أبو عبد الله _ فلسطين 

 

المولد والنشأة:

نشأ في مدينة «الناصرة» في شمال «فلسطين» ، وفي القسم الذي استولى عليه الصهاينة .

كان «أبو عبد الله» يهوى التعمّق في التعاليم الإسلامية فبدأ بتلقّي قسم من تلك التعاليم وفق المذهب السنّي ، إلا أنّ نفسه المتعطّشة لتلقّي المعارف لم ترتوِ بهذا المقدار منها ، ولم تزل تعيش التحيّر والتأمّل .

إثر ذلك بدأ بالبحث والتحقيق بالغور في الكتب المعتبرة عند أهل السنّة ، فكثرت الحيرة عنده آنذاك ; إذ من الملاحظ لكلّ باحث أزال التعصّب عن بصيرته كم تجاهل التاريخ ومؤرّخو السلطة من الوقائع والشخصيات التي كان لها الدور الفاعل في نمو الإسلام ورفعته ؟

وكم من الأحاديث التي دسّتها يد التحريف في المصادر الحديثية ، وكم قاموا بالتلاعب بأحاديث صحيحة فحذفوها ، أو قطّعوها ، أو أوردوا معارضاً لها لتسقط بذلك عن الاستدلال بها .

 

حديث «كتاب الله وسنّتي» في الميزان :

من الأحاديث الدالّة على ضرورة التمسّك بالعترة الطاهرة (عليهم السلام) : قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مواطن عدّة : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي .

إلاّ أنّه قد أوردت بعض المصادر السنّية لفظ : «وسنّتي» ، بدل : «وعترتي» ، وبالتالي قد يدّعي بعضهم أنّ حديث : «وعترتي» معارض بحديث : «وسنّتي» ، فلا يتم الاستدلال به .

 

ولبطلان هذا الادّعاء ينبغي الإشارة إلى أنّ :

أوّلاً : حديث الثقلين بلفظ «وعترتي» من الأحاديث المتواترة(١) ، وحديث «سنّتي» ليس كذلك ، والمتواتر مقدّم على غيره ; فثبت تقديم حديث «وعترتي» على خبر «وسنّتي» .

ثانياً : حديث «وعترتي» حديث صحيح ، مروي بأسانيد صحيحة وحسنة ، وخبر «وسنّتي» ليس كذلك ، والصحيح مقدّم على غيره ; فوجب تقديم حديث «وعترتي» .

ومن المناسب هنا أنْ نذكر قول أحد علماء السنّة في كلام له عن حديث الثقلين بلفظيه ، يقول الحسن بن علي السقاف الشافعي : «سُئلت عن حديث : تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما : كتاب الله و . . . . ، هل الحديث الصحيح بلفظ : «عترتي وأهل بيتي» ، أو هو بلفظ «سُنّتي» ؟ نرجو توضيح ذلك من جهة الحديث وسنده .

الجواب : الحديث الثابت الصحيح هو بلفظ «وأهل بيتي» ، والرواية التي فيها لفظ «سُنّتي» باطلة من ناحية السند والمتن ، ونوضّح هنا إن شاء الله تعالى قضية السند ; لأنّ السؤال وقع بها . فنقول :

روى الحديث مسلم في صحيحه(1) : عن سيّدنا زيد بن أرقم رضي الله عنه ،

قال : قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطيباً بماء يدعى خماً بين مكّة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثم قال : (أمّا بعد : ألا أيّها الناس ! فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول الله ربّي فأُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما : كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : (وأهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي) ، هذا لفظ مسلم .

ورواه أيضاً بهذا اللفظ الدارمي في سننه(2) بإسناد صحيح كالشمس ، وغيرهما . . .

أمّا لفظ «وسُنّتي» فلا شكّ بأنّه موضوع ; لضعف سنده ، ووهائه ، ولعوامل أُموية أثّرت في ذلك . وإليك إسناده ومتنه :

روى الحاكم في المستدرك(3) الحديث بإسناده من طريق ابن أبي أُويس ، عن أبيه ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، وفيه : (أيّها الناس ، قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً : كتاب الله ، وسُنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) . . .) .

 

وأقول :

في سنده : ابن أبي أويس وأبوه ; قال الحافظ المزّي في تهذيب الكمال(4) في ترجمة الابن ـ ابن أبي أويس ـ وأنقل قول من جرحه : «معاوية بن صالح عن يحيى ـ ابن معين ـ : أبو أويس وابنه ضعيفان . وعن يحيى بن معين ـ أيضاً ـ : ابن أبي أُويس وأبوه يسرقان الحديث . وعن يحيى ـ أيضاً ـ : مخلّط يكذب ، ليس بشيء . وقال أبو حاتم : محلّه الصدق ، وكان مغفّلاً . وقال النسائي : ضعيف . وقال ـ النسائي ـ في موضع آخر : ليس بثقة . وقال أبو القاسم اللالكائي : بالغ النسائي في الكلام عليه

إلى أن يؤدّي إلى تركه . . .

وقال أبو أحمد ابن عدي : وابن أبي أُويس هذا روى عن خاله مالك أحاديث غرائب لا يتابعه أحد عليه . . .» .

قلت : قال الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري»(5) عن ابن أبي أُويس هذا : «وعلى هذا لا يحتجّ بشيء من حديثه غير ما في الصحيح ; من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره . . .» .

قال الحافظ السيّد أحمد بن الصدّيق في «فتح الملك العلي»(6) : «وقال سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أُويس يقول : ربّما كنت أضع لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم» .

فالرجل متّهم بالوضع ، وقد رماه ابن معين بالكذب ، وحديثه الذي فيه لفظ «وسنتي» ليس في واحد من الصحيحين .

وأمّا أبوه : فقال أبو حاتم الرازي ، كما في كتاب ابنه(7) : «يُكتب حديثه ولا يُحتجّ به ، وليس بالقوي» . ونقل في المصدر نفسه ابن أبي حاتم عن ابن معين أنّه قال فيه : «ليس بثقة» .

قلت : وسند فيه مثل هذان اللذان قدّمنا الكلام عليهما ، لا يصحّ ـ حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ـ لاسيما وما جاءا به مخالف للثابت في الصحيح ; فتأمّل جيداً هداك الله تعالى .

أقول : ولم يتعرّض السقّاف لعكرمة البربري مع وروده في السند ، وهو مشهور بالكذب والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) .

وقد اعترف الحاكم بضعف الحديث ، فلذلك لم يصحّحه في المستدرك ، وإنّما جلب له شاهد ، لكنّه واه ساقط الإسناد ، فازداد الحديث ضعفاً إلى ضعفه ، وتحقّقنا أنّ ابن أبي أُويس أو أباه قد سرق واحد منهما حديث ذلك الواهي الذي سنذكره ورواه من عند نفسه ، وقد نصّ ابن معين ، وهو من هو ، على أنّهما يسرقان الحديث .--

فروى الحاكم(9) ذلك ; فقال : «وقد وجدت له شاهداً من حديث أبي هريرة» ، ثمّ روى بسنده من طريق الضبّي ، ثنا صالح بن موسى الطلحي ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، مرفوعاً : «إنّي قد تركت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدهما : كتاب الله ، وسُنّتي ، ولن يفترقا حتى يردا علَيّ الحوض» .

قلت : هذا موضوع أيضاً ، واقتصر الكلام عنا على رجل واحد في السند ، وهو : صالح بن موسى الطلحي . وإليك كلام أئمّة أهل الحديث من كبار الحفّاظ الذين طعنوا فيه ، من تهذيب الكمال : «قال يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال أبو حاتم الرازي : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جداً ، كثير المناكير عن الثقات . وقال النسائي : لا يكتب حديثه ، وقال في موضع آخر : متروك الحديث»(8) .

وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر : «قال ابن حبّان : كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به . وقال أبو نعيم : متروك الحديث يروي المناكير»(9) .

قلت : وقد حكم الحافظ عليه في التقريب بأنّه «متروك»(10) ، والذهبي في الكاشف بأنّه : «واه»(11) . وأورده الذهبي في «الميزان»(12) حديثه هذا في ترجمته على أنّه من منكراته .

وقد ذكر مالك هذا الحديث في «الموطّأ»(13) بلاغاً بلا سند ، ولا قيمة لذلك بعد أن بيّنا وهاء إسناده .

وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد»(14) سنداً ثالثاً لهذا الحديث ا

وقد ذكر مالك هذا الحديث في «الموطّأ»(15) بلاغاً بلا سند ، ولا قيمة لذلك بعد أن بيّنا وهاء إسناده .

وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد»(16) سنداً ثالثاً لهذا الحديث الواهي الموضوع ، فقال : «وحدّثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدّثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم الديبلي ، قال : حدّثنا علي بن زيد الفرائضي ، قال : حدّثنا الحنيني ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه» به .

قلت : نقتصر على علّة واحدة فيه ، وهي : أنّ كثير بن عبد الله هذا الذي في إسناده ، قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : أحد أركان الكذب . قال عنه أبو داود : كان أحد الكذّابين(17) .

وقال ابن حبّان : روى عن أبيه ، عن جدّه نسخة موضوعة ، لا يحلّ ذكرها في الكتب ، ولا الرواية عنه إلاّ على جهة التعجّب(18) .

قال النسائي والدارقطني : متروك الحديث(19) . وقال الإمام أحمد : منكر الحديث ليس بشيء ، وقال يحيى بن معين : ليس بشيء .

قلت : وقد أخطأ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في التقريب عندما اقتصر على قوله فيه : «ضعيف» ، ثمّ قال : «وقد أفرط من رماه بالكذب»(20) . . .

قلت : كلا لم يفرط بل هو واقع حاله ، كماترى من كلام الأئمّة فيه ، لا سيّما وقد قال عنه الذهبي في الكاشف : «واه» ، وهو كذلك ، وحديثه موضوع ، فلا يصلح

 

للمتابعة ، ولا الشواهد بل يضرب عليه . والله الموفّق . .

فتبيّن بوضوح أنّ حديث : «كتاب الله وعترتي» هو الصحيح الثابت في صحيح مسلم ، وأنّ لفظ : «كتاب الله وسُنّتي» باطل من جهة السند غير صحيح . فعلى خطباء المساجد والوعّاظ والأئمّة أن يتركوا اللفظ الذي لم يرد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأن يذكروا للناس اللفظ الصحيح الثابت عنه في صحيح مسلم «كتاب الله وأهل بيتي» أو «عترتي»(21) .

 

نور أهل البيت (عليهم السلام) :

بعد فترة من البحث والتحقيق ، وبعد أن أشرق نور أهل البيت (عليهم السلام) في قلبه ، أعلن «أبو عبد الله» عن استبصاره والتحاقه بالمذهب الشيعي ، وكان ذلك عام ١٤٢١ هـ (٢٠٠١ م) .

إلا أنَّ العصبية العمياء لم تدع «أبا عبد الله» وجمع من أصدقائه المستبصرين وشأنهم ; فتعرّضوا لأنواع الاضطهاد المذهبي الذي وصل في بعض الفترات إلى حد المقاطعة والنبذ 

 

____________________________________________________________________

 

الهوامش: 

 

١- راجع : نفحات الأزهار للميلاني ١ : ٢١١ ـ ٤٩٦ ، فقد ذكر ١٨٧ مؤلّفاً ممّن روى وخرّج هذا الحديث بأسانيد يكثر فيها الحسان والصحاح ، ما يدلّ على تواتر الحديث عند أهل السنّة .

٢- صحيح مسلم ٧ : ١٢٢ .

3- سنن الدارمي ٢ : ٤٣٢ .

4- المستدرك على الصحيحين ١ : ٩٣ .

5- تهذيب الكمال ٣ : ١٢٧ .

6- مقدمة فتح الباري لابن حجر : ٣٨٨ .

7- فتح الملك العلي : ٣٦ .

7- الجرح والتعديل ٥ : ٩٢ . 

9- المستدرك على الصحيحين ١ : ٩٣ .

10- تهذيب الكمال ١٣ : ٩٦ .

11- تهذيب التهذيب ٤ : ٣٥٥ .

12- تقريب التهذيب ١ : ٤٣٣ .

13- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ١ : ٤٤٩ .

14- راجع ترجمته في ميزان الاعتدال ٢ : ٣٠٢ .

15- الموطّأ ٢ : ٨٩٩ .

16- التمهيد ٢٤ : ٣٣١ .

17- ذكر قول الشافعي وأبي داود في تهذيب التهذيب ٨ : ٣٧٧ ، وتهذيب الكمال للمزّي ٢٤ : ١٣٨ .

18- انظر : المجروحين ٢ : ٢٢١ لابن حبّان .

19- تهذيب الكمال ٢٤ : ١٣٩ .

20- راجع : تقريب التهذيب ٢ : ٣٩ ، والمذكور عن ابن حجر : أفرط من نسبه إلى الكذب .

21- راجع : صحيح صفة صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) للحسن بن علي السقّاف : ٢٨٩ ـ ٢٩٤ .