خليل عثمان _مالاوي 

 

المولد والنشأة:

ولد عام ١٤٠٠ هـ (١٩٨٠م) في مدينة «ماشينغا» المالاوية لأُسرة سنّية شافعية المذهب.

نشأ «خليل» في هذه الأُسرة على أنّ المذهب الذي ينتمي إليه هو المذهب الحقّ الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتّباعه، إلى أن سمع بمجموعة من المسلمين ينتمون إلى المذهب الشيعي.

يقول «خليل»: كنت في مدينة زومبا، وسمعت هناك بوجود فرقة تسمّى الشيعة، فحصل عندي رغبة في التعرّف عليهم والبحث عن معتقداتهم، وكانت الشبهات التي تطرح ضدّهم تحفّزني لمواصلة البحث والتحقيق.

وكان أن سمع «خليل» بعد ذلك بمدرسة للشيعة في العاصمة المالاوية «ليلونغو»، فذهب إليها ليتعرّف على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من قريب، ويسمع من أتباع المذهب الشيعي أدلّتهم على أحقّية هذا المذهب، وما يدينون الله به دون الرجوع إلى مناوئيهم ومعاديهم، الذين يحاولون ليلاً ونهاراً النيل منهم، بإلقاء مختلف التهم والافتراءات.

 

حديث الثقلين وعدم افتراقهما:

يعدّ حديث الثقلين من أهمّ الأدلّة التي يستدلّ بها أتباع مدرسة أهل 

البيت (عليهم السلام) على أحقّية هذا المذهب، ولهذا نجد محاولات حثيثة من الوهّابية للادّعاء بأنّ مقطعاً من حديث الثقلين ـ وهو: قوله (صلى الله عليه وآله): «إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض»، أي: الكتاب والعترة أهل البيت (عليهم السلام) ـ لم يثبت بسند صحيح، ولا يمكن الاحتجاج به.

قال ابن تيمية: إنّ لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم... فحثّ على... وهذا اللفظ يدلّ على أنّ الذي أمرنا بالتمسّك به وجعل المتمسّك به لا يضلّ هو: كتاب الله(1).

ومن المعاصرين: الأرنؤوط; قال: قلنا: وقد ورد التصريح بأنّ المراد من قوله: وعترتي، هو: وجوب مراعاتهم ومحبّتهم، واجتناب ما يسوؤهم، والاحتراز عمّا يؤذيهم في حديث زيد بن أرقم عند مسلم(2).

إذاً كلّهم يؤكّدون أنّ الصحيح: ما ورد في صحيح مسلم، حتّى يضيّعوا على الأُمّة مقطع: «ما إن تمسّكتم، أو: ما إن أخذتم، و: لن تضلّوا، و: لن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض».

والمتابع يجد بأنّ هناك طريقين أشار إليهما الطبراني في المعجم الكبير، وكلا الطريقين صحيح من الدرجة العالية جدّاً; إذ لم يختلف أحد في وثاقة رجال السندين.

عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض»(3).

ونص هذه الرواية أيضاً ورد في كتاب آخر لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، المتوفّى سنة ٢٧٧ هـ ; قال: (حدّثنا يحيى، حدّثنا جرير، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم، قال: قال النبي: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض»(4).

وهذا هو السند نفسه من جرير وحسن بن عبيد الله وأبي الضحى وزيد بن أرقم، وكلّهم ثقات.

وأمّا الفسوي، فيقول عنه الذهبي: يعقوب بن سفيان أبو يوسف الفسوي الحافظ، عن: أبي عاصم وأبي نعيم، وعنه: النسائي والترمذي وعبد الله بن درستويه، ثقة مصنّف خيّر صالح(5).

وأمّا شيخه يحيى، فقال عنه الذهبي: يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري أبو زكريا، أحد الأعلام، عن: مالك وزهير بن معاوية، وعنه: البخاري ومسلم وداود بن الحسين البيهقي، قال أحمد: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله، وقال ابن راهويه: ما رأيت مثله... ثَبْت فقيه، صاحب حديث، وليس بالمكثر جداً.... نقل عنه البخاري ومسلم والترمذي(6).

والمهم في هذا النص: أنّ فيه أيضاً: «ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي» فالتمسّك هنا لا يريد منه: «أذكّركم الله في أهل بيتي»، كما في مسلم، وتوهّم الوهّابية بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان مراده ذلك.

وبهذا يتبيّن أنّ ما ذكر عن المعجم الكبير للطبراني، وما جاء في المعرفة والتاريخ للفسوي روايات صحيحة السند لا مجال للتشكيك في سندها.

بل إنّ الألباني يقول: إنّ الرواية ـ التي فيها عطية العوفي، والذي ناقشوا فيه وقالوا: إنّه ضعيف; لأنّه شيعي ـ أيضاً حسنة يمكن الاستناد عليها، قال: وشاهد آخر

من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، يقول: «إنّي تارك... ألا وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض» ... وهو إسناد حسن في الشواهد(7).

مع العلم بأنّ النصوص التي جاءت في المعجم الكبير للطبراني والمعرفة والتأريخ للفسوي لا يوجد فيها عطية العوفي.

بل إنّ الألباني صحّح هذه الرواية في موارد متعدّدة ـ وهي التي فيها مقطع: «وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض»، كما صرّح بذلك في كتاب صحيح الجامع الصغير; قال: «ولن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. صحيح»(8).

وصحّحها الألباني في كتاب صحيح سُنن الترمذي; قال: قال رسول الله: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم فيه لن تضلّوا أبداً، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي... ولن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. صحيح»(9).

هذا مضافاً إلى أنّ هناك طرقاً أخرى متعدّدة لتصحيح هذا الحديث، منها: ما ذكره الطحاوي، المتوفّى سنة ٣٢١ هـ ; يقول: ... عن زيد بن أرقم، قال: لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حجّة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات... «فإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علَيّ الحوض». قال أبو جعفر: هذا الحديث صحيح الإسناد، لا طعن لأحد في أحد من رواته(10).

وكذلك نقله ابن كثير، المتوفّى سنة ٧٧٤ هـ قال: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض»، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا

حديث صحيح(11)، ولم يعلّق عليه ابن كثير، فابن كثير يسلم بصحّة هذا الحديث.

وممّن أشاروا إلى ذلك: علاّمة بغداد الآلوسي، في ذيل هذه الآية من سورة الأحزاب: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله﴾(12); يقول: وأنت تعلم أنّ ظاهر ما صحّ من قوله (صلى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم خليفتين ـ وفي رواية ثقلين ـ : كتاب الله، حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض»(13)، فلا مجال للريب فيه.

فحديث الثقلين المشتمل على قوله: «وإنّهما لن يفترقا، أو يتفرقا، حتّى يردا علَيّ الحوض» صحيح إلاّ عند الوهّابية.

ولكن مع كلّ هذا تجد أنّ ابن تيمية عندما يأتي إلى هذا الحديث بهذا المقطع يقول: وأمّا قوله: «وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض»، فهذا رواه الترمذي، وقد سُئل عنه أحمد، فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصحّ(14).

فهو وعلى طريقته المعهودة يحاول أن يوهم القارىء بأنّ هذا الحديث لا أصل له!

وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على نصب العداء من هذا الشخص ومن يتبعه لأهل البيت (عليهم السلام) والبغض لهم، فمع تصحيح كلّ هولاء الأعلام ولكنّهم عندما يصلون إلى هذه الرواية يقولون: بأنّ هذا المقطع فيها غير صحيح.

وهناك عدّة شواهد تثبت بأنّ النص الذي ورد عن زيد بن أرقم، وذكره الطحاوي أو الفسوي أو الطبراني أو الحاكم أو الذهبي أو ابن كثير أو الألباني وغيرهم، أدقّ وأصحّ ممّا ورد في صحيح مسلم.

أوّلاً: إنّ الواقعة واحدة وليست متعدّدة، كما أنّ الراوي واحد; فإنّه تكلّم في غدير خم ولم يتكلّم رسول الله(صلى الله عليه وآله) في غدير خم في عمره إلاّ مرة واحدة، فلا يمكن القول بأنّ زيد بن أرقم نقل الرواية عن واقعتين.

ثانياً: إنّ هذه الواقعة بالنصوص الصحيحة لم يسمعها زيد بن أرقم فقط، بل سمعها العشرات، وبتعبير بعض الروايات: ثلاثون، وبعض الروايات: ناس كثير. وهو ما تشير له الرواية التي ينقلها الألباني; قال: جمع عليّ (رضي الله عنه) الناس في الرحبة ثم قال لهم: «أنشد الله كلّ امرىء مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم ما سمع لَما قام». فقام ثلاثون من الناس، فشهدوا حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أنّي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه». قال: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إنّي سمعت عليّاً يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله يقول ذلك(15).

وهنا يظهر بشكل واضح أنّ زيد بن أرقم يروي واقعة واحدة وليست متعدّدة.

وعند المقارنة بين نص مسلم الذي يقول فيه: كبرت سنّي وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعيه، والنصوص الأُخرى نجد أنّ النصوص الأُخرى أدقّ; إذ يقول: فقلت لزيد: سمعته من رسول الله؟ يعني: أنّه قال لعلي، فقال: ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه، يعني: هؤلاء الثلاثون لا أقل، هؤلاء الناس الكثيرون الذين وصل إليهم صوت رسول الله(صلى الله عليه وآله).

فكيف يمكن مع كلّ هذا أن نقول: أنّ النص الوارد في صحيح مسلم مقدّم على النص الوارد عن هؤلاء الأعلام؟!

 

اندفاع الشبهات والاستبصار:

بعد التعرّف على الأحاديث التي تدلّ على ضرورة اتّباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، واتّضاح الجواب عنده على كثير من الشبهات التي كان تطرح ضدّ هذا المذهب، قرّر «خليل» الاستبصار وتغيير انتماءه المذهبي، وأعلن عن اتّباعه للمذهب الشيعي عام ١٤١٦ هـ (١٩٩٦م) في مدينة «ليلونغو» في مالاوي.

يقول «خليل» عن فترة ما بعد الاستبصار:.. بعدها كنت معرّضاً للأسئلة عن الشيعة، فكنت أُدافع عنهم، وأُبيّن أنّهم ليسوا كما يقول الوهّابية.. وقد دفعني ذلك ـ أي: التعرّض للأسئلة ـ إلى المزيد من البحث عن الشيعة، وكنت أُحرّض الأصدقاء للتسجيل في المدرسة الشيعية; لأجل تقوية عقائدهم 

 

_________________________________________________________________________________________________________

 

الهوامش: 

1- منهاج السنة ٤: ٣٠٠.

2- مسند أحمد، بتعليق الأرنؤوط ١٧: ١٧٥.

3- المعجم الكبير للطبراني ٥: ١٦٩ و١٧٠.

4- المعرفة والتاريخ ١: ٢٩٥.

5- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة ٢: ٣٩٤.

6- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة ٢: ٣٧٨. 

7- سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤: ٣٥٦ و٣٥٧.

8- صحيح الجامع الصغير ١: ٤٨٢.

9- صحيح سنن الترمذي ٣: ٥٤٣.

10- شرح مشكل الآثار ٥: ١٨.  

11- البداية والنهاية ٧: ٦٦٨.

12- الأحزاب -٣٣-: ٣٣.

13- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ٢٢: ١٦.

14- منهاج السنّة ٤: ٤٠٠. 

15- سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤: ٣٣٠ و٣٣١.