حوار مع المحامي السوداني عبد المنعم حسن

في البدء أحس برودة تلفح وجهه وبرعدة تنتاب أوصاله في يوم حار من أيام فصل الصيف القائظ في السودان.. وشعر أن درجة الحرارة العالية تدنت إلى ما دون الصفر... وبرهة مرت ثم شعر بدفء الحقيقة.. وبنور ينكشف أمامه... إنها بريق الحقيقة.. ومن يومها بدأ في السير بالاتجاه الصحيح.. هذا ملخص لما قدم له المستبصر بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) الكاتب والمحامي السوداني العلامة السيد عبد المنعم حسن (حفظه الله) في كتابه الموسوم (( بنور فاطمة اهتديت )) والذي يسجل فيه تجربته الإيمانية المباركة في الاستبصار.. وهنا لنا وقفة معه للمحاورة والولوج في خضم هذه التجربة من خلال هذا اللقاء الذي أجراه مندوب موقع المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) عامر الحسيني وإليكم أعزائي القراء المؤمنين نص اللقاء مع قبول دعائنا لكم بالتوفيق..

● بداية نرجو من سماحتكم أن تذكروا بشيء من الإيجاز عن سيرتكم الذاتية الكريمة؟

- ولدت في عام 1969 في قرية صغيرة تسمى (سحار) بشرق السودان... درست فيها شطراً من الابتدائية ثم توفي والدي (رحمه الله) فانتقلنا إلى موطن آبائي قرية تقع على نهر النيل بشمال السودان تسمى (الكريه) وأكملت فيها الابتدائية ثم انتقلت أسرتي إلى مدينة بور السودان فأكملت فيها تعليمي (المتوسطة والثانوية) ودخلت كلية الحقوق جامعة القاهرة بالخرطوم..
وتخرجت إلا أنني لم أعمل بالمحاماة أو غيرها من المهن القانونية، إذ من العمل العام كان هو الغالب على حياتي، فأصبحت رئيساً للاتحاد العام للطلاب السودانيين في الولاية الشمالية ثم قررت الانتهال من معين علوم أهل البيت (عليهم السلام) فتوجهت للدراسة الحوزوية بحوزة القائم (عج).

سؤالنا الأول :

عن الموقف التاريخي الذي دعاك إلى مراجعة شاملة والتحقيق من المذهب السابق الذي كنت عليه ومواجهته مواجهة جريئة هل لكم أن تحدثونا بشيء عن هذا الموقف؟

- هو غضب الزهراء J وموقعها تجاه المغتصبين للخلافة ذلك الغضب المقدس الذي زلزل كياني وبدل قناعاتي.. لماذا غضبت الزهراء بنت المصطفى؟! لماذا منعت حقها وكذبت؟! أيعقل هذا؟ أجواء تاريخية متوترة وأحداث مؤسفة والرسول لم يقبر والجرح لمم يندمل... عدة علامات استفهام حول مظلومية الزهراء J هي التي أخذتني إلى جادة الطريق المستقيم.

● تصف في كتابك الموسوم (بنور فاطمة اهتديت) تصف في إهداء كتابك فاطمة بأنها الشمعة التي أخذتك إلى حيث الهداية.. هل لكم أن توضحوا لنا ذلك؟

- كل إنسان يملك بداخله قبس من نور يدله على الحق ويدفعه إليه ولكن ريح الأهواء والشهوات وإتباع الظن يغطي على ذلك النور فيحتاج الإنسان إلى نوع من التذكر والانتباه. وفاطمة J أصل ذلك النور، أحسست به دائماً من داخلي، ولكن حجبت دونه بما ورثته وبما ألفيت عليه مجتمعي.. فكانت وقفتها التي رفضت فيها الباطل ناقوساً لفت انتباهي لذلك النور ليزداد ضياؤه في داخلي، وكلما اتسعت دائرته كنت أقترب من الحقائق أكثر فأكثر فأزداد إشراقاً وهداية لأتلو آيات الوحي بنور فاطمة J وأتدبر كلمات أبيها (صلى الله عليه وآله) ببصيرة، وهكذا كانت فاطمة النور الذي كشف لي بداية الصراط المستقيم.

عودة إلى الذاكرة قليلاً.. فأسألك عن أولى خطواتك في الاتجاه الصحيح هل هي أصعب لحظات العمر؟!!

- بمقدار أهمية اللحظة التي يعيشها الإنسان يكون انفعاله وتفاعله، وقضية المعتقد والدين هي الأهم على الإطلاق في حياتنا، واتخذت موقفاً حيالها لا بد أن يواكبه ما لا ينسى طوال الحياة.. خصوصاً الانتقال الذي عشته والذي يعني التخلي عن كثير من الأمور المرتبطة بذاتي من تربية وتعليم وميراث كما يعني مخالفة مجتمعي وأهلي وعشيرتي.. إنها حقاً أصعب اللحظات، ولكنها عند الوصول إلى شاطئ اليقين أحلى من الشهد، وما أقدمت عليه يستحق ذلك، بل هو ثمن زهيد لنعمة كبرى ونعيماً أبدياً بإذن الله تعالى.

من هي الشخصية التي أثرت فيك أولاً في اتجاه التشيع؟

- هناك شخصيتان لن أنسى فضلهما ما حييت كان لهما الدور الأكبر من هدايتي وتربيتي على حب أهل البيت عليهم السلام .
الأول: ما ذكرته من حقيقة كتابي وهو من تشيعت على يديه أحد أقربائي واسمه (عماد) كان حقاً نموذجاً للموالين لأهل البيت J ولاءً وتديناً وزهداً فأثر عليَّ بروحه قبل الدليل والبرهان. وأتعب نفسه كثيراً ليوصلنا إلى التشيع وكان أصدقاءه المتشيعين يشيرون إليه بعدم فائدة الحديث معنا لهدايتنا إلا أنه كان مصراً فبالغ لنا من الحوار والحديث حتى اهتدينا.. أنا ومجموعة أخرى. بل له الفضل لهداية الكثير من الشباب إلى مذهب الحق رغم الظروف القاسية التي يعيشها.
أما الشخصية الثانية التي لها الفضل على السودان أولاً وعلي ثانياً فهو أستاذي آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله) الذي اختلفت إليه كثيراً فما جلست إليه إلا وانصرفت عنه وأنا أكثر بصيرة في ديني وأشد حباً لأهل البيت ولو لم يكن للشيعة إلا مثل هذا العالم الجليل وأمثاله من المراجع كفاهم حجة على العباد.

(بنور فاطمة (ع) اهتديت) في صدد هذا العنوان هنالك من يقول وبالذات من السلفيين إن الزهراء عليها السلام غيرت موقفها تجاه الأوضاع التي سادت بعد وفاة أبيها، منطلقة من عواطفها ومنحازة إلى زوجها.. ما هو تعليقكم على ذلك؟

- في الواقع أن اختلاف المعايير والموازين التي تورث خللاً عند تعاطينا مع القضايا التاريخية، ولأن هؤلاء جهلوا فاطمة J فتصوروا أنها قد تدخل إلى الباطل - والعياذ بالله - من أوسع أبوابه جرياً وراء عاطفتها.. والقول في هذا الكلام يلازم الطعن في النبي (صلى الله عليه وآله) ومقامه المقدس وكأنه ينطق عن هواه - حاشاه - لقد مدح النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة J وقرن غضبها بغضب الله عز وجل في الحديث المشهور: (يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك..) والرسول لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إذاً إن كل غضب تغضبه فاطمة هو لله ليس ذلك فقط بل يغضب الله لغضبها، وهذا كاف وأبلغ به حجة على من يقول أن فاطمة يمكن أن تغضب جرياً وراء عاطفتها بل الحد الأدنى من الإيمان بحجزنا عن الجري وراء عواطفنا بغير حق فكيف وهي فاطمة.
ـ أيضاً هؤلاء السلفيون يصورون الزهراء J امرأة كسائر النساء لا تمتاز عنهن بشيء سوى أنها بنت النبي (صلى الله عليه وآله) ؟.
أعداء الإسلام يريدون تجريده من كل رمز، وتفريقه من كل قدوة ليست لهم الواقع يضربون في الإسلام من حيث يشعرون أو لا يشعرون.. لقد مدح الله تعالى في كتابه نساء من الأمم السابقة في كتابه المجيد مثل آسيا بنت مزاحم ومريم بنت عمران وهذا يعني أن الرسالات السابقة استطاعت صياغة نوع من النساء بلغن درجة العصمة فكيف بالإسلام الذي جاء به أفضل الأنبياء وأكملهم. أما فاطمة لقد زكاها القرآن في أكثر المواضع وآية التطهير واضحة كوضوح الشمس.. وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى - كما ذكرنا - كثيرة في فضل فاطمة J ولا أظن أن هناك مسلم يرى أن النبي (صلى الله عليه وآله) اندفع وراء عاطفته ليعطى ابنته ما لا تستحقه!

ما هي ردود الفعل التي أحدثتها هذه التجربة عليكم من قبل الأهل والمجتمع بشكل عام؟.

- ردود الفعل الذي أحدثتها هذه التجربة كانت متفاوتة إلا أنني وبحمد الله تعالى وبركات أهل البيت J تجاوزتها إلى أفضل ما يكون.

هل لديكم مناظرات عقائدية مع مفكرين من بقية المذاهب؟.

- لدينا بعض المناظرات والحوارات أوردنا بعضها في كتابنا (بنور فاطمة اهتديت) والآخر كتبناه في كتاب نقوم بتأليفه الآن.

ما هو المذهب السائد في السودان؟

- السودان يقولون مالكيه ولكن الواقع العملي لا توجد فيه حالة التمذهب والتعصب بل هنالك ثقافة دينية عامة تشد الأغلب نحو التدين والالتزام إلا أن الفترة الأخيرة وبعد دخول الوهابية إلى البلاد بدأنا نرى بعض الحالات الشاذة والدخيلة علينا.

قلت في أثناء الحديث معكم أن الساحة الإسلامية في السودان لا تتمذهب ولا تتميز بالجمود الفكري على مذهب.. هل هذا يساعد على نشر الفكر الصحيح في الوسط الإسلامي إذا بذل بعض الجهد من قبل المبلغين؟

- فالشعب السوداني ليس متعصباً ويعشق القراءة كثيراً فبقليل من الجهد من قبل المهتمين بأمر التبليغ والدعوة لأهل البيت عليهم السلام ، والعمل على إيصال الكتاب يثمر الكثير الذي لا يتصور.

ماذا عن نظرية عدالة الصحابة؟.

- عدالة الصحابة نظرية جعلت في مقابل عصمة أهل البيتJ وشتان ما بين الآيتين فالأخيرة حقيقة جاء بها القرآن وقالها النبي (صلى الله عليه وآله) وتحققت على أرض الواقع. أما نظرية عدالة الصحابة فهي تخالف القرآن الكريم كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) صرح بخلافها بل نفس الصحابة أقروا بما أحدثوه في زمن النبي وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله) والتاريخ ينبئنا عن اختلافهم ومحاربتهم لبعضهم وتكفير بعضهم البعض... وهكذا، ولقد أسس أهل السنة والجماعة كل قولهم على هذه النظرية فإذا انهارت انهار كل مبناهم.

هل من حادثة مميزة في مسيرتك الاستبصارية هذه؟

- لقد أصبحت كل حياتي مميزة ومزدانه بولاية أهل البيت J ، وما من خطوة أخطوها إلا وأشعر بهالة قدسية من أهل البيت J تحيط بي وأرجو منهم أن يقبلوني خادماً في حضرتهم.

ما مدى تأثير كتابكم في الوسط الإسلامي في السودان؟ هل هنالك ردود عليه؟.

- لا ردود على كتابي ولا على غيره من كتب المستبصرين لأنها تعبر عن الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال..
أما تأثير كتابي كغيره من نوعية هذه الكتب مؤثر جداً.. إلا أنني وللأسف لم أوزع منه بالقدر الذي كنت أتمناه.

ما هو السبيل للارتقاء بالواقع التوعوي في السودان لنشر فكر أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص وفي الأمة الإسلامية والعالم عموماً؟.

- أولاً: الاهتمام بالتواصل بين مراكز الاجتماع الديني العلمي وبين مختلف المناطق بشتى السبل خصوصاً أن وسائل الاتصال أصبحت متاحة للجميع تقريباً.
ثانياً: الاهتمام بمراكزنا الدينية وحوزاتنا العلمية وتطويرها بحيث تستطيع أن تصنع شخصية رسالية تكون قادرة على العطاء وممثلة لمنهج رباني وناطقة من القرآن الكريم وأهل البيت J .
ثالثاً: إنشاء المؤسسات خصوصاً في المناطق التي تمتلك أرضية صالحة لتقبل فكر أهل البيت J ومن هنا أناشد كل الخيرين بالتصدي مع العلماء العاملين لتأسيس المراكز الدينية في تلك المناطق لتكون مركز إشعاع وهداية.

ما هي مشاعركم في المواقع الإسلامية هل هي توازي حجم المواقع ذات الأفكار والدعايات المنحرفة؟

- هناك ما أحسه وأجده في داخلي ولا يمكن أن أصفه لكن غاية ما يمكن أن أعبر عنه إنني أشعر يومياً أنني أزداد قرباً من الله تعالى عندما التصق بأهل البيتJ وعندما أتدبر كلماتهم ازداد يقيناً بالدين وعرفاناً لهم، وإنه لو لم يكن التشيع لما كان الإسلام، وعندما أحاول تطبيق تعاليم أهل البيت عليهم السلام أجد لذة الإيمان وبرد اليقين وعندما أقرأ الأدعية المباركة والتي تفتقدها المذاهب الأخرى أشعر بحلاوة مناجاة الرب.. نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه إنه ولي التوفيق.

ما هو رأيك في المواقع الإسلامية هل هي توازي حجم المواقع ذات الأفكار والدعايات المنحرفة؟

- مع تقديرنا الكبير للمجهودات العظيمة التي تبذل في هذه المواقع إلا أننا ما زلنا في بداية الطريق ونحتاج إلى الكثير حتى نتفوق على الآخرين، وما نملكه من حق وحقيقة من المفترض أن يشجعنا لمزيد من العطاء حتى نملأ العالم نوراً ولا نعطي المجال لظلمات جهل الآخرين أن تنتشر.

 

مؤلفاته:

1- بنور فاطمة اهتديت.

2- خطوة في عمق التشيع.