أحمد محمّد صلاح الدين  _ مصر

 

المولد والنشأة:

نشأ في مصر في عائلة سنّية المذهب، واصل «أحمد» دراسته الأكاديمية إلى أن نال شهادة البكالوريوس في الطب.

بعد أن تخرّج من الجامعة سافر إلى دولة السويد لظروف خاصّة، وهناك بدأت الرحلة الحقيقية مع آل البيت (عليهم السلام).

يقول «أحمد» عن ما سبق تلك الفترة: كنت أدرس بالسعودية، ولم يكن ما أسمعه عن الشيعة غالباً إلاّ البهتان والسبّ والتعدّي، ولكن هيّأ الله تعالى لي أُناساً منصفين في معقل الوهّابية قالوا لي: إنّ الشيعة فرقة ذات فكر مخالف في الفروع، ولكنّ الأصل واحد.

كان من نعم الله عليّ أن آمنتُ بهذا الكلام مع أنّ الأكاذيب عن هذا المذهب المظلوم كانت دائماً ما تتردّد على سمعي.

«صحيح البخاري» لا يجمع كلّ الأحاديث الصحيحة:

من الأكاذيب التي يروّج لها بعض الشخصيات التي تدّعي المكانة لنفسها عند الفكر السنّي أنّ عقيدة المهدي المنتظر هي عقيدة خاصّة بالشيعة، لا علاقة لها بالقواعد الدينية وعقائد علماء المسلمين، ويستندون ـ لإثبات تلك العقيدة ـ بأنّها لو كانت من العقائد الإسلامية الثابتة لوجدنا ذكراً لهذه العقيدة في الصحيحين، وهما

أصحّ كتابين بعد كتاب الله عزّ وجلّ، أو إشارة إليها فيهما!

وممّن ذكر هذا الأمر: أحمد أمين المصري، في كتابه ضحى الإسلام; قال: وفكرة المهدي هذه لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية، ففي نظري إنها نبعت من الشيعة، وكانوا هم البادئين باختراعها، وذلك بعد خروج الخلافة من أيديهم وانتقالها إلى معاوية، وقتل عليّ، وتسليم الحسن الأمر لمعاوية(1).

وقال محمّد رشيد رضا: على أنّهم أنشؤوا في العصور الأولى عصبيات لأجل المهدي ولكنّها جاهلية، بل أنشؤوا المهدي المنتظر نفسه لأجل تلك العصبيات الفارسية المجوسية، التي كانت تسعى لإزالة ملك الأمّة العربية وإفساد دينهم الذي أعطاهم الملك والقوة، ولأجل ذلك كثر الاختلاف في اسم المهدي ونسبه وصفاته وأعماله، وكان لكعب الأحبار جولة واسعة في تلفيق تلك الأخبار(2).

إذاً تبيّن أنّ الأطروحة المهدوية بما لها من هذه الأُطر العامة منشأها مجوسي فارسي، فالقضية قضية قومية ونشأت منها هذه الفكرة!

ومن الذين صرّحوا أيضاً بهذه الفكرة من المعاصرين: الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، رئيس المحاكم القطرية; قال: وإنّ أصل من تبنّى هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة، الذين من عقائدهم: الإيمان بالإمام الغائب المنتظر، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهو: الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن العسكري. فسرت هذه الفكرة وهذا الاعتقاد بطريق المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنّة(3).

والجواب على هؤلاء: إذا قلنا أنّ الروايات التي يمكن الاحتجاج والتسليم بها وقبولها ليست إلاّ في الصحيحين إذاً لابدّ أن يُقتصر على الصحيحين، صحيح البخاري وصحيح مسلم، باعتبار أنّ سنن الترمذي ومسند أحمد والنسائي

والمستدرك ومسند أبي يعلى، وغيرها عشرات المسانيد والصحاح، هذه ليست حجّة، ولا يمكن الاستناد إليها.

وهذه مغالطة يحاول أن يستعملها البعض للتعمية وإضلال العوام، وللإجابة على هذه المغالطة لابدّ من الإشارة إلى مجموعة من الأُمور:

الأوّل: إنّ البخاري قال بأنّ هناك أربعين ألف رجل وامرأة رووا الحديث، وهؤلاء أشار إليهم في كتابه «التاريخ الكبير».

الثاني: إنّ البخاري نفسه عنده كتاب اسمه «الضعفاء» ضعّف فيه سبعمائة من الرواة من مجموع أربعين ألف، هذا معناه: أنّ الباقي، وهم البالغ عددهم حدود تسعة وثلاثين ألف راو للحديث، من غير مدرسة أهل البيت في الأعم الأغلب، كلّهم ثقات.

الثالث: إنّ ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم ممّن اجتمعا عليه من الرواة، أو ممّن انفرد به كلّ واحد منهما عن الآخر، لا يتجاوز ألفين وخمسمائة راو من مجموع تسعة وثلاثين ألف راو، وهذا يعني: أنّ حدود ستّة وثلاثين ألف وخمسمائة راو ثقة يوجد عندهم أحاديث ولكن لم ترد في صحيحي البخاري ومسلم.

وإلى هذه الحقيقة اشار الحاكم بعد ذكره لأقسام الصحيح المتّفق عليه والمختلف فيه، فقال: «هذه وجوه الصحيح المتّفقة والمختلفة، قد ذكرناها لئلا يتوهّم متوهّم أنّه لم يصحّ من الحديث إلاّ ما أخرجه البخاري ومسلم..

فإذا نظرنا فوجدنا البخاري قد صنّف كتاباً في التاريخ، جمع أسامي من روي عنهم الحديث من زمان الصحابة إلى زمن خمسين، فبلغ عددهم قريباً من أربعين ألف رجل وامرأة، خرّج في صحيحه عن جماعة منهم، وخرّج مسلم في صحيحه عن جماعة. قال الحاكم: جمعت أنا اساميهم، وما اختلفا فيه، فاحتج به أحدهما، ولم يحتج به الآخر، فلم يبلغوا ألفي رجل وامرأة. 

قال: ثمّ جمعت من ظهر جرحه من جملة الأربعين ألفاً، فبلغ مائتين وستّة وعشرين رجلاً، فليعلم طالب هذا العلم أنّ أكثر رواة الأخبار ثقات، وأنّ الدرجة العليا للذين في صحيحي البخاري ومسلم، وأنّ الباقين أكثرهم ثقات، وإنّما سقطت أساميهم من الصحيحين للوجوه التي قدمنا ذكرها لا لجرح فيهم، وطعن في عدالتهم، وإنّما فعلا ذلك في كتابيهما زيادة في الاحتياط، وطلباً لأشرف المنازل، وأعلى الرتب، وباقي الأحاديث معمول بها عند الأئمّة»(4).

فهل يمكن لعاقل أن يدّعي أنّه لا تقبل تلك الروايات إلاّ إذا كانت في صحيح البخاري ومسلم؟

فالبخاري لم يلتزم بتخريج كلّ ما صحّ من الحديث، كما أنّه لم يخرّج عن كلّ من صحّ حديثه، ولم ينسب إلى شيء من جهات الجرح، وهم خلق كثير، يبلغ عددهم نيفاً وثلاثين ألفاً، هؤلاء لم يُجرحوا بل وثّقوا; لأنّ تاريخه يشتمل على نحو من أربعين ألف وزيادة، وكتابه في الضعفاء دون سبعمائة نفس، ومن خرّجهم في جامعه دون ألفين.

فجامع البخاري ليس هو الجامع لكلّ الأحاديث، بل هو مختصر لسُنن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو ما صرّح به البخاري نفسه بقوله: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم كتاباً مختصراً لسُنن النبي (صلى الله عليه وآله)، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب. يعني: كتاب (الجامع)(5).

فقد ظهر بهذا أنّ قصد البخاري كان وضع مختصر في الحديث، وأنّه لم يقصد الاستيعاب، لا في الرجال، ولا في الحديث.

ونقل المزّي عن البخاري قوله: ما أدخلت في كتاب الجامع إلاّ ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول(6).

وممّا يزيد الأمر إيضاحاً: التأمّل في عنوان صحيح البخاري; فإنّه سمّاه: الجامع الصحيح المسند المختصر، ولكن يد الخيانة العلمية تدخّلت فسمّته بـ«جامع صحيح البخاري»، وهذا يوهم القارئ والمحقّق والمتتبّع أنّ كلّ ما صحّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)موجود في هذا الكتاب، مع أنّ البخاري ألّفه على أنّه مختصر، ولم يقصد الاستيعاب، ولم يلتزم بإخراج كلّ ما صحّ من الحديث.

وإنّما سمّاه: جامع; لأنّه جمع فيه كلّ أبواب العلم، لا أنّه في كلّ باب جمع كلّ الروايات، فهو يحتوي على أحاديث في الأبواب الثمانية المعروفة.

ومن هنا يتّضح جواب من يتساءل مغالطاً وموهماً بعدم وجود أحاديث الإمام المهدي في الصحيحين البخاري ومسلم، إذ هما ليسا جامعين لكلّ ما صحّ من الرجال والأحاديث، وإلاّ لذهب نصف الفقه ونصف العبادات.

الوقوف على حقيقة الشبهات يؤدّي إلى اتّباع الحقّ:

بعد أن اتّضح لـ«أحمد» خطأ ما كان يرّوجه أعداء شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك بفضل الله عزّ وجلّ; إذ عرّفه على أحد أتباع المذهب الشيعي، الذي بذل معه مجهوداً عظيماً، وأخذ بيده لينهل من ينابيع آل البيت (عليهم السلام) التي لا تنضب، بعد كلّ ذلك قرّر «أحمد» اتّباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، والاعتقاد بالأئمّة الاثني عشر وخاتمهم الإمام المهدي(عليه السلام) عن وعي وبصيرة، نابذاً بذلك التعصّب والاتّباع الأعمى(2).

 

_________________________________________________________________________________________________________

الهوامش:

1- ضحى الإسلام ٣: ٢٤١.

2- تفسير المنار ٩: ٤١٤، ذيل الآية -١٨٧- من سورة ا لأعراف.

3- لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمّد خير البشر: ٣ ـ ٤.

4- نقله عنه ابن الجزري في جامع الأصول في أحاديث الرسول ١: ١١٤ ـ ١١٥.

5- تاريخ بغداد ٢: ٨.

6- تهذيب الكمال للمزي ١: ١٦٧.