محمد علي جلو _ غينيا
المولد والنشأة :
ولد عام 1969م بمدينة " سانغاريزي " في جمهورية غينيا ، وترعرع في أحضان عائلة مالكية المذهب ، تشرف بإعتناق مذهب أهل البيت (ع) عام 1990م في " سيراليون " بعد بحث ودراسة معمّقة إستغرقت عدّة أشهر.
الورود من نافذة التاريخ :
يقول الأخ محمّد عليّ :
" كان والدي مديراً لأحدى المدارس الدينية المالكية ، فألحقني بمدرسته منذ وقت مبكر ، فترعرعت منذ الصغر على حبّ المطالعة ، ونشأت عندي هواية قراءة كتب التاريخ ، لأنّ محتوى هذه الكتب يشبه القصص ومضامينها مليئة بالدروس والعبر وبعد تخرجي من هذه المدرسة التحقت بمدرسة دينية وهابية ، فواجهت في هذه المدرسة مصطلحات جديدة ، من قبيل : الرافضة ، والسلفية وغير ذلك! ، ودفعني حبّ الإستطلاع للبحث عن هذه المصطلحات ، فأخذت أتتبع الكتب المختصة بهذا المجال حتى تبيّن لي أنّ هذه المصطلحات تعني أسماء فرق لها مدارس فكرية وإتباع ، فأكتفيت بهذا المقدار من معرفة هذه المصطلحات ولم أواصل البحث لأنني كنت شغوفاً بمادة التاريخ ، فلم يكن لي إهتمام بأمور خارجة عن هذه المادة الدراسية ، وكنت أصغي بتأمل وإنتباه لما يقوله الأساتذة.وبمرور الأيام تبيّن لي أنّ التاريخ الذي ندرسه يحيطه الغموض ، وأنّ هناك أيدي تسعى لعرضه بصورة مشوشة ، فأدركت أنّ بقائي في هذه المدرسة سيحشو ذهني بأفكار ملفقة لاتطابق الواقع ، فقررت الإنتقال : إلى مدرسة أخرى.
مواجهة الحقائق المرة :
في الحقيقة كنت لا أُبالي بما تعتقده إدارة المدرسة أو إنتمائها بقدر ما كان يهمني الإطلاع على التاريخ الإسلامي الصحيح ، الذي لم تكتبه أقلام التزوير والتحريف ، فلذا سافرت إلى سيراليون وإلتحقت بإحدى المدارس الشيعية لأواصل دراستي ولاسيما مادة التاريخ بصورة متقنة ومتكاملة ، وبعد مضي فترة من الموسم الدراسي بدأت أشعر أنّ هناك إختلافاًً كبيراًً بين نهج هذه المدرسة والمدرسة السابقة لا سيما في مادة التاريخ ، فرأيت منهج هذه المدرسة يمتاز بآفاق رحبه وعمق ، وأنّ أستاذة هذه المدرسة يسعون لغربلة التاريخ المدوّن ليبيّنوا الصحيح منه والسقيم ، وبدأت أسمع أموراًً كانت جديدة بالنسبة لي رغم وجودها في مطاوي الكتب ، فأثار ذلك عندي الإستغراب! وشعرت بوجود حقائق في التاريخ الإسلامي عبثت بها بعض الأيدي لإخفائها والتعتيم عليها ، فقررت مراجعة بعض المراكز والمؤسسات الدينية والثقافية لأستقصي الآراء المختلفة لأصل إلى الحقيقة ، وكان تركيزي على كتب أبناء العامة أكثر من تركيزي على كتب الشيعة ، وقد إعترتني الدهشة عندما رأيت في هذه الكتب العامة جرأة بعض الصحابة على النبيّ (ص) ، كإتهامهم له (ص) بالهذيان ، والخطأ ، وأنّه مسحور والعياذ بالله ، كما ذهلت للصراع العنيف الذي نشب بين الصحابة بسبب مسألة الخلافة والإمامة ، فوجدت هذا الأمر يتعارض بوضوح مع الروايات التي فيها مدح لجميع الصحابة.وكان أكثر شي أثار إستغرابي هو مقولة عمر بن الخطاب : " إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها " ، فتعجبت من مقولته!! ، وقلت : في نفسي : لماذا صرح عمر بهذا الأمر؟! وكيف كانت بيعة أبي بكر فلتة؟! وأي شر ترتب عليها بحيث يقول عمر : وقى الله شرها؟! ، فقررت بعد ذلك مطالعة كتب الشيعة لأرى رأيهم في هذا المجال ، فبدأت بكتب التيجاني و ( كتاب معالم المدرستين ) ".
بيعة أبي بكر فلته! :
من الواضح أنّ كلام عمر حول بيعة أبي بكر لم يكن أمراًً إعتباطياً ، بل كان مستنداًً إلى جملة أمور ، ومن أهمها : 1 ـ إعتراف أبوبكر نفسه أنّ بيعته كانت فلتة : فقد ورد عنه ـ عقيب إستلامه للحكم ـ أنّه قال : " ألا وإني قد وليتكم ولست بخيركم ، إلاّ وقد كانت بيعتي فلتة "!.2 ـ حقد عمر على أبي بكر : فالذي يتتبع أحداث تاريخ الإسلام يجد أنّ سبب إفصاح عمر لهذه المقولة ناشىء من حقده على أبي بكر وكراهته له! ، فقد روى شريك بن عبد الله النخعي ، عن أبي موسى ، الأشعري أنّه قال : " حججت مع عمر فلمّا نزلنا ، وعظم الناس خرجت من رحلي أنا أريد عمر ، فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني ... ثم قال عمر : ألا أخبركما بأحسد قريش كلّها؟! ، قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ... قال أبو موسى : وأنا أقول في نفسي ما أظنّه يريد إلاّّ الذين كرهوا من أبي بكر إستخلافه عمر ، وكان طلحة أحدهم فأشاروا عليه إلاّ يستخلفه لأنه فظاًً غليظاًً ... وإذا هو يذهب إلى غير ما نذهب إليه منهم ، فعاد عمر إلى التنفس ، ثم قال : من تريانه؟ ، قلنا : والله ما ندري إلاّّ ظناً ، قال : ومن تظنان؟ ، قلنا : نراك تريد القوم الذين أرادوا أبابكر صرف هذا الأمر عنك ، قال : كلا والله ، بل كان أبوبكر أعق وأظلم ، وهو الذي سألتما عنه كان والله أحسد قريش كلها ، ثم أطرق طويلاًً ، فنظر المغيرة إليّ ونظرت إليه ، وأطرقنا ملياً لإطراقه ، وطال السكوت منّا ومنه حتى ظننا أنّه قد ندم على ما بدا منه ، ثم قال : والهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة! لقد تقدّمني ظالماًًً ، وخرج إلي : منها آثماًً! ، فقال المغيرة : هذا يقدّمك ظالماًًً فقد عرفناه ، كيف خرج إليك منها آثماًً؟ ، قال : ذاك لأنه لم يخرج إلي : منها إلاّّ بعد أن يأس منها ، أما والله! لو كنت أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه ، لم يتلمظ من حلاوتها بشيء أبداًً ، ولكني قدّمت وأخرت ، وصعدت وصوبت ، ونقضت وأبرمت ، فلم أجد إلاّّ الإغضاء على ما نشب منه فيها ، والتلهّف على نفسي ، وأمّلت إنابته ورجوعه ، فوالله ما فعل حتى فَغَرَ بها بَشَماً ، قال المغيرة : فما منعك منها وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها ، ثم أنت الآن تنقم وبالتأسف عليه؟ ، فقال له : ثكلتك أمّك يا مغيرة ـ إنّي كنت لأعدّك من دهاة العرب ـ كانّك كنت غائباًً عمّا هناك؟! أن الرجل كادني فكدته ، وماكرني فماكرته ، وألفاني أحذر من قطاة.إنّه لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنّهم لا يريدا به بدلاً ، فأحبّ لمّا رأى من حرص الناس عليه وشغفهم به ، أن يعلم ماعندي ، وهل تنازع إليها نفسي ، وأحبّ أن يبلوني بأطماعي فيها والتعريض لي بها ، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرض على منها لم يجبه الناس إلى ذلك ، فألفاني قائماًًً على أخمصي مستوفزاً حذراً ، ولو أجبته إلى قبولها لم يسلّم الناس إليّ ذلك ، وإختبأها ضغناً عليَّ في قلبه ، ولم آمن غائلته ولو بعد حين! مع ما بدا لي : من كراهة الناس ـ إلى أن قال : ـ فأرسل إليّ بعتاب مؤلم ، فأرسلت إليه : أما والله! لتكفّن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس ، تحملها الركبان حيث ساروا! وإن شئت إستدمنا ما نحن فيه عفواً ، فقال : بل نستديمها على أنّها صائرة إليك بعد أيام ، فما ظننت أنّه يأتي عليه جمعة حتى يردّها عليّ ، فتغافل والله فما ذكر لي بعد ذلك المجلس حرفاًًً حتى هلك ، ولقد مدّ في أمدها عاضاً عليّ نواجذه حتى حضره الموت ، وآيس منها فكإن منه ما رآيتما ... " ، فهذا ما كان يكنه " الفاروق " في صدره لصاحبه " الصديق "!! فلاعجب من قوله في بيعة الأوّل : " إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ، لكن وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فإقتلوه " ، وفي لفظ : " كانت لعمري فلتة! كما أعطى الله خيرها من وقى شرها ، فمن عاد إلى مثلها فهو الذي لابيعة له ولا لمن بايعه ":
المراد من " الفلتة " :
للفلتة عدّة معاني ، فتعني ( الخلسة ) كما قال الزمخشري : " إنّ الإمارة يوم السقيفة مالت إلى تولّيها كل نفس ، ونيط بها كل طمع ، ولذلك كثر فيها التشاجر والتجاذب ، وقاموا فيها بالخطب ، ووثب غير واحد يستصوبها لرجل عشيرته ، ويبدي ويعيد ، فما قلّدها أبوبكر إلاّ إنتزاعاًً من الأيدي ، وإختلاساًً من المخالب ... " ، ومن معانيها كما في المواقف ( الفتنة ) ، أو ( البغتة والفجأة ) كما ، عن بعض شراح البخاري ، أو ما يُندم عليه ، أو كل شي فعل من غير رويّة ، وهذا المعنى أشنع من الأوّل! ولقد كانت بيعة أبي بكر حاملة لكل هذه المعاني.
موقف الزهراء (ع) من بيعة أبي بكر :
قد أوضحت سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) أبعاد هذه البيعة سلفاً ، فقالت : " فلمّا إختار الله : لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وإطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاًً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ، ثم إستنهضكم فوجدكم خفافاًً ، وأحمشكم فألفاكم غضاباًً ، فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يقبر ، إبتداراًً زعمتم خوف الفتنة ، ( ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) ، كما بيّنت (ع) العواقب الوخيمة التي ستنجم عن هذه البيعة ـ عندما عادتها نساء المهاجرين والأنصار ـ فقالت : " ألا هلمّ فإسمع ، وما عشت أراك الدهر العجب ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث! إلى أي سناد إستندوا ، وبأي عروة تمسكوا؟ إستبدلوا الذنابى والله بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ، إلاّ أنهم المفسدون ولكن لايشعرون ، ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) ، أما لعمر إلهك لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم إحتلبوا طلاع القعب دماًً عبيطاً ، وذعافاً ممقراً ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غبّ ماسنّ الأوّلون ، ثم طيبوا ، عن أنفسكم نفساًًً ، وطامنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، وإستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً وزرعكم حصيداً ، فياحسرتى لكم ، وأنى بكم وقد عمّيت عليكم (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ) ، ومن هذا كلّه ترى عمر قال : " فمن عاد إلى مثلها فإقتلوه " ، وهو حكم موجب لسلب شرعية بيعة أبي بكر ، وبالتالي بطلان خلافته من أساسها ، بل أكثر من ذلك أنّه أمر بقتل من يعود لمثلها!.
تصريح عمر بأولوية الأمر للإمام عليّ (ع) :
إنّ عمر وأبابكر قد تسنما منصباًً لم يكن لهما ، وقد أقر عمر بذلك! ، فقد ورد عن إبن عباس قوله : " كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة ، وعمر على بغل وأنا على فرس ، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب ، فقال : أما والله ، يا بني عبد المطلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر " ، ولكن عمر رغم إقراره بأولوية الخلافة لعليّ (ع) كان كارهاًً لأنّ يوليه هذا الأمر من بعده ، فقد نقل مفتي مكّة " زيني دحلان " أنّ عمر عندما قيل له لو عهدت ، قال : " كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أولّي رجلاًًً أمركم ، يحملكم على الحقّ ، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب ـ إلى أن قال : ـ لو ولّوها علياًً سلك بهم الطريق ، فقال له إبنه عبد الله : فما يمنعك أن تستخلفه؟! قال : أكره أن أتحملها حيّاً وميتاًً.
الوقوف إلى جنب الحقيقة :
يقول الأخ محمّد عليّ جلّو :
" بعد تأكدي من مقالة عمر وتتبعي للمجريات التي سبقتها ، تبيّنت لي حقائق الأمور ، لاسيما عندما إطلعت على الأحداث التي أعقبت السقيفة ، ككشف القوم لبيت الزهراء (ع) ومعاملتهم العنيفة مع الإمام عليّ (ع) ".والجدير ذكره أنّ مسألة إنتهاك أبوبكر لحرمة دار الزهراء (ع) ليس أمراًً مستوراًً أو مخفياً ، بل هو من الأخبار المستفيضة ، حتى أن أبابكر لم ينكره ، بل إعترف به! حيث تمنى في مرضه الذي مات فيه عدم كشفه لبيتها (ع) وقال فيما قال : " إنّي لا آسي على شيء في الدنيا إلاّ على ثلاثة فعلتهن وددت إني تركتهن ... فأمّا الثلاثة اللاّتي وددت إني تركتهن ، فوددت أنّي لم أكشف عن بيت فاطمة ، عن شيء ، وإنّ كانوا قد غلقوه على حرب ... ".ويؤكّده ماذكر إبن عبد ربه الأندلسي : إنّ أبابكر قال : لعمر عندما أرسله إلى بيت فاطمة (ع) لإخراج من فيها : " وإن أبوا فقاتلهم ".ويضيف الأخ محمّد عليّ جلّو قائلاًً : " لقد أثمرت متابعاتي عن كشف الزيف الذي طلا الحقائق ، فتحطمت عندي الهالة القدسية التي كنت أتصورها لبعض الصحابة ، وذلك أنّي وجدت بعضهم أكثر الناس جرأة على رسول الله (ص) في حياته وبعد مماته ، فقد تنكروا له (ص) وروّعوا عترته ، ومن هذا قررت أتباع أهل البيت (ع) والإنتهال من ينبوعهم الصافي ونبذ ما سواه ، لأنّ العترة من أهل بيت رسول الله (ص) هم الذين نزل الكتاب في بيوتهم ، وهم الأعلم بتأويله وتنزيله ، فتشرفت بإعتناق مذهبهم عام 1990م في سيراليون ".
2021-03-30