الفحم...والماس
بقلم: محمود جلال خليل... مصر
يذكر العلماء أن الفحم عبارة عن بقايا نباتية دفنت في باطن الأرض وتعرضت للضغط ، والحرارة ، وبمرور الوقت تصلبت ، وتحولت إلى ما يعرف بالفحم , وهو هذا المعدن الاسود اللون الهش القوام الذي كان يستخدمه الإِنسان في الأغراض المنزلية كالطهي والتدفئة والصناعات البسيطة .
وهو على ثلاثة أنواع رئيسية :
النوع الأول فحم (الانتراسيت) : وهو أقدم أنواع الفحم وأجودها ، ويتميز بصلابته وبأنه قصير اللهب لا يشتعل بسهولة ، ولا يعطي دخاناً ، ولا يخلف وراءه إلا القليل من الرماد.
النوع الثاني : فحم (البيتومين) : وتنتمي إليه معظم كميات الفحم المستهلك في العالم , ويتميز بأنه خفيف الوزن ، سهل الاحتراق ، ويعطى حرارة كبيرة ، وهو المصدر الذي يصنع منه فحم الكوك.
النوع الثالث : فحم (الليجنيت) : وهو أردأ أنواع الفحم ، وهو يعطي حرارة قليلة ودخانه كثير.
ويتكون الفحم من الكربون كعنصر اساسي تتراوح نسبته ما بين 40 % في اردأ الأنواع حتى 90 %
أما الماس فهو ايضا يتكون من الكربون !!!
الذي هو المكون الاساسي للفحم
وشتان ما بين المعدنين
في الشكل واللون والقوة والصلابة وأيضا الرونق والجمال
فمن اين وكيف اتى هذا الفارق الشاسع بين المعدنين ؟
يتكون الماس عميقاً في باطن الأرض. على عمق يتراوح بين 140 إلى 200 كيلومتر (87-124 ميل). في المناطق ذات النشاط البركاني المستمر , وعندما يكون البركان متوسط القوة أو ضعيف فلا تتمكن الحمم البركانية lava من الخروج إلى سطح الارض فتكتفي بالبقاء في منطقة متوسطة بين سطح الأرض والحزام الصهيري magma داخل طبقات الأرض متخللة الشقوق والفوالق التي تحدث في هذه الطبقات نتيجة النشاط البركاني , وتسبب حركة الصهير ذو اللزوجة العالية والضغط الكبير على مثل ذلك العمق، يفقد الصهير حرارته العالية ببطء شديد يسمح لمكونات الصهير المتشابهة ان تتجمع وتتحد مع بعضها في عملية تعرف باسم التفارق الصهيري magmatic differentiation فتقترب ذرات الكربون من بعضها وتتحد بقوة متخذة الشكل البلوري المعروف للماس. وبقي الماس مدفوناً هناك في الأعماق إلى أن تحدث انفجارات بركانية تالية تحمله إلى السطح , أو حدوث حركات أرضية tectonic movements ترفع الضخور والمنطقة التي بها الماس إلى سطح الأرض
ويوجد الماس في نوعً نادرً من الصخور تدعى كيمبرليت، وتعود هذه التسمية نسبة لمنطقة كيمبرلي في جنوب إفريقيا حيث اكتشفت للمرة الأولى. ويتواجد الماس ضمن صخور الكيمبرليت وصخور بركانية نادرة أخرى تدعى لامبرويت.
عندما تقترب ذرات الكربون الرباعية التكافؤ من بعضها وتبدأ في الاتحاد , فترتبط مع بعضها في شكل بلوري هندسي بديع هو الشكل الهرمي تتوزع فيه ذرات الكربون على زوايا هرم ثلاثي الأوجه على رأسه وفي المركز أو المنتصف منه ذرة كربون ترتبط مع أخواتها برابطة تساهمية هي نفس الرابطة التي تربط كل ذرة بجارتها
هذا البنيان الهرمي الذي يجمع بين الصلابة والقوة والجمال والرونق , والذي يتكون من عدد لا نهائي من البلورات المتراصة المشدودة إلى بعضها بنفس الرابطة الأولى التي تكونت منها البلورة الأم والتي لولاها ما كانت هذه الماسة , هو بعينه شكل الجماعة المؤمنة المتمسكة بدين الله والتي اختلفت وتميزت عن غيرها وما شابهها بأصل واحد لا غيره وهو ((( الإمامة )))
فكان الإمام منها بمنزلة الراس من الجسد والقطب من الرحى , كما قال أمير المؤمنين عليه السلام , ومن حوله الجماعة المؤمنة كثرت أم قلت غابت أو حضرت أو فرقوهم تحت كل حجر ومدر في نظام هندسي مترابط ومتناسق وبديع , كالذي كان في بلورة الماس , وما أبلغ حبيبنا وإمامنا وحبيبنا رسول الله (ص) حين يصور شكل وجوهر الجماعة المسلمة بقوله ( المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا )
وهذا هو الأصل الذي إمتاز به الشيعة عن سائر الفرق الإسلامية وهو (( الإمامة ))
ومن ثم الترابط والقوة والزينة والجمال ((( كونوا زينا لنا )))
فنحن نرى أن الله تعالى لم يتركنا هكذا هملا بدوع راع ولا إمام يسدد أمرنا ويقيل عثرتنا ويرفع الخلاف بيننا
بل أمر رسوله (ص) أن ينصب علي بن أبي طالب عليه السلام
إماما للأمة من بعده
ثم ابنه الإمام الحسن
ثم الامام الحسين
وهكذا ...
حتى الإمام الخاتم
الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا
وهو الإمام الهادي المهدي أو المهدي المنتظر والذي هو أيضا من أهل بيت النبوة عليهم السلام
فبالإمامة حفظ الله الاسلام والمسلمين من التشتت
والتفرق ولااختلاف والتشرذم والذل والهوان
ورغم ما تعرضه له الشيعة خلال تاريخهم الدامي الطويل من سب ولعن وقتل وذبح وتشريد وتطريد بداية من قتل أمير المؤمنين عليه السلام حتى اليوم مرورا بدس السم للإمام الحسن وذبح الإمام الحسين ثم الائمة من بعده الذين لم يكن منهم إلا مقتول أو مسموم
وربما كانت هذه الضغوطات الهائلة والملاحقات المتتالية مع صنوف العذاب والتشريد هي التي زادتهم تماسكا وإصرارا وفخرا واعتزازا
بدينهم ومذهبهم وأئمتهم عليهم السلام
ألا ترون أن لنا من القوة والصلابة كذلك الجمال والرونق والبريق بين أهل الإسلام
مثل الذي للماس على سائر العناصر والمعادن
رغم أننا ديننا واحد وكتابنا واحد وإلهنا واحد ونبينا واحد
(( سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ )) (فصلت53)
2021-03-22