هذه المذاهب..
والجهر بالبسملة في الصلاة هى علامة على وجوده..
 ومنع أرجون لها يكشف لنا محاولات الحكام الدائمة للتعتيم على أهل البيت وعلومهم..
ويظهر لنا من خلال هذه الفترات أن شخصيات المذهب المالكي والشافعي كانت وافدة من الخارج وتم دعمها من قبل الحكام.. 
 ولايزال الكثير من أعيان الشيعة آثارهم باقية حتى اليوم..
ولا زالول يلقون بظلالهم على الحاضر..
وعلى رأس هؤلاء محمد بن أبي بكر ومالك الأشتر والسيدة زينب وزين العابدين والسيدة نفيسة..
هذا بالإضافة الى ظلال الحسين الممتدة والباقية.. ومشاهدهم معروفة تهفو إليها قلوب الناس