لماذا نقول يا حسين
لماذا نقول ياحسين
بقلم: سماحة الشيخ مصطفى مصري العاملي
( حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا )
بهذه العبارة نزين عنوان هذا الموقع والذي نهدف من خلاله الى تبيان الحقائق ونشر الفضائل لكل الساعين الى التكامل في حياتهم ، لضمان الفوز والنجاح والخلود الابدي في النعيم المقيم بعد يوم الحساب - الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وترى الناس فيه سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
والاسئلة التي تطرح في هذا المقام
لمن هذه الكلمة ؟ او العبارة ؟ او الجملة ؟أولا ، وثانيا بحق من قيلت ؟ ومن هو هذا الذي يستحق ان يكون النبي منه ؟ وثالثا وأخيرا ماذا تعني ؟ وماذا يفهم منها ؟
فهنا لا بد من أن نحاول الاجابة عليها
فنقول وبالله التوفيق :
أولا -في قائل هذه الكلمة : لقد ورد في الكتب المعتبرة عند جميع طوائف المسلمين من سنة وشيعة حديث مروي عن النبي محمد صلى الله وعليه وآله وسلم بواسطة رواة متعددين ومختلفين وبصيغ متعددة وكلها تتضمن قولا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه ( حسين من وأنا من حسين ) .
وعندما يصل الينا حديث يتفق على روايته جميع المسلمين رغم اختلاف مذاهبهم الفقهية وتعدد طوائفهم وأسانيدهم وطرقهم ، فهذا يعني أن هذا الحديث صادر عن النبي العربي الامي القرشي الهاشمي بشكل قطعي ولا يقبل الشك في ذلك ، إذ يستحيل بحكم العقل والشرع أن يحصل هكذا نوع من الاتفاق دون ان يكون هناك جزم ويقين عند جميع المسلمين جيلا بعد جيل بصدور هذا القول عن النبي محمد عليه افضل السلام وأتم التسليم .
وهنا يتفرع من الحديث سؤال جديد : وماذا في كلام النبي ؟ وما هي الميزة فيه ؟ والخصوصية ؟
فيقال : ان كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس كلاما بمستوى كلام بقية البشر .. كيف لا !! وهو كلام يصدر عن أفضل إنسان اختاره الله تعالى من بين جميع البشر للقيام بأنبل وأرفع وأهم مهمة أوكلها لأحد من خلقه ، ألا وهي مهمة إيصال أكمل الرسالات الالهية الى البشر ، رسالة الاسلام العظيم ، والذي به ختمت الديانات السماوية وبه ختمت النبوة ، والتي لا يقبل الله تعالى من دونها عمل عامل مهما بلغ حيث يقول تعالى ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ).
وهذه المهمة العظيمة لا بد من أن تكون بلا شك موكلة الى أعظم شخصية وأعظم انسان من الاولين والاخرين ، ولا بد من أن يكون مؤهلا وبامتياز من قبل الله العليم للقيام بهذا الدور وهذه المهمة .. وهو ما يشير اليه قوله تعالى عن نبيه المصطفى ( وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى ) .
هذا عدا عن تلك الاوصاف البليغة التي تشير الى المقام الرفيع لسيد الانام ، والتي يفهم منها أنه عليه السلام لا يقول قولا ولا يعمل عملا إلا بأمر الله تعالى وتوجيهه وتسديده وهو ذو ( الخلق العظيم ) ، وهذا يعني ان كلامه عليه السلام ليس كلاما عاديا ، ولا أن التعاطي مع كلامه عليه السلام هو بمستوى التعاطي مع بقية الناس ، إذ عندما نسمع كلاما من أي انسان فانه لا بد من أن يمر عند العاقل المتفكر على جهاز الرقابة والتقييم لتحديد ما يقبل منه وما لا يقبل .
أما كلام النبي فهو ليس كذلك مطلقا ، إذ أنه كلام الله تعالى بتأكيد الله تعالى ( إن هو الا وحي يوحى )، وهذا لا يحتمل التقييد او التخصيص بل هو كلام مطلق ، وبالتالي فإننا مأمورون شرعا وعقلا بالاخذ المطلق بكل ما يقوله عليه الصلاة والسلام ( ما أتاكم الرسول فخذوه ..وما نهاكم عنه فانتهوا) فكلمتي (خذوه وانتهوا )هما فعلا أمر ..وواضح ماذا يعني الامر ؟
في لغة العرب .
فعندما يقول النبي ( حسين مني وأنا من حسين ) فلا يمكن ان تكون هذه الكلمة كلمة عادية تقال من النبي للتعبير عن مشاعر عاطفية عابرة ،
( وما ينطق عن الهوى ) بل أن ما يقوله عليه السلام هو ( وحي يوحى ).
إذن لا بد من معرفة حقيقة من قيلت فيه هذه الكلمة ؟
وبالتالي معرفة ماذا تعني هذه الكلمة وما هي دلالاتها ؟
ثانيا - فيمن قيلت فيه هذه الكلمة :
والجواب إنه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، بن عبد المطلب ، وعبد المطلب هو جد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي التي يقول عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أم أبيها )
والحسين هو ابن رسول الله ..
وهنا لمعترض أن يقول ، كما قال الخليفة العباسي للإمام عليه السلام بما معناه " كيف تنسبون أنفسك لرسول ، وتقولون أنكم أبناؤه ؟ وليس لرسول الله ولد!
والمتعارف عند العرب أن يكون النسب للأب وليس للأم ، وكما قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا*** آباؤهن الرجال الاباعد
والجواب على ذلك كما قال عليه السلام من الكتاب الكريم قوله تعالى عندما يحكي عن ذرية ابراهيم عليه السلام حيث تقول الاية الكريمة ( وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين _ الانعام 85)، فتحدث عن عيسى أنه من ذرية ابراهيم عليه السلام ، مع العلم ان نسب عيسى الى ابراهيم هو من جهة الام لا الأب ،وإضافة الى ذلك نقول ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن طريق أخواننا أهل السنة ( روي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم ) - خرجه أحمد بن حنبل في المناقب " ذخائر العقبى للطبري صفحة 121.
فمن قيلت فيه هذه الكلمة هو الحسين وهو ابن رسول الله ، ولكن هل أن صلة النسب تكفي لأن يقول فيه النبي العظيم مثل هذه الكلمة ( حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا ) ؟ فهل النبي ينطلق بقوله هذا من دافع العاطفة المجردة ؟ أم أن هناك أشياء اخرى فوق العاطفة في الحسين عليه السلام ؟
سنحاول هنا أن نتلمس شخصية الحسين عليه السلام في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك استنادا لما هو مروي ومعتبر في كتب إخواننا أهل السنة ، ولن نعتمد على ما منحصر في الكتب المعتبرة عند الشيعة - كما يفعل بعض الاخوة السنة في استدلالهم على الشيعة من كتب السنة ، وهذا واضح أنه خلاف منطق الاستدلال والحوار -
وليس ذلك لعدم اعتبار هذه الروايات أو الاحاديث ، وليس معناها أيضا التسليم المطلق بكل ما يرد في كتب إخواننا ، بل لضرورة أن يكون الاستدلال بما هو مسلم به عند الطرف الاخر ليكون أبلغ في الحجة وأقوى في التأثير ، على قاعدة " ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم " .
وهنا يطالعنا كمُّ هائل من الروايات الواردة في كتب الصحاح الستة وغيرها والتي تذكر فضل الحسين عليه السلام وتبين شأنيته .
وهنا قد يقول قائل ، إننا معشر السنة لا ننكر فضل الحسين عليه السلام ولا نكره أهل البيت بل إننا نحبهم ونقدرهم ونحترمهم ، ولكنكم أنتم معشر الشيعة تغالون فيهم ، وتضعونهم فوق مراتبهم ، وبذلك تنحرفون عن تعاليم الاسلام ، وتجعلونهم شركاء لله عز وجل .. الخ ما يمكن ان يقال ...
وهنا نكون قد وصلنا الى نقطة البحث الجوهرية ، والأساسية ، لنقول : أنه انطلاقا من القول مما هو مسلّم فيه عندنا وعندكم وهو ما يمكن ان نعتبره قاصما مشتركا ، وهو محبة الحسين وأهل البيت عليهم السلام ، فإننا نتهمكم بأنكم تظلمونهم ونقيم الدليل على ذلك ، فنقول أنكم تغبطونهم حقهم ، وتنزلونهم عن منزلتهم التي وضعهم الله فيها ، وهذا ظلم كبير لهم ، بل ومن أكبر الظلم أنكم تساوون بهم أعدائهم ، لان الظلم لا يكون فقط بأن تسب انسانا ان تكره انسانا ، بل الظلم أن تنزع عن انسانا حقا له ، ومن الطبيعي أننا نرى أن أي تتنزيل لانسان عن مرتبته الحقيقية هو ظلم له ، وبالتالي فلا تبقى فائدة من القول أنكم تحبونهم ، لأنه كما قلنا أن انتقاص الحق من صاحبه لا يقل عن ممارسة الاعتداء عليه ، لان نفس الانتقاص هو اعتداء ، ومساواة للظالم بالمظلوم ،
وهذا ما نستنكره الان في زماننا ويستنكره جميع المنصفين في العالم بالنسبة لموقف أميركا لقضية الصراع في فلسطين ، حيث أنها في أحسن الاحوال تساوي بين القاتل والمقتول و بين الضحية والجلاد ، وبين الظالم والمظلوم ، وبين المعتدي والمعتدى عليه ، وبهذا نرى الادانة لهذا الموقف عند جميع المنصفين في العالم .
على كل لنعد لمتابعة الحديث عن شخصية الحسين عليه السلام استنادا لما ورد في كتب اخواننا أهل السنة .فأول ما يطالعنا في ذلك هو أن :
اسم الحسن والحسين من الجنة . (أخرج بن سعد عن عمران بن سليمان قال : الحسن والحسين اسمان من اسماء أهل الجنة ، ما سمت العرب بهما في الجاهلية. وقال المفضل : إن الله حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى بهما النبي عليه الصلاة والسلام ابنيه - الحسن والحسين - ، وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " تاريخ الخلفاء للسيوطي صفحة 176.)
وأما عن ولادته عليه السلام فقد كانت في الخامس من شعبان في السنة الرابعة للهجرة (الواقدي ) ، وهنا ننقل ميزة للحسين عليه السلام في ولادته لم تكن لأحد قبله الا لعيسى بن مريم عليه السلام ، ( وقال ابن الدارع في كتاب مواليد أهل البيت ، لم يكن بينهما _ أي بين الحسن والحسين _ الا حمل بطن وكان مدة الحمل ستة أشهر ، وقال لم يولد مولود قط لستة أشهر فعاش الا الحسين وعيسى بن مريم عليهما السلام . ذخائر العقبى للطبري صفحة 118).
وأما ما قاله النبي عن محبته ( فعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين ، وقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ، خرجه أحمد ابن حنبل ، والترمذي ، وقال كان معي في الجنة ... وعنه قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين قلت يا رسول الله فمحبونا ؟ قال من ورائكم ، خرجه سعد . ذخائر العقبى للطبري صفحة 123).
(وروى ابو سعيد في شرف النبوة بإسناده عن عبد العزيز بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فأقبل الحسن والحسين فلما رآهما صلى الله عليه وسلم قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه فاستقبلهما وحملهما على كتفيه وقال نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان انتما . وعن ابن عباس قال بينا نحن ذات يوم مع النبي صلى الله عليه (وآله )وسلم إذ أقبلت فاطمة تبكي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فداك أبوك ما يبكيك قالت إن الحسن والحسين خرجا ولا أدري أين باتا فقال لها رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم فداك أبوك ما يبكيك ؟ قالت إن الحسن والحسين خرجا ولا أدري أين باتا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبكين فان خالقهما ألطف بهما مني ومنك ، ثم رفع يديه فقال اللهم احفظهما وسلمهما فهبط جبريل وقال يا محمد لا تحزن فانهما في حظيرة بني النجار نائمين وقد وكل الله بهما ملكا يحفظهما فقام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه حتى أتى الحظيرة فإذا الحسن والحسين عليهما السلام معتنقين نائمين وإذا الملك الموكل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما يظلهما فأكب النبي صلى الله عليه وسلم عليهما يقبلهما حتى انتبها من نومهما ثم جعل الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر فتلقاه أبو بكر وقال يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أحمله عنك فقال صلى الله عليه وسلم (وآله )نعم المطي مطيهما ونعم الراكبان هما وأبوهما خير منهما حتى أتى المسجد فقام رسول الله صلى الله عليه (وآله ) وسلم على قدميه وهما على عاتقيه ثم قال معاشر المسلمين ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين جدهما رسول الله صلى الله عليه (وآله ) وسلم ، خاتم المرسلين وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة ، ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هانيء بنت أبي طالب ، أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة ؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال : الحسن والحسين خالهما القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه (وآله ) وسلم وخالتهما زينب بنت رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم ، ثم قال اللهم انك تعلم ان الحسن والحسين في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة ومن أحبهما في الجنة ، ومن أبغضهما في النار . خرجه الملا في سيرته وغيره ، ذخائر العقبى صفحة 130)
ولو أردنا أن نستعرض ما ورد في كتب إخواننا أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحق الحسين عليه السلام وأخيه وأمه وابيه لاحتجنا الى مجلدات وليس الى صفحات .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ مصطفى مصري
2021-03-26