طعنهم بالروايات المهدوية ( الشيخ الحمش إنموذجا) 

بقلم: الأستاذ مروان خليفات

خصص الشيخ عداب الحمش قسما من كتابه عن الامام المهدي ع،  لنقد المرويات الامامية المهدوية، وسأقف مع رواية واحدة حاليا ثم أعرض كلامه وتعليقاتي، ولولا مراسلة البعض لي للرد على طرحه، لما صرفت وقتي وجهدي في نقض كلامه، فهذا مثال عسى أن يكون كافيا لعشاق المعرفة والبحث .


الحديث الاول الذي نقده
روى الشيخ الكليني ( محمد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد عليه السلام : جلالتك تمنعني من مسألتك ، فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال : سل ، قلت : يا سيدي : هل لك ولد ؟ فقال : نعم ، فقلت : فإن بك حدث فأين أسأل عنه ؟ فقال : بالمدينة )
الكافي، ج ١، ص ٣٧٦
حكم الشيخ المجلسي على هذا الحديث بالصحة .
مرآة العقول، ج4 ص 6


وهذا تفصيل حال السند : 
1ـــ محمد بن يحيى ، هو محمد بن يحيى العطار، وهو ثقة لا خلاف فيه. قال الشيخ النجاشي : (محمد بن يحيى أبو جعفر العطار القمي ، شيخ أصحابنا في زمانه ، ثقة ، عين ، كثير الحديث )
فهرست اسماء مصنفي الشيعة ( رجال النجاشي )، النجاشي، ص ٣٥٤
وقال الشيخ علي النمازي الشاهرودي : ( محمد بن يحيى أبو جعفر العطار الأشعري القمي : كثير الرواية ، من مشائخ الكليني ، شيخ أصحابنا في زمانه ، ثقة بالاتفاق ) 
مستدركات علم رجال الحديث، ج ٧، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ص ٣٦٤


2ـــ أحمد بن إسحاق، وهو مشترك بين أحمد بن إسحاق الأشعري و أحمد بن إسحاق الرازي وكلاهما ثقتان . 
قال الشيخ النجاشي : ( أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري ، أبو علي القمي ، وكان وافد القميين ، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن عليهما السلام ، وكان خاصة أبي محمد عليه السلام . قال أبو الحسن علي بن عبد الواحد الخمري رحمه الله وأحمد بن الحسين رحمه الله : رأيت من كتبه كتاب علل الصوم كبير ، مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث عليه السلام جمعه ...) 
فهرست اسماء مصنفي الشيعة ، ص 92
ووثقه الشيخ الطوسي فقال : (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ... ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة خرج التوقيع في مدحهم ) 
الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 443ـــ 445
وأحمد بن إسحاق الرازي من أصحاب الإمام الهادي ع ، وثقه الشيخ الطوسي. 
الأبواب ( رجال الطوسي )، الشيخ الطوسي، ص ٣٨٣
ــــــ داود بن القاسم الجعفري 3
ثقة بلا خلاف، قال الشيخ النجاشي : ( داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أبو هاشم الجعفري رحمه الله كان عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم السلام ، شريف القدر ، ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام ) 
فهرست أسماء مصنفي الشيعة ، ص 157
وقال الشيخ الطوسي : ( داود بن القاسم الجعفري ، يكنى أبا هاشم ، من أهل بغداد ، جليل القدر ، عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم السلام ، وقد شاهد جماعة منهم الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الامر عليهم السلام ، وقد روى عنهم كلهم عليهم السلام ، وله اخبار ومسائل ، وله شعر جيد فيهم ، وكان مقدما عند السلطان . وله كتاب ...) 
الفهرست، الشيخ الطوسي، ص ١٢٤
ووثقه السيد الخوئي . معجم رجال الحديث، ج ٨، السيد الخوئي، ص ١٢٤


مع الحمش في نقده
قال الشيخ الحمش بجهالة محمد بن يحيى شيخ الكليني الذي وقع في سند الرواية المتقدمة، وهذا نص كلامه : ( وفي ترجمة أبي جعفر هذا قال الشيخ فيمن لم يرو عنهم - عليهم السلام - محمد بن يحيى العطّار، روى عنه الكليني، قمّي، كثير الروّاية... أقول - والقائل الخوئي - : تأتي له روايات بعنوان محمد بن يحيى العطّار.. وهناك ذكر عدة روايات من طريقه ثم قال: محمد بن يحيى هذا، هو محمد بن يحيى أبو جعفر العطّار المتقدّم)
انظر : المَهـديُّ المـنتظَرُ في روايات أهلِ السُنَّة والشيعةِ الإماميّة دراسة حديثيّة نقديّة، ص472
ثم عقب الشيخ الحمش : ( وأقول: ترجم السيد الخوئي محمد بن يحيى الأوّل في عشرين صفحة، ثم ترجم الثاني، وقال: محمد بن يحيى هذا مشترك، والتمييز بينهما إنما هو بالراوي، والمرويّ عنه. ويلاحَظ أنّ السيّد الخوئي لم يستطع فكّ الارتباط بين من تسمّى بهذا الاسم، فالنجاشي يقول عن محمد بن يحيى أبي جعفر العطّار: ثقة عين قميّ، وذكروا أنّه روى عن أربعة من الأئمة، ورأى الصّاحب بينما يذكره الشيخ الطوسي فيمن لم يرو عن الأئمة، ولم يلتق بأحد منهم، فما الراجح في الأمر؟ ) 
المصدر نفسه ، ص 472 ـــــــ 473


لقد خلط الشيخ ووهم، وأضاف كلاما للنجاشي من عند نفسه، هذا إن أحسنتُ الظن فيما كتبه ! 
فقوله : (ويلاحَظ أنّ السيّد الخوئي لم يستطع فكّ الارتباط بين من تسمّى بهذا الاسم، فالنجاشي ...) 
غير صحيح، فالنجاشي لم يقل عبارة : (وذكروا أنّه روى عن أربعة من الأئمة، ورأى الصّاحب) وهذا كلام النجاشي كاملا : ( محمد بن يحيى أبو جعفر العطار القمي ، شيخ أصحابنا في زمانه ، ثقة ، عين ، كثير الحديث . له كتب ، منها : كتاب مقتل الحسين [ عليه السلام ] ، وكتاب النوادر ، أخبرني عدة من أصحابنا ، عن ابنه أحمد ، عن أبيه بكتبه) فهرست اسماء مصنفي الشيعة ( رجال النجاشي )، النجاشي، ص ٣٥٤
فتقرير الحمش وتساؤله بقوله : ( بينما يذكره الشيخ الطوسي فيمن لم يرو عن الأئمة، ولم يلتق بأحد منهم، فما الراجح في الأمر؟) نابع من قصور فهمه واختلاط الأمر عليه ، فيطير سؤاله في مهب الريح لبنائه على فهم مغلوط . 
وبعد أن بينت أن النجاشي لم يذكر رواية محمد بن يحيى العطار عن الأئمة ع كما زعم الشيخ ، فأخلص إلى أنه لا تعارض بين عبارتي الشيخين النجاشي والطوسي .


اذا ما عدتُ لقول الحمش: ( ترجم السيد الخوئي محمد بن يحيى الأوّل في عشرين صفحة، ثم ترجم الثاني، وقال: محمد بن يحيى هذا مشترك، والتمييز بينهما إنما هو بالراوي، والمرويّ عنه. ويلاحَظ أنّ السيّد الخوئي لم يستطع فكّ الارتباط بين من تسمّى بهذا الاسم ) 
نجد سقطة أخرى من سقطاته، فمحمد بن يحيى الأول ترجمه السيد الخوئي تحت رقم : 12005 ثم ترجم لمحمد بن يحيى آخر تحت رقم : 12006
معجم رجال الحديث ، ج19 ص 31
ومحمد بن يحيى الثاني هو من أصحاب الصادق ع، كما نص على ذلك السيد الخوئي نفسه، فقال : (محمد بن يحيى : وقع بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات، تبلغ مائتين وواحدا وخمسين موردا،  فقد روى عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن أبي بصير، وأبي المغراء...)
فطبقته غير طبقة محمد بن يحيى العطار شيخ الكليني، لهذا أجاد السيد الخوئي حين قال : (والتمييز بينهما إنما هو بالراوي، والمرويّ عنه ) 
فقول الحمش : (ويلاحَظ أنّ السيّد الخوئي لم يستطع فكّ الارتباط بين من تسمّى بهذا الاسم) هو من أغلاطه الفاحشة، ولو اقتصر نقده للحديث على أحاديث الصحاح السنية لكان أولى وأفضل له .
فالرجل خلط بين محمد بن يحيى أحد أصحاب الإمام الصادق ع ( ت 148هـ) وبين محمد بن يحيى العطار شيخ الكليني، واين زمان الأول من الثاني الذي عاش في الغيبة الصغرى ؟ !


يروي الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى ( الثاني ) عبر واسطة لأن محمد هذا متقدم زمانا عليه وليس هو شيخه، فانظر مروياته في  أسانيد الكافي في ترجمته في معجم رجال الحديث. 
إن تمييز طبقات الرواة مما ينبغي للناقد أن يلم به لئلا يتعثر كما وقع للشيخ الحمش . 
بعد تلك المقدمات الخاطئة المغلوطة التي قررها الشيخ الحمش ، وصل لنتيجة خاطئة، ومن الطبيعي إذا كانت المقدمات خاطئة، فالنتيجة التي تبنى عليها ستكون كذاك.
حيث قال : ( الراجح أن محمد بن يحيى هذا مجهول، وليس هو العطّار، ولا الخزاز، وهو لم يلق أحداً من الأئمة، ولا يُعرف )
المصدر السابق، ص 473
هذا  منه ترجيح مبني على سوء فهم كما بينتُ، بل هو محمد بن يحيى العطار الثقة شيخ الكليني.
ثم قال : ( والسبب في هذا الترجيح، هو أن إطلاق الاسم على مسميات شتى لا توجد قرينة ترجيح بينها...)
المصدر السابق، ص 473هذا الترجيح منه مردود لبنائه على أوهام كما تقدم.


ثم تكلم الشيخ الحمش بأبي هاشم الجعفري كلاما متهالكا، فقال : ( وأمّا أبو هاشم الجعفري، فيبدو أنّه عمَّر عمر نوح عليه السلام، فقد ذكروا أنّه روى عن أبي الحسن موسى، وأبي الحسن الرضا، وأبي جعفر الجواد، وأبي جعفر الثاني محمد بن علي، وأبي الحسن علي الهادي، وأبي محمد الحسن العسكري، وذكروا أنه رأى المهديّ عليه السلام، وعاش حتى روى عنه الكليني)
المصدر السابق، ص 473


إن هفوات الشيخ عديدة وقاتلة له كونه متخصصا في علم الحديث كما يقول، من ذلك قوله : ( وعاش حتى روى عنه الكليني )!! 
فلم يوثق معلومته هذه، وقد حققت الأمر ولا صحة لما ذكره، فلم تذكر المصادر أن الكليني المتوفى سنة ( 328هـ) قد التقي بأبي هاشم الجعفري المتوفى سنة 261هـ . أو أن الجعفري من مشايخ الكليني ! أو أن الكليني روى عنه في الكافي بلا واسطة، فهل كلام الشيخ فيما ادعاه دال على قصر باعه في التحقيق ؟ !
ثم قال : ( فإذا علمنا أنّ موسى بن جعفر عليهما السلام قد اعتقل سنة تسع وسبعين ومئة، وما خرج من السجن حتى مات سنة ثلاث وثمانين ومئة فمقتضى هذا أن يكون أبو هاشم هذا قد ولد في حدود سنة ستين ومئة، وارتحل به أبوه إلى المدينة المنورة فسمع ثمة من موسى عليه السّلام. وهذا كلّه لا مانع منه، فمن الممكن أن يعيش إنسان بين عامي (160 - 280ﻫ) لكن أين معطيات الإثبات هذه؟ والتاريخ ساكت؟ )
المصدر السابق، ص 473


بعد أن استبعد الحمش طول عمر أبي هاشم اعترف أن ذلك ممكن ! لكنه طالب بالمعطيات التاريخية ! والمفروض أنه ما دام قد بحث المسألة أن يبحث هو عن الأدلة، ولا أدري كيف خفيت تلك المعطيات على المحدث الخبير الذي يتفاخر دائما بعلمه ! وظهرت لي انا طالب العلم الفقير ؟ !
قال الخطيب البغدادي ( ت 463هـ) : (داود بن القاسم بن إسحاق بن جعفر بن أبي طالب ، أبو هاشم الجعفري : حدث عن أبيه ، وعن علي بن موسى الرضي . روى عنه محمد بن أبي الأزهر النحوي وغيره . أخبرني الأزهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة . قال : وكان أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم مقيما بمدينة السلام ، وكان ذا لسان وعارضة وسلاطة ، فحمل إلى سر من رأى فحبس هنالك في سنة اثنتين وخمسين ومائتين . قلت : وبلغني أنه مات في جمادى الأولى من سنة إحدى وستين ومائتين ) 
تاريخ بغداد، ج ٨، الخطيب البغدادي، ص ٣٦٥


تبين ترجمة الخطيب هذه أن الجعفري روى عن الإمام الرضا ع، والإمام الرضا ع استشهد سنة 203هـ، ثم بقي ابو هاشم حيا إلى سنة 261هـ أي أنه عاصر بقية الأئمة : الجواد والهادي والعسكري والحجة المنتظر ع، وهو عين ما قالته الإمامية . 
هذا الاثبات التاريخي الذي خفي على الشيخ الخبير، ذكره أيضا السمعاني في الأنساب، ج٢، ص ٦٧
وقال ابن الطقطقي الرسي الحسني ( ت 709هـ) : ( وأما أبو هاشم داود بن القاسم، فكان سيدا جليلا شاعرا ،عمر طويلا، وشاهد من الأئمة عليهم السلام خمسة وهم: الرضا والجواد والهادي والعسكري والقائم عليهم السلام،ومن شعره : 
عرج على سر من راى خير منعرج * وقل سلام على ما فيك من حجج
شاهدت أربعة منهم وخامسهم * رأيته كهلال لاح منبلج
الأصيلي في أنساب الطالبيين، ص 342 ـــ 343


وقال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب، ابن حزم، ص ٧٦ : ( ومنهم أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أدرك أيام المستعين ، وليس بينه وبين جعفر ذي الجناحين - رضي الله عنه - إلا ثلاثة آباء فقط ) 
وفترة حكم المستعين العباسي هي ما بين  (248هـ - 252هـ ) .
فهل هذه المعطيات التي خفيت على الشيخ الناقد كافية له ؟
قال الحمش : ( لكلّ هذا وغيره، يصعب الحكم بصحة سند هذه الرواية )
بعد بيان تهافت النقد الذي قدمه الشيخ، تبقى الرواية المذكورة في أعلى درجات القوة، فرواتها من كبار ثقات الطائفة الذين سمع بعضهم من بعض .


انتقل الشيخ الحمش بعد طعنه بالسند إلى المتن حتى لا تقوم لهذه الرواية قائمة ! فقال : (هذا من جهة الإسناد، وأما متن الرواية، فيشير إلى أن الحسن العسكري - عليه السلام - أقرّ بأن له ولداً، وأنه يطلب في المدينة، لكن المعروف لدى الخاصّ والعام، أن غيبة المهدي كانت في سامراء، وأن سفراءه كانوا يزعمون صدور أوامره إليهم من منزله في سامراء طيلة مدّة الغَيبة الصغرى، ولا يزال يُطلَب هناك ) .
من الجيد قوله : (وأما متن الرواية، فيشير إلى أن الحسن العسكري - عليه السلام - أقرّ بأن له ولداً ) أما اشكاله على متن الرواية فهو ضعيف، ويدل على سطحيه في الفهم، فذهن الشيخ انصرف إلى المدينة المنورة، مع أن الرواية لا تذكر ما يشير إلى المدينة المنورة، وإنما قال (بالمدينة) واللام هناقد تكون لام العهد فتشير إلى مدينة سامراء التي كانا يسكنانها ، فانتفى اشكال الشيخ، على أنه يمكن أن يكون سكن الإمام ع في المدينة المنورة ويتواصل معه سفراءه الذين كانوا في بغداد لا كما ذكر الحمش من مسكنهم في سامراء ! 
ثم قال : ( أضف إلى هذا أنّ الحديث ساكت عن اسمه، ووصفه، ومنزلته الدينية المزعومة) 
ليس فيما ذكره هنا دلالة على بطلان الرواية، فليس من اللازم أن يذكر الإمام له تفاصيل حياة ابنه، وإنما أجابه على سؤاله، والجعفري ما كان يتجرأ ليكثر من السؤال بسبب هيبة الإمام وجلالته كما جاء في الرواية، ولكن الشيخ يبحث عن أي شبهة، ليطعن بالرواية، وكما تبين لم يأتي بذي بال والحمدلله رب العالمين