محمد أحمد ابراهيم _ اثيوبيا
المولد والنشأة:
ولد عام 1967م بمدينة ” جودي ” في أثيوبيا(1)، ونشأ في أوساط عائلة تعتنق المذهب الشافعي، حاصل على شهادة البكلوريوس في الحقوق.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1989م في الصومال، بعد بحث ودراسة عميقة، واستفسارات ونقاشات كثيرة جرت بينه وبين بعض العلماء.
ازالة الغشاوة عن البصيرة:
يقول الأخ محمّد: ” لا زلت أتذكر ذلك اليوم الذي تغيّرت فيه ركائزي الفكريّة وتجلّت لي حقائق غيّرت مجرى حياتي، فإنّني أعتبر ذلك اليوم من أعظم أيّام حياتي، وإن جاز لي أن أجعل له اسماً لسميته بيوم المراجعات!.
ففي ذلك اليوم كنت في مكتبة الجامعة العربية الكائنة في ” مقاديشو ” عاصمة الصومال، وكنت أتصفح كتبها، حتى وقع بيدي كتاب (المراجعات) للمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين، فما أن تصفّحت بعض أوراقه حتى أعترتني الدهشة مما دوّن فيه، فاستعرته من المكتبة وعكفت على قراءته، ولمّا أتممته وجدت نفسي في عالم فكري لم أعهده من قبل، فكرّرت قراءته مرّة ثانية وثالثة، وفي كلّ مرّة كانت تتراءى لي حقائق كنت في غفلة عنها!.
وفي الحقيقة أخذ هذا الكتاب مني كل مأخذ، فصممت على التحقيق في المصادر التي ذكرها مؤلّف الكتاب للتأكّد من محتوياته، وللتدقيق في محاور المراسلات التي جرت بين العالمين الجليلين السيد شرف الدين والشيخ البشري.
فراجعت أُمّهات الكتب في الحديث والسيرة والتفسير، فوجدت الأمر كما ذكره صاحب المراجعات، ثم راجعت بعض علمائنا لأستفسر منهم عمّا جاء في الكتاب، فأجابوني بإجابات غير مقنعة، لاتتلاءم مع أمّهات المسائل التي طرحها المؤلف، فقرّرت البحث في المصادر الشيعية لأُقارن بينها وبين ما عليه أهل العامة، فكان من جملة ما جعلته في صدر قائمة أبحاثي هو عقيدة الشيعة بالأئمة الاثنا عشر وارتباط ذلك بالحديث النبوي الشريف، الذي يؤكد فيه على ولاية اثنا عشر خليفة يلون الأمر من بعده “.
حديث الأئمة اثنا عشر:
تعدّدت الروايات في مصادر أهل العامة ومصنفاتهم حول هذا الأمر، وجميعها يؤكّد على أنّهم اثنا عشر وكلّهم من قريش، وفي بعضها أنّهم من بني هاشم ومن عترته وأهل بيته(صلى الله عليه وآله وسلم)، على تعدّد ألفاظها، منها:
1 ـ ذكر البخاري في صحيحه عن جابر بن سمرة، قال: ” سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: ” يكون اثنا عشر أميراً “، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش “(2).
2 ـ ذكر مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قوله: ” دخلت مع أبي على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: ” إنّ هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة “، قال: ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش “(3).
وفي لفظ: ” لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا… كلّهم من قريش “(4).
وفي لفظ: ” لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة… كلّهم من قريش “(5).
وفي لفظ: ” لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة… كلهم من قريش “(6).
3 ـ ذكر الترمذي بسندين عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ” يكون من بعدي اثنا عشر أميراً… كلّهم من قريش “(7).
4 ـ أخرج أحمد بن حنّبل في مسنده عن جابر بن سمرة أيضاً، قال: ” سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش “(8)، كما أخرجه بألفاظ متعددة في نفس الكتاب.
5 ـ أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين، عن طريق عبد الله بن مسعود عندما سأله رجل وقال: ” هل سألتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه فقال: اثنا عشر، عدّة نقباء بني إسرائيل “(9).
6 ـ ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وأضاف هذا اللفظ: “… لا يضرهم عداوة من عاداهم، فإلتفت خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب في أناس فأثبتوا لي الحديث كما سمعت “(10).
مصاديق الأئمة الاثني عشر:
لقد ذكر العديد من أعلام أهل العامة عند تعداده للخلفاء بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّ الأئمة الذين أشار إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة من ولده (عليه السلام) ، ومن هؤلاء:
1 ـ الخوارزمي في المناقب: حيث روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: ” من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، فليتول عليّ ابن أبي طالب، وذريته أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده “(11).
2 ـ أبو نعيم في حلية الأولياء: حيث روى عن ابن عباس أنّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ” من سره أنّ يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أُمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي “(12).
3 ـ القندوزي في ينابيع المودة: حيث روى بسنده عن سلمان الفارسي(رضي الله عنه) أنّ الأئمة من ولد عليّ ومن صلب الحسينعليهما السلام، إذ قال: ” دخلت على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فإذا الحسين بن عليّ على فخذه وهو يقبّل عينه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد، أخو سيد، وأنت إمام ابن إمام وأخو إمام، وأنت حجّة وابن حجّة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم “(13).
فهذه الأحاديث روتها مصادر أهل العامة، وروتها مصادر الإمامية بتفصيل أكثر، من حيث التعيين بالأسماء والكنى والصفات(14).
والناظر لهذه الأحاديث يجد أنّ هناك حدّاً مشتركاً بين الفريقين، وهو أنّهم اثنا عشر خليفة أو أميراً أو إماماً وأنّهم من قريش أيضاً، وأنّهم يعزّون الإسلام ويرفعونه لأنّهم هداة مهديون، لايضرهم عداوة من عاداهم!.
كما أنّ جملة من هذه الأحاديث التي رواها أهل العامة تنطبق تماماً مع ما يعتقده أتباع أهل البيت (عليهم السلام) .
ولا تحتمل هذه الروايات التأويل الذي ذكره بعض أهل العامة من أنّ المقصود من الأمراء والأئمة، هم الخلفاء الراشدون الأربعة بانضمام الإمام الحسن بن عليّ (عليه السلام) ومعاوية وعدداً من بني أُمية!.
وهذا الأمر لا يستقيم بحال من الأحوال لمّا عرف عن الأمويين من فسق وفجور وجور وإنحراف، بالخصوص عندّ النظر لبعض ألفاظ الحديث: ” اثنا عشر كل منهم هاد مهدي ” الذي ذكره البخاري، وكذلك لا يصحّ إنطباقه على بني العباس لزيادتهم على العدد المذكور أوّلا، ولشهرتهم بالفتك والتهتك والتلاعب بمقدرات المسلمين ثانياً.
فلا يصح انطباق هذه الأحاديث إلاّ على ما يعتقده الشيعة الاثنى عشرية من إمامة الأئمة الهداة (عليهم السلام) من ذرية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهذا ما نطق به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكنّى عنه في عدّة موارد ـ كما مرّ ـ، حتى أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأم سلمة ذات مرة: “… إنّ الله اختار من كلّ أمّة نبيّاً واختار لكل نبيّ وصيّاً، فأنا نبيّ هذه الأمة وعليّ وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي “(15).
ولو تؤمّل قليلاً في حديث الثقلين الوارد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ” إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي، لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض “(16)، لتبيّن بوضوح أنّ مصداق الخلفاء الذين أشار إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، هم عليّ وبنوه (عليهم السلام) ، لأنّ دلالة هذا الحديث واضحة في كونهم حجج على البرية لاقترانهم بالقرآن الذي لا يشكّ مسلم في حجيته.
كما يثبت هذا الحديث عصمتهم لعدم مفارقتهم للقرآن، وهذه العصمة هي التي منحتهم هذا المنصب الإلهى، وجعلتهم أولى بالخلافة ممن قضوا شطراً من حياتهم في الشرك والضلال.
الهدي بهدى الأئمة الاثنى عشر:
يقول الأخ محمّد أحمد إبراهيم: ” جعلتني هذه النصوص المذهلة أراجع مرتكزاتي العقائدية من جديد، لأنّني عرفت بعد ذلك أنّ الخلافة ليست إلاّ بالنصّ، وللذين يصطفيهم الله لهذه المهمّة بعد أن يمنحهم الطافة الخاصة التي تجعلهم أن يؤدّوا هذه المهمة بأكمل صورة ومن دون أن يعتريها أيّ شائبة، وحيث أنّ هذا المنصب لا يتمكن أحد من معرفة مصداقه، فلهذا تصدى الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)لبيانه، فعرّف الناس بالأئمة الاثني عشر الذين يلون الأمر من بعده واحداً تلو الآخر، وقد قال تعالى (وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36).
وثبت عندي أنّ أوصياء النبيّ (عليهم السلام) وخلفاءه اثنا عشر لا أكثر ولا أقل، أوّلهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ويليه من بعده ذرية آل محمد الذين أصطفاهم الله كما أصطفى آل عمران وآل إبراهيم “.
ويضيف الأخ محمّد: ” بدأت أتوجه صوب مذهب هؤلاء الأوصياء، وبدأت أتعرف على عقائدهم وفقههم وسيرتهم، وقد لمست الفرق الواضح بين مدرستهم والمدارس الأخرى، وكنت بين فترة وأخرى أراجع علماء الإمامية ـ لاسيما المحقق “سيد جعفر مرتضى العاملي” ـ بخصوص المسائل التي تحتاج إلى إيضاح، وإستمر بي البحث ثلاثة أشهر متواصلة إلى أن وفقني الله تعالى للتشرّف باعتناق مذهب العترة الطاهرة، فأعلنت استبصاري عام 1989 م، وأخذت على عاتقي توعية الناس في بلادي وتعريفهم بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد تم بفضل الله تعالى استبصار عدد لابأس به، وأوّلهم أفراد عائلتي والحمد لله “.
______________________________________________________________________________________________________
الهوامش:
(1) أثيوبيا (أرض الحبشة): من دول شرق افريقيا، يبلغ عدد السكان فيها أكثر من (60) مليون نسمة ذو ديانات متعددة، يشكل المسلمون قرابة 45% منهم، يعتنق معظمهم المذهب الشافعي، في حين يشكّل أتباع مذهب أهل البيت (عليه السلام) نسبة قليلة بقياس عدد المسلمين في هذا البلد.
(2) صحيح البخاري: 6 / 2640 (6796).
(3) صحيح مسلم: 3 / 1452 (1821).
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه.
(7) أنظر: سنن الترمذي: 4 / 80 (2223).
(8) مسند أحمد: 5 / 92.
(9) المستدرك: 4 / 546 (8529).
(10) مجمع الزوائد: 5 / 191.
(11) مناقب الخوارزمي: 75 (55).
(12) حلية الأولياء: 1 / 128 (268).
(13) ينابيع المودة: 2 / 44.
(14) أنظر: كمال الدين للصدوق: 3 / 258، الصراط المستقيم للعاملي: 2 / 123 ـ 135، الكافي للكليني: 1 / 447، أعلام الورى للطبرسي: 2 / 166.
(15) أنظر: المناقب للخوارزمي: 147 (171).
(16) أنظر: مسند أحمد: 3 / 17 (11147)، سنن للترمذي: 6 / 125 (3788)، الصواعق المحرقة لابن مجر: 2 / 438، 652، مشكاة المصابيح للتبريزي: 3 / 371 (6153).
2021-03-24